ماذا نريد؟ من هنا نبدأ
بقلم/ د. محمد محمد الخربي
نشر منذ: 12 سنة و 3 أشهر و 6 أيام
الأربعاء 25 يوليو-تموز 2012 10:56 م

قراءات في النهضة اليمانية

إننا – أبناء اليمن – وبإقرار رسول الله صلى الله عليه وسلم نتسم بالإيمان والحكمة والفقه المعتدل وكمال الأخلاق الذي يعتبر معيار كمال العقول . إننا من هذا المنطلق نجد أنفسنا نتحرك حضاريا وواقعيا في سياق هوية حضارية تقوم على التوازن العميق بين الأصالة (تاريخ الأخلاق) المتسم بالثبات والمعاصرة و(تاريخ العلم ) المتسم بالتحول ويمكن بيان هذه المفاهيم كالآتي :

-إدراكنا الجيد بوعينا الديني والمجتمعي والتاريخي دافع حقيقي في تحقيق مانريد من نهضة يمانية معاصرة.

 - ليس هناك أي تضارب بين هويتنا المجتمعية التاريخية وآمالنا الحضارية المنشودة .

- العدل أساس السلطات والظلم يدمر المجتمعات ويفسد حياة الإنسان .

- نؤمن بتلازم القرآن والسنة ، وأن كلاهما يكمل الآخر ، ونقف من قضايا التشريع موقفاً وسطياً ، دون تشدد أو غلو ، بل إن اليسر والتبشير هو جوهر عقيدتنا شكلاً ومضموناً .

- الناس يولدون أحراراً متساوون في الحقوق والواجبات وهم سواسية أمام الله والقانون ذكوراً وإناثاً ، وإنما يكون التمايز بالعمل والجودة والكفأءة .

- التنمية المستدامة حق مشروع لكل فرد في المجتمع أكان في المدينة أم في العزلة أم في القرية أم في القبيلة ، والولاء المركزي يكون لله ممثلاً في سلطات الدولة التنفيذية والتشريعية والقضائية ، ولا أحد فوق القانون بدءًا برئيس الدولة وانتهاء بأبسط مواطن في الأمة. والولاء لله هو الذي يحقق التوازن والعدل في الحقوق والواجبات بين بني البشر ، لأنه يزرع الرقابة الذاتية في نفوس الحكام ويحولهم إلى خدام لشعوبهم وقضاء منافعهم .

- لايهتدي العقل إلى العدل إلا بالحاكمية المطلقة لله ، ولسنا مطالبين في البحث عن تفاصيل حياتنا في نصوص القران والسنة ، ولكننا نعمل ونقول في ضوء هذه الحاكمية التي تعني التسليم والطاعة فيما اتضح من أحكام خاصة التشريعات، والاجتهاد وإعمال العقل فيما جد من معاملات .

- إن جوهر ديننا هو (أن الحكم لله) فإن خلص القول والعمل فيما ينفع الانسان ويحقق العدل فذلك مقتضى الشرع وغاية المبتغى من النص وإنما نستقي من الكتاب والسنة على قدر عقولنا وما يتلاءم مع عصرنا فكل جيل جعله الله لزمانه حصرا ولاينبغي أن نلوي حاجاتنا أو نلتوي عليها .

- نعتبر أن تعميم التنمية المتوازنة على كل أبناء البلاد أينما كانوا هو أساس للحوكمة الرشيدة ، ويدفع عن حياة أبناء اليمن عوامل الظلم والجور من قبل الحاكمين القائمين على شؤونه ،مما يعني توزيع الصلاحيات والثروات بصورة عادلة ومنصفة .

- إن صنع القرارات لابد أن يقوم على قاعدة المنفعة العامة وبما يجذر من مبدأ العدالة الاجتماعية ويحجم من صلاحيات الفرد على حساب حقوق الناس ومصالحهم .

- إن بناء اقتصاديات ناجحة يتوقف على سوق وطنية متحركة ومتطورة تقوم على الاكتفاء الذاتي في الزراعة والتصنيع لتشمل كل مناحي الحياة العلمية والإنسانية .

- لايحق للدولة المركزية أن تحتكر أقوات الناس ، ولا يجوز بأي حال من الأحوال أن توضع المؤسسات ذات الإيرادات العملاقة في يد الملكيات الخاصة ، بل ولا ينبغي أن يكون هناك من هو أقوى اقتصادياً من الدولة نفسها ،وإلا فإن ذلك سيكون بؤرة لفساد عظيم يمس حاجات المواطنين وأقواتهم ويسلب الدولة المركزية قرارها وهيبتها وسيادتها.

- نؤمن أن المال العام محرم على أي كان ولا يجوز التصرف فيه إلا بمراقبة دقيقة من كافة السلطات، وأن يصرف في وجوهه بما ينمي ويحقق الرفاه الاقتصادي والاجتماعي والثقافي لكل شرائح الناس ، وأن الدماء والأعراض لها حرمة مغلضة في ديننا ومن قتل نفسا بغير حق فكأنما قتل الناس جميعا ، ومن انتهك عرضاً فقد هتك حجاب الله العظيم.

