ثمّة انفلات أمني واضح وغياب شبه كامل لإدارة محافظة عدن كونها العاصمة المؤقتة للحكومة الشرعية..
تفجيرات هنا وهناك، واغتيالات ممنهجة بدقة، ونعرات مناطقية بغيضة، تُنذر بمستقبل كارثي لأهلنا في الجنوب بل وللشمال أيضاً ..
لكن من وراء ذلك ، وما هي أبعاد ذلك على المستوى المحلي وعلى الإقليمي؟
الملاحظ من تسارع وتيرة الاغتيالات الممنهجة، يلحظ قاسماً مشتركاً بين الضحايا، وهي أن جميعها من قوى المقاومة الوطنية والعسكرية، ابتداءاً بالقيادات العسكرية وضباط وقيادات مقاومة من الإصلاح والسلفيين والمستقلين ومحافظين تابعين للشرعية، ومقرات شرطة ومقرات للحكومة، وهذا يجعل قوى الشرعية وأنصارها مستهدفة ومعرضة للخطر ومهددة بأن لا مُقام للحكومة الشرعية في جنوب اليمن، وهذه هي الرسالة الأولى التي تحملها هذه الفوضى الدموية...
هذا بدوره أصاب الحكومة بالشلل الأمني، فلا هي بالتي تريد تأمين عدن ومداخلها، ولاهي بالتي تستطيع حماية نفسها إبّان تواجدها هناك تحت التهديد المباشر!
كما سيرسل رسالة سلبية أخرى لإخواننا في الجنوب بأن الشرعية غير قادرة على تأمين الجنوب من الهجمات والفوضى الأمنية، وبالتالي فخيار المجاميع المسلّحة والخارجة عن سلطة الدولة التي لا تعترف بالحكومة وبسيادتها سيبدأ يطفو على السطح، تمهيداً للاستقلالية في القرار فالإنفصال والتشظي إلى إمارات عديدة متناحرة...
وهذا الذي سيوجد البيئة الخصبة لنمو وتفريخ الجماعات المسلّحة كالقاعدة وداعش، وتكوين الإمارات الصغيرة المتناحرة فيما بينها، ليظل الصراع جنوبي جنوبي بين كل المديريات والمحافظات الجنوبية..
إن المُلاحظ البصير لما يجري يُدرك أن الحوثيين لا علاقة مباشرة لهم بما يحدث، وإن كانوا يحبذون الفوضى الحاصلة لأنها تخدم أهدافهم بالإجمال وأهداف إيران وأمريكا في تفكيك اليمن بدليل تأييدهم وتطابق رؤاهم مع الحزب الاشتراكي في السابق واللاحق الذي يعجبه ذلك وإن كان يدينه في الظاهر، مع مطالبته بإيقاف العاصفة (فوراً) لإنقاذ تناسل الميليشيات الحوثية في الشمال.
فضلاً عن أن الحوثيين لا يملكون تفاصيل قيادة المقاومة في المحافظات الجنوبية وهم قد طُردوا منها، والبيانات الموجودة لديهم من اختراقهم وسرقتهم لبيانات الأمن القومي اليمني قديمة ومن قبل الانقلاب أو أثناءه فقط، بخلاف المقاومة التي أفرزها الميدان حديثاً، والاغتيالات التي استهدفتهم والتي لايمكن إلا إن تكون بناءً على قواعد بيانات حديثة، ومِن أُناسٍ أدرى بتضاريس عدن وجغرافيتها، وسكانها !
يجب ألا ننسى في خضم هذا أن مجاميع من الحراك المُسلّح التابع لعلي سالم البيض قد تم تدريبها من حزب الله في لبنان إعلامياً وعسكرياً، وهذا تعرفه الحكومة اليمنية جيداً، وبشهادة القيادي الجنوبي قاسم عسكر الذي قال في 2013م: ( إن بعض الشباب في الحراك ذهبوا إلى إيران للتدريب، وبالتالي بحثوا عن التمويل والتدريب من أجل مواجهة الاحتلال الشمالي، كما نوه عسكر إلى أن " بعض القادة البارزين في الحراك ذهبوا إلى الحوثيين من أجل السلاح، ونحن حذرناهم بأن يتوقفوا"، وذكر أيضاً أن "حزب الله اللبناني قدّم بعض التمويل لقيادة الحراك، وحصلوا على التدريب الإعلامي للقناة التلفزيونية (عدن لايف)، التابعة للحراك والمناوئة للحكومة اليمنية والتي تُبث من بيروت، إضافة للتدريب العسكري".
إن أصابع المخابرات الإيرانية والأجنبية واضحة في تحريك أجندة لها في الداخل الجنوبي من ضعفاء النفوس وممن لا يزال لهم بعض الولاء للمخلوع ممن يشوهون المقاومة الجنوبية الباسلة، ويحرقون قضيتهم، فيقومون بتصفية قيادات القوى الوطنية العسكرية والمدنية، ولعلّ ما يؤكد ذلك، الاستهداف المباشر لقادة الإصلاح وعلماء السلفيين وهما يمثلّان العمق السنّي الأكبر في اليمن.... ما يعني التمهيد لإخلاء الساحة من قوى الاعتدال والتفريخ للإرهاب كالقاعدة وأخواتها، وهذا يشابه السيناريو الذي اتبعه المالكي في تصفية قادة المقاومة العراقية السنّية التي طردت الاحتلال الأمريكي، فأنشأ فرق الموت وساندتها بهذا دموية الزرقاوي وأتباعه وانسياقهم لنفس المخطط، فتم القضاء على كل قادة الفصائل المقاومة السنّية وهو ما شكّل بيئة خصبة لإفراز ميليشيات الحشد الشيعي وداعش لاحقاً!
ويدّل على ذلك نبوءات ولدالشيخ المُعدّة سلفاً في تقريره لمجلس الأمن في 17 فبراير 2016م حيث ذكر " تزايد نشاطات تنظيمات القاعدة والدولة الاسلامية" ، وأشار إلى أنهما "منتشران حاليا في أنحاء عدة في البلاد". وأفاد بورود " تقارير عن تزايد وجود القاعدة في مساحات واسعة في محافظة حضرموت وعن سيطرتها على المرفأ وحركة الملاحة وتجارة النفط غير القانونية، وأن التقارير الواردة عن التعرض إلى المدنيين وعمليات الرجم وإعدام الجنود والمدنيين تدعو للقلق"!!!!
فيما يقول وزير الخارجية عبدالملك المخلافي بصراحة: بأن " لا وجود لداعش في اليمن "، والعميد أحمد عسيري قال إن "عمليات القاعدة الموجودة في جنوب اليمن لها ارتباط وثيق بالمخلوع". هذه تصريحات مسؤولة تُدرك جيداً أبعاد المؤامرة الدولية التي تُراد لليمن وجره جنوبه إلى مستنقع الإرهاب بخلاف ما عبّر به ولدالشيخ الذي روّج لداعش كثيراً في التقرير، وهي لم تُولد بعد أيدولوجياً في اليمن!
كل هذا لو أضفنا إليه انتشار المجموعات المسلّحة والتي كلٌّ منها يأتمر بإمرة أمير خارج سلطة الدولة، فإنه ينذر بتشظي رهيب سيدفن الأمن إلى غير رجعة-لا سمح الله- ، وليس آخر ذلك المعارك التي دارت بين الحرس الرئاسي والشرطة أو أفراد من المقاومة كما في رواية أخرى!
إن ما يجري جزء من مخطط أكبر من اليمنيين في الجنوب وإن كانوا أدواته في الداخل، يهدف يمجمله إلى التفريخ للإرهاب الذي يعتمد تكتيك التوسع المكاني ثم إعلان الولايات الصغيرة وحشد الأنصار والأتباع، وهذا سيعطي الذريعة الكافية للتدخل الدولي ولأمريكا وروسيا وأخواتهما، وسحب السيطرة من التحالف العربي على الأجواء والبحار بحجة مكافحة الإرهاب "الشماعة الدولية الرائجة"! ومن ثَمّ فصل جنوب اليمن عن شماله وعن محيطه العربي وبالأخص عن الممكلة العربية السعودية رأس الحربة المناهضة للمشروع الإيراني في المنطقة، ما يعني انشغال المملكة بتنظيف الشمال وتأمين حدودها، وستبقى الجنوب بؤرة لصراع طويل ومؤامرات دولية وصراع جنوبي جنوبي لن يبق فيه أي أمل للمستقبل!
ندعو إخوننا في الجنوب الذين سطروا البطولات مع قوات التحالف والجيش الوطني في تطهير مدنهم من ميليشيات الإنقلاب أن يطهروا صفوفهم من الدخلاء الذين يقفون مع الحوثي والمخلوع في محاربة الشرعية، كما ندعوهم بأن يأخذواعلى أيدي سفهاء الحراك الذين يشوهون صورة المقاومة في الجنوب، ويشقون الطريق بسرعة جنونية للإرهاب وجلب المؤامرات الدولية، فالوقوف مع الشرعية هو الذي أعطى العاصفة والمقاومة الشرعية وهو ملاذ اليمنيين جميعاً والقشة الأخيرة التي نستمسك بها قبل الانفلات للفوضى وعصابات الظلام. ونذكرّكم أن للتحالف صبرٌ محدود على تفاهات النفوذ ، والمناطقية البغيضة، وانتقاد الشرعية ليل نهار، لا سيما وهو ملتزم بمعارك أكبر في الشام والشمال أيضاً.
كما ندعوا الحكومة الشرعية والتحالف إلى أخذ الأمر بجدية، وإدراك مآلات هذا الانفلات الخطير .