رئيس من أجل اليمن
بقلم/ ياسمين علي القاضي
نشر منذ: 13 سنة و 3 أشهر و 25 يوماً
الثلاثاء 12 يوليو-تموز 2011 05:02 م

بينما نحن "الشعب" يلعب دور المشاهد فقط في اللعبة السياسية القائمة برعاية سعودية من الطراز الأول علينا الاعتراف أننا كمشاهد أيضًا لم نفهم اللعبة جيدًا بعد ولم نستطع أن نضع أيدينا على المستفيد الأوحد من قتل اليمن سياسيًا واقتصاديًا.

اتهام صالح وحيدًا ما هو إلا تمييع للقضية, فهو في نهاية المطاف فردًا من منظومة أكبر تتمسك بالحياة عبره ولا تقبل أن يترك نهجه الأول ويغيّر مسار حياته و"حياتهم". فصالح وأسرته والمستفيدين من نظامه عاشوا على نهج وحيد وشعار مستهلك إلا وهو "يمن من أجل الرئيس" لا ننكر أن كثيرين من عامة الشعب بسبب الجهل والتعبئة السياسية الخاطئة يؤمنون فعليًا أن اليمن كوطن وشعب وموارد كلها خلقت من أجل خدمة الرئيس علي عبدالله صالح وليس لديهم أي إشكالية في العيش من أجله وإقحام اليمن في حرب بلا هوادة أيضًا من أجله.. هم يرسخون مبدأ يمن من أجل الرئيس وهو بدوره يعلم أن منصب الرئيس ما هو حاليًا إلا كخادم