نداء الى أهل اليمن بتجنب الفتن
بقلم/ ابو الحسن مصطفى اسماعيل السليماني
نشر منذ: 13 سنة و 7 أشهر و 10 أيام
الخميس 24 مارس - آذار 2011 12:24 ص

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله وكفى، وسلام على عباده الذين اصطفى، أما بعد:

فقد وصلت الأزمة في بلاد اليمن إلى حافَّةِ هاويةٍ سحيقة، وفَجْوة عميقة، وتلبّدتْ سماءُ البلاد بغمام أَسْود كالليل البهيم، لا يُرْجى منه أن يمطر ماءً سحًّا غدقًا، إنما يُخشى أن يُمْطِر بلاءً مُحْدِقًا، وشرًّا مُهْلِكًا، لاسيما بعد أن حَدَث شَرْخٌ وتناوشٌ بين القوات المسلحة البين في العاصمة وبعض المحافظات، الأمْر الذي قد يُنذر بشرٍّ مستطير، وطُولِ نَفَسٍ للأزمة، وهذا كله من أجل ماذا؟ من أجل أن يَظهر فلان، أو يرْحل فلان؟ هل يجوز من أجل هذا أن تُسْتَحلّ محارمُ الله؟ هل بهذا تُنتهك حدُود الله، ويخوض الناس في فتنةٍ القاعِدُ فيها خيرٌ من القائم، والقائمُ خيرٌ من الماشي، والماشي خيرٌ من الساعي إليها؟ أمِنْ أَجْلِ هذا يلتقي صفَّان أهلُ دينٍ واحد، وبلدٍ واحد، وبينهم من أواصرِ الأُخُوَّة، والنسب، والمصاهرة ما لا يخفى، فيصْرم بعضهم بعضًا؟ أفلا يخشى هؤلاء جميعًا من قول الله عز وجل: [فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ]؟ ألا ينظر هؤلاء جميعًا إلى قول الله تعالى: [أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ لِيَوْمٍ عَظِيمٍ] ؟ ألا تَرْحَمُ هذه الأطرافُ المتنازعةُ ضَعْف النساء اللاتي يهددهن الثُّكْلُ والترميلُ بفقْد أولادهن وأزواجهن؟ ألا يرحمون ضَعْفَ الآباء الذين انحنى عُودُهم، وجَفَّت جلودُهم على عظامهم، وغارت أعينهم، وضعُفت أبصارهم، ولم يَبْق لهم سبب يملأ حياتهم ووجوهَهُم بالابتسامة والأمل إلا دخولُ أبنائهم عليهم؟ ألا يرحمون زَهْرَة الشبابِ الذين تتخطَّفُهم المنايا؟ ألا يرحمون أطفالاً يهددهم شَبَحُ اليُتْمِ، وفَقْدِ حنان ورعاية الآباء؟ ألا يرحمون الصغارَ من التشريد والضياع بفقْد مَنْ يعولهم؟ ألا يكفيهم أن بلدهم – على صغرها- من أكثر البلاد عددًا للأيتام في العالم مع الوضع الطبيعي، فكيف بالوضْع الكارثي والمأساوي؟ ألا نعتبر بما يجري في ليبيا هذه الأيام، مع الفارق بين البلدين أيضًا؟!

إنني من واجبي الديني والإنساني والمصيري – فكلنا في سفينة واحدة- أنادي في الجميع – مع ما قد حَدَثَ من إراقة الدماء خشيةَ ما هو أعظم- التعقُّلَ، والرويَّة، والأناةَ، والخوفَ منَ لقاء الله، فقد أصبحت الحربُ الأهليةُ تَلُوحُ في الأفق؛ وإنني من باب الحفاظ على الدماء اليمنية المسلمة مِنَ السفّك، والأشْلاء مِنَ التناثر، والأْنفُس من الزُّهوق، والنسيج الاجتماعي اليمني من البتـْر والانصرام، والحرص على الحضارة اليمنية التي بُنِيتْ على مدار عقود زمنية بمُهَجِ القلوب من الخراب اليباب، وحذرًا من الوصول بالبلاد إلى ما يُسمى بـ "الأرض المحروقة"؛ إنني أُهِيب بالجميع أن يتنازلوا بقدْر الإمكان لله عز وجل، وأن يقبلوا أي حَلٍّ يحافظ على ما بقي من خير، وألا تحملهم الأحقادُ على بعضهم أن يَزُجُّوا بشعب مسكين، فقير، كادح، يبحث عن لقمة العيش بعزٍّ وعفافٍ في أَتُّونٍ مُسْتَعِر، ويخرِّب بلاده، وحضارته، وانجازاته بيده، ويعود للوراء عقودًا من الزمان، ومن ذا الذي سيفرح بعد ذلك بسلطة أحرزها، أو دولة يحكمها، بعد أن استلم بلادًا لم يبْق بيت فيها إلا وقد خيَّم عليه الحُزن، وبكتْ فيه البواكي؟!