- إننا ننظر إلى الحضارة الغربية بكل إعجاب وتقدير فيما يتعلق بشؤون الدولة والاقتصاد وتنظيم البنى التحتية والمؤسسات المدنية ، ولكننا نعتقد أن الجانب السلوكي والقيمي لايلائم خصوصياتنا ، وأن المجتمع الغربي يحتضر في جانب الأخلاق ويحتاج إلى عملية إنقاذ إسلامية تعيد إليه توازنه الإنساني الطبيعي.

- نؤكد بلا أدنى شك أن حالات التدهور في مجتمعاتنا وحكامنا بالذات إنما سببه التكالب على حب الدنيا والتمادي في الطغيان والابتعاد عن قيم ديننا الحنيف . مع إيماننا الراسخ بحرية المعتقد والرأي والفكر ، ولا إكراه في الدين ، وانما يحاسب المرء على تقصيره في واجباته، مع حتمية الرقابة

والمحاسبة وتجريم الجمع بين الوظيفة العليا والتجارة درءًا للمفاسد.

- من حق الإنسان التعليم والصحة والسكن والعمل والحياة الكريمة ، وأن يؤخذ منه من خيرات مايصلح حياته العامة ويحقق له التوازن العمراني والبيئي والخدماتي بصفة دؤوبة وخلاقة ومن تمتد يده إلى هذا العائد يطبق عليه حد الحرابة .

- إن الديمقراطية والشورى مفهومان متلازمان ، والعمل بأحدهما ينتج خللاً وقصوراً في أداء مؤسسات المجتمع ، فالديمقراطية هي أن يحكم الشعب نفسه بنفسه وأن يختار ممثليه بملء إرادته ، أما الشورى فهي تسيير المؤسسات بمختلف صورها وفق إراداة النخبة في المجتمع ، أي أن الديمقراطية تشكل البرلمان وتختار الرئيس ..بينما الشورى تضمن الكفاءة والجودة والامتياز والإبداع في تسيير جميع شؤون المؤسسات الانتاجية والعلمية والخدمية دون تداخل وطغيان وإنما توازن وتكامل .

- إن مجتمع المعرفة الحداثي هو جوهر الدولة المدنية المعاصرة ، ولابد لنا أن نردم الفجوة الحضارية التي تفصلنا عن غيرنا من الأمم والشعوب ، إن رمنا نهضة يمانية مبدعة وخلاقة ، فالمعارف والعلوم هي ميراث إنساني عام ومشترك ، لايحق لأي إنسان أو بلد أونظام أو شعب أو أمة أن تحتكرها أو تحجبها عن الغير ، وليس هناك جريمة أخلاقية تعدل هذا السلوك العدواني في حياة البشرية الواحدة .

- إن حوار الثقافات والحضارات وتلاقح الأفكار وتبادل الخبرات والتجارب من صميم ديننا الإسلامي ، وهو جوهر وجودنا في هذه الحياة ، ولا تستقيم شؤوننا إلا بتفاعلنا الإيجابي وانفتاحنا الإنساني والعلمي ، والحقيقة لها جوهر واحد تنبع من ذات الله ، ولكنها تكون في قوالب وأشكال لاتعد ولا تحصى ، وتتلون وفق حاجات الإنسان الحضارية ، ولذلك نقول هنا :إن الإسلام صالح لكل زمان ومكان ، ولا نقصد بهذا القول إلا أن يأخذ المسلم من دينه ماتستقيم به حياته ومتطلبات عصره ، أما إكره الناس على أنماط لاتتناسب مع واقعهم ، فإن ذلك يشوه مقاصد الدين وينفر الأتباع من الاتباع فالنص القرآني واحد ، ولكنه جعل لمجتمعات ومقامات شتى لاتعد ولا تحصى !

- إن نموذج الخلافة الإسلامية هو أرقى صور الحكم الإنساني، وهو يعني أن الإنسان خليفة في كل حقول حياته بلا استثناء، بدءًا بالسلطان وانتهاء بالإنسان الذي جعله الله خليفته على أفعاله وأقواله وعلى سمعه وبصره وعلى عقله وقلبه وعلى عواطفه ومشاعره وعلى يده ورجله وعلى فكره ولسانه ، ولذا فالخلافة ليست حكراً على الحكم والدولة والمؤسسات ولكنها مفهوم واسع يشمل كل صغيرة وكبيرة في الحياة ، وقد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها ، ولا شك ان أعظم خلافة في الوجود هي خلافة الله على الحياة برمتها (ولله ميراث السموات والأرض ) وبيده مقاليد ونواصي كل شيء .

*أستاذ علم اللسانيات بكلية اللغات جامعة صنعاء

*مندوب اليمن المساعد بمنظمة اليونسكو