تلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ 2
بقلم/ علي محمد الخميسي
نشر منذ: 14 سنة و شهرين و 17 يوماً
السبت 21 أغسطس-آب 2010 10:33 م

كما هو معلوم أن تاريخ الكثير من الأمم والشعوب مدون كليا أو جزئيا عبر المئات أو الآلاف من الكتب التي خطها وألفها العديد من المؤرخين القدامى أو المعاصرين ,فقد الفت قديما وحديثا كتب التاريخ بصور وأشكال كتابية مختلفة ولأهداف وغايات متعددة منها ما هو علمي ومنهجي ومنها مادون ذلك , وبالتالي الست معي عزيزي القارئ في القول بان هذا التاريخ استُغل كثيرا لتشويه الكثير من الشعوب والأمم بشكل مباشر ومقصود وبطريقة مدروسة وممنهجه ؟ الست معي في القول بان الأمانة العلمية في كتابة التاريخ الإسلامي - الذي يهمنا كمسلمين - غابت كثيرا عبر العصور المختلفة من خلال مؤلفات وكتابات بعض المؤرخين الذين دونوا هذا التاريخ بشكل غير علمي وغير أمين ,الم يزوروا ويضيفوا الكثير من القصص الخيالية والأساطير والخرافات الشعوبية والرويات المسيئة لهذه ألامه العظيمة ؟ الست معي في القول بان العامل السياسي والصراع المذهبي والطائفي والايدولوجي والعداء التاريخي للإسلام من اليهود والمجوس والمنافقين كان له التأثير الأكبر والواضح على الكثير مما كتب قديما وحديثا ؟

عندما نتحدث عن نسيان الماضي لا يعني إنكار ما حدث عبر التاريخ الإسلامي من مآسي وسلبيات وفواجع , ولكن عندما يُوظف هذا الجزء السيئ من تاريخنا لزرع بذور التخلف والانقسام والتشرذم والاختلاف والخلاف العبثي بيننا فهذا ما يجب الوقوف عنده أو أمامه , فالأيدي الغير أمينه التي سجلت ودونت الكثير من الأحداث عبر تاريخنا العربي أو الإسلامي يجب أن نضع حد لأكاذيبها ودسائسها حتى نستطيع كشعوب فهم الحاضر وبناء المستقبل دون عوائق تاريخية .

الماضي بايجابياته وسلبياته يؤخذ منه العبر والدروس فقط , وبالتالي الانجرار وراء هذا الماضي أو البقاء " الأزلي " في أسره هو ما يجب أن نقف عنده ونحذر منه بل ونضع حد لهذا العبث الثقافي الذي أوصلنا اليوم كمسلمين إلى قائمة الشعوب المتخلفة و المتشرذمه .

فهل سنظل كشعوب عربية أو إسلامية مأسورين لتاريخ أمه قد خلت لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت وبالتالي لن نُسأل يوم الحساب الأكبر عما عملوا من خير أو غير ذلك ؟! ..... بالله عليكم ألف وأربع مائة سنه ولازلنا كمسلمين في خلاف مذهبي متجدد ومقيت يدور حول مسائل فرعية أو عقائدية حسمها القرآن العظيم وسنه المصطفى العدنان الصحيحة في حينه !! ....ألف وأربع مائة سنه ونحن نحرث في مسألة قد تجاوزها الزمن والتاريخ والعصر الحديث الذي نعيشه اليوم كمسألة الخلافة ومن كان أحق للخلافة بعد وفاة الرسول عليه الصلاة والسلام علي بن أبي طالب أو أبو بكر الصديق رضي الله عنهما !! .... ألف وأربع مائة سنة ونحن كمسلمين مصرين على تكريس الخلاف والاختلاف بيننا في تناسى عجيب لذلك التاريخ المضئ للحضارة الإسلامية التي علمت العالم و قدمت للبشرية الشئ الكثير من العلوم المختلفة التي وظفت بشكل ايجابي واستفاد منها الغير بعد أن تقهقرنا كمسلمين إلى الخلف بفعل الانقسامات السياسية والمذهبية والطائفية لتساهم هذه العلوم بشكل كبير في بناء عصر عالمي جديد هو عصرا لنهضة التي شهدتها أوروبا بعد أن تخلت شعوبها عن سياسة الانجرار إلى الماضي المقيت وبعد أن كسرت قيود التخلف والانحطاط والرجعية التي نعاني منها اليوم كمسلمين .

نحن نحتاج اليوم كضرورة حضارية إلى خلع ثوب الماضي السئ من تاريخنا ولبس ثوب جديد يليق بتاريخنا المشرق ثوب خال من الأوساخ وبراثن التخلف وقيود التشدد والتعصب والغلو , نحتاج كضرورة روحية إلى جرع إيمانية قوية نكسر بها قيود الانغلاق والتحجر والجمود , جرع إيمانية نطوي بها خلافات الماضي والحاضر لنؤسس مستقبل زاهر تستحقه شعوبنا وأمتنا , جرع إيمانية توحد كلمتنا كدول وشعوب ومذاهب وطوائف , جرع إيمانية نستفيق بها من هذه الغيبوبة التاريخية التي سيطرت علينا وأسرتنا إلى ماض مليئ بالخلافات والصراعات العبثية التي أضرتنا كثيرا ولم تنفع أحدا منا .

إننا كعرب ومسلمين في أمس الحاجة اليوم إلى وقفة جادة وصادقة ومصيرية لمحاسبة الذات ومراجعة ماضينا واخذ العبر والدروس منه , نحتاج إلى عودة صادقة إلى حظيرة الإسلام وصحيح الإسلام الذي لا يقر بالعصبيات المذهبية أو الطائفية أو السلاليه أو القبلية , الإسلام السمح الذي بشرت به الكتب السماوية وذكر تفصيلا وتشريعا في كتاب الله الأعظم القرآن الكريم وسنه المصطفى عليه الصلاة والسلام الصحيحة , الإسلام النقي الذي حمل رسالته الخالدة اشرف وأنقى خلق الله محمدا بن عبد الله عليه الصلاة والسلام الذي بعث رحمة للعالمين ومتمما لمكارم الأخلاق وحاملا لراية التوحيد والنهضة لهذه الأمة بل وللبشرية جمعا التي تستحق إن آمنت ووحدت وأخلصت وعملت بسنن الكون العيش في سعادة دائمة في دنياها وأخراها .

في تناوله قادمة سنتحدث إن شاء الله عن الكيفية التي نستطيع من خلالها توظيف الماضي لفهم وبناء الحاضر والمستقبل لكي تكتمل من وجهه نظري حلقات موضوعنا سالف الذكر .

ali.alkhamesy@gmail.com