كما أُهيب بالعلماء ورجال القوات المسلحة والأمن، ومشايخ القبائل، وأعيانهم، والمثقفين، والأكاديميين، وجميع المنظمات المدنية وغيرها من جميع أفراد الشعب الغيورين: أن يصطفُّوا جميعًا وراء ما يَنْتَشِلُ السفينةَ من الغَرَق، ويحفظ ما بقي من دماء، وثروات، ومصالح للشعب، وأن يقدموا المصلحة العامة على كل المصالح الشخصية، والحزبية، وأن يحافظوا على استقرار واجتماع الناس في المدن والقرى، واستمرار المساجد والمآذن والمنارات في رفْع ذِكْر الله، وبقاء الطلاب في المدارس والجامعات، وأن يرحموا الشيبانَ الرُّكَّع، والأطفالَ الرُّضَّع، والبهائمَ الرُّتَّع، وإلا فلو نَعَقَتْ غِرْبانُ الفتن؛ فحصادها: قَتْلَى، ومُعَـوَّقون، ونازِحون، وارتهانٌ تحت يد الأجانب، وانتظار الأغنياء الأعزاء في الطوابير لرغيف خبز تجود به المنظمات الإنسانية الصليبية والوثنية، إلى غير ذلك مما لا يرضى مسلم ولا غيره أن يلْقَى به ربه.

إنني أنادي في أهل اليمن: الإيمان، والفطرة، والأصالة، والحكمة، والفقه، والشهامة، والمروءة، ومكارم الأخلاق أن يرحموا شعبهم، وأن يكونوا مفاتيح خير مغاليق شر، وألا يكونوا رجال شُؤْمٍ على بلادهم، ولا يُعَرِّضوا أنفسهم للعنة الله عز وجل، والملائكة، والناس أجمعين، وأن يَسُـنُّوا سُـنَّة حسنة باحتواء الفتنة، وتجنيب البلاد ويلات الفتن، فو الله إنها لحرب – إن وقعتْ لا قدَّر الله- خاسرة من جميع الموازين، وليس فيها مُنْتَصِرٌ ومَهْزُوم، بل الكل فيها مَهْزوم خاسر، وأن يحوِّلوا هذه المحْنَـة إلى مِنْحَة، كما قال تعالى: [لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ]. وصدق من قال:

الحربُ أولُ ما تكونُ فَتِيّةً

  تَسْعَى بزينتِها لكلِّ جهول

حتى إذا اشتعلتْ وشَبَّ ضِرامثها

  وَلَّتْ عَجوزًا غيـرَ ذاتِ حليلِ

شمطاءَ يُكْرَه لونُها وتَغَيَّرتَ

  مكروهةً للشَّمِّ والتقْبِيلِ

إنني مع هذا كله؛ أهتبل الفرصة، وأنصح الجميع بالإقبال على الدعاء، والاستغاثة في أوقات الإجابة، فإن الله لا يرد دعوة من دعاه، وإذا كان الكفار قد قَبِل الله دعاءهم إذا اضطروا إليه، كما قال تعالى: [فَإِذَا رَكِبُوا فِي الفُلْكِ دَعَوُا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى البَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ] فكتب النجاة لمن دعاه منهم حالة الاضطرار، فكيف بالمسلم الراكع الساجد؟! فالواجب أن المحن تزيدنا تضرُّعًا وانكسارًا لا قَسْوة واستكبارًا، كما قال تعالى: [فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ].

اللهم يا من بيده قلوب العباد، ونواصيهم، يا من كل شيء عنده خزائنه، يا من يخفض ويرفع، ويُعْطي ويَمْنع، يا من لا يُعْجِزه شيء في الأرض ولا في السماء: احفظ اليمنَ وأهلَه، وجبالَه ورمالَه، ووديانَه وسهولَه، ومَنْ فيه مِنْ خَلْقِك، وجميعَ بلاد المسلمين مِنْ مُضِلاَّت الفتن، وادفعْ عنهم شَرَّ كلِّ ذي شَرٍّ أنت آخذٌ بناصيته.

وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.

كتبه/ أبو الحسن مصطفى بن إسماعيل السليماني

دار الحديث بمأرب

بتاريخ: 17 / 4 / 1432هـ 

الموافق: 22 / 3 / 2011م