مصر وسيناريو السقوط الإستراتيجي(1)
بقلم/ عمرو محمد الرياشي
نشر منذ: 11 سنة و 3 أشهر و 14 يوماً
الخميس 18 يوليو-تموز 2013 05:23 م

بعد اتضاح الكثير من تفاصيل المشهد المصري وانقشاع الضباب عن عيون البعض بالرغم ان المشهد السياسي واضح ولا يحتاج ذلك الوقت في الاستغراق الطويل لمعرفة أسباب سلسلة التأمر المرسومة سلفاً ولكننا جميعا شاهدنا حقيقة واحده وهي ان هناك مؤامرة انقلاب دوليه تمت بالفعل على ثورة المصريين بواسطة قيادة الجيش التي لعبت الدور بشكل أرضى جميع الأطراف التي دعمت الانقلاب .

لقد كان قدر مصر ان لا تكون مجرد دولة عاديه بل دولة رائدة في قلب العالم العربي والإسلامي بحكم أهمية الموقع الجغرافي الاستراتيجي وبحكم الثقل السكاني وصولا الى أقوى دولة عربية محاذيه للكيان الصهيوني .

حقيقة لم تعد الأمة الإسلامية تواجه الخطر الخارجي وحده بل لقد تشابك الخطر الخارجي مع الخطر الداخلي في معارك إقصاء وهيمنة على إرادة الشعوب في إستعادة هويتها وحريتها واستخدام الخطر الداخلي كأداة من قبل الخارج لتحطيم الوصول الى مرحلة الاعتماد الذاتي والتحرر من قيود الخارج المفروضة بأجندة استعبادية اقل ما نستطيع وصفها ....

ولذا نرى كثير من الدول التي لها ثقل في عالمنا الإسلامي وكان لحكامها وشعوبها طموح تحقيق النهضة والاعتماد على الذات والتخلص من الهيمنة الخارجية سرعان ما تحولت الى دول تثقلها القلاقل ومشاريع صراعات عطلت وهدمت أحلام التحرر.

فلا نعجب ان نرى تلك الدول التي حاولت الخروج عن مسار فلك التبعية قد وصلت لمرحلة من الضعف لم يعد بمقدورها ان تحافظ على بقائها ككيان الا بمساعدة الآخرين وليس أي آخرين بل أعداء هذه الأمة ولدينا الكثير من والامثله فمن اندونيسيا ومخطط التقسيم وانفصال تيمور الشرقية إلى مخطط رفع نسبة الديانة المسيحية لتصبح اندونيسيا دولة غير إسلاميه بنهاية القرن الحالي حسب المخطط ولا ننسى كل من العراق والسودان والجزائر والتي لا يتسع الوقت لشرح ما حدث في تلك الدول وهي تحاول الخروج من نفق التبعية والإستقلال الحقيقي .

فما ما نراه اليوم في مصر ليس بجديد ولكن لماذا نرى الأمر يتكرر على الجميع؟ هل نظل كمراقبين لأوضاعنا المحزنة نعلق شماعة الفشل وعدم الجدية والاستبداد أم هناك من يقوم يزرعها ويلعب الدور المكلف به من قبل دوائر خارجية لا تريد إلا إبقاء مصالحها على حساب مصالح الشعوب .

بالنظر الى الواقع السياسي الراهن للعالم نرى كثير من المعايير والمصطلحات السياسية المتعارف عليها مثل الإنتخابات واستخدامها طريقا للتداول السلمي للسلطة أصبحت في عالمنا الإسلامي مجرد سلعه يتم تسويقها للإستهلاك الإعلامي والسياسي والإقتصادي وحين يتم استهلاكها وفقا لمواصفات الدول المصدرة سرعان ما تصبح المواصفات والمعايير السياسية غير مطابقة وغير صالحه للاستهلاك السياسي تحت مبررات للتسويف ليس أكثر .

ربما لان الكثير يعتبر ان القوى الإسلامية بتياراتها المختلفة محرم عليها ان تستخدم الديمقراطية كسلعه سياسية كونها قد تسقط وتكشف كثير من الزيف الذي أغرقت الأمة به وتشبعت منه ... بغض النظر عن الإخفاقات التي وقعت فيها التيارات الإسلامية في مسارها السياسي عبر التاريخ لكن لو ترك لها المجال لكان حققت الكثير عما عجز تحقيقه الآخرين .

فظهور القوى الإسلامية في كثير من دول العالم الإسلامي ودخولها ميدان السياسية بمواصفات عصريه أربك كثيراً من القوى الأخرى بمختلف توجهاتها ومدارسها التي اضطرتها أحيانا الى محاربة القوى الإسلامية بتسويق أفكار بعض التيارات الدينية المتطرفة التي مازالت قابعة تحت تأثيرات ظلامية لا صلة لها بالإسلام ولكن تُستخدم لأجنده تخدم بعض القوى المستفيدة من هذا الظلام الفكري الذي يغذي مصالح كيانات سياسية أخرى .

وما اقصده بالقوى الإسلامية هي تلك القوى التي خاضت مضمار السياسية كحل حضاري لإنقاذ الأمة من حالة الفرقة والسقوط الحضاري الذي تسببت فيه الحركات السياسية السابقة التي كرست لنا دول تحمل أيدلوجيات القوميات القُطريه التي أخرجت لنا قوى اهتمت بجزء من الأمة وفككت الجزء الأخر حتى ضعفت وخارت قوى الأمة والنتيجة التي لا مفر منها أن أصبحت مصير الشعوب رهينة تحت الهيمنة الخارجية وأسيره لإطماعه خاضعة لأقواله وأفعاله ولا حول لها ولا قوة سوى القبول بالطاعة فقط .

حتى نكون صادقين في الطرح والنقد ان ليس كل القوى الإسلامية على مستوى واحد من الفكر والخبرة في التعامل مع تعقيدات السياسية المركبة بل لقد شهدنا في الحالة المصرية كثير من القوى المحسوبة على الإسلام داخل مصر وخارجها وهي تسوق بكل وضوح جهاراً نهاراً لخصوم الإخوان في مصر ودعمت بالمال فقط حتى لا تخرج مصر عن الخط المرسوم لها من قبل القوى الإقليمية .

لكن لماذا كل الحنق على الإخوان بالرغم من حداثة عهدهم في الحكم ؟

الجواب ببساطه لا يكمن في تركيبة الإخوان الإيدلوجيه أو دهائهم السياسي بل على العكس لو أردنا ان نحاكم الإخوان لتم محاكمتهم بتهمة الغباء السياسي المفرط ولكن يكمن السر في العديد من الملفات ألاستراتيجيه التي تعتبر محرمه العبث فيها وهي : (القمح – الملف النووي – الإعلام - مياه النيل – قناة السويس – الجيش المصري – أمن إسرائيل).

· القمح والاكتفاء الذاتي : العلاقة بين القمح والسياسية طرديه كلما زاد إنتاج الدولة للقمح كسلعه استراتيجيه في الامن الغذائي قوي استقلال الدولة وخروجها عن التبعية فالقمح محصول سياسي ان جاز التعبير حيث أصبحت الدول المصدرة مثل أمريكا وحلفائها في الاتحاد الأوروبي يستخدمون هذه السلعة للإبتزاز السياسي ليصبح القرار السياسي تحت إطار التبعية وبذلك نجد الدولة التي لديها عجز غذائي ببساطه مسلوبة الإرادة والاستقلال السياسي وبذلك يكون للقمح ثمن سياسي لا يقل أهميته عن عقود التسليح والمساعدات فكلما زادت الفجوة الغذائية زاد بالتالي الفجوة في الاستقلال السياسي وأصبحت الدولة لا تملك قرار سياسي.

وربطا بالحالة المصرية نجد ان إخضاع مصر سياسي وضمان عدم كسرها عصا الطاعة كان لزاما وضع مصر بحالة عجز دائمة لتوفير سلعة القمح لمصريين مقابل مصادرة الاستقلال السياسي والتبعية السياسية . وهذا ما نجحت أمريكا في تنفيذه وببراعة في تذويب هوية الشعوب وإذلالها وإخضاع حكامها بمفاتيح غلال العالم الغذائية دون الحاجة لدفع نفقة فاتورة باهضة بإرسال حاملات الطائرات وإرسال صواريخ عابره للقارات واستخدام أسلحه الدمار الشامل لفرض إجندتها السياسية .

طبعا الأخوان في سياسيتهم الزراعية كان لهم مشاريع اكتفاء ذاتي وزادت زراعة القمح عن سابق عهد مبارك وتم إلغاء كثير من وكالات استيراد القمح الأمريكي وهذا ما اعتبرته القوى الكبرى مؤشر خطر يجب التنبه له وإفشال أي برنامج اكتفاء ذاتي لمصر ولقد شاهدنا على سبيل المثال ماذا حصل على سلة الغذاء العربي السودان وكيفية جرى مخطط التقسيم الى دولتين علما ان المخطط قد يمتد لتقسيم السودان الى 3 دول . طبعا ربما بعض القراء سيقول أنني بالغت في ملف القمح وعلاقته بالوضع السياسي في مصر ولكن سأورد لكم بعض المحطات السياسية حتى أبرهن على ذلك .

· في حرب 1973م قال هنري كيسنجر وزير الخارجية الأمريكي وهو يعتصر وجعا ردا على استخدام سلاح البترول ( لقاء كل قطرة بترول سنعطيهم حبة قمح ) وهذا ما تم بالفعل استخدم العرب مرة واحده سلاح البترول ولكن الأمريكان مازالوا يمارسون استخدام سلاح القمح حتى الآن .

·لا ننسى ما فرضته الولايات المتحدة الأمريكيّة من حظر تصدير الغذاء إلى ليبيا في أوائل عام 1986م واستخدام سلاح التجويع في تسعينات القرن الماضي ضد الشعب العراقي لتجويعه وإذلاله .

·أيضا استخدم سلاح القمح ضد الدول النامية والدول المتقدمة على حدٍ سواء فقد اُستخدم ضد فرنسا في زمن ديغول , وضد بعض الدول في أمريكا اللاتينية والدول الإفريقيّة والآسيويّة.

·إيقاف تصدير القمح الى الاتحاد السوفييتي في عهد رئيس الولايات المتحدة جيمي كارتر في عام 1980م كرد على تدخل السوفييت في أفغانستان.

·أيضا ما كتبه هنري كيسنجر في مذكراته سنوات الفوران (الاضطراب) عن كيفية استخدام الولايات المتحدة الأمريكية سلاح القمح من اجل الضغط والمقايضة على بعض القرارات السوفييتية مثل المساومة مع السوفييت بخصوص ملف هجرة اليهود السوفييت وكيف تم رفع عدد المهاجرين السوفييت من 400 مهاجر الى 35 ألف مهاجر بفضل وسيلة الضغط الغذائي والتجاري وكان هذا الأمر في عام 1973م .

·لا ننسى حرص الولايات المتحدة الأمريكية ( أكبر مصدر للقمح في العالم ) والاتحاد الأوربي إلى الحد من دعم صادرات القمح ووصل الأمر الى رمي الفائض من القمح والأرز في البحر حتى يرتفع ثمنه ويزيد من الأعباء الماليّة على البلدان الفقيرة.

وبهذا نخلص الى أن الشعب الذي لا يزرع حبة القمح لا يمتلك كرامته و لا إرادته ولا قراره السياسي السيادي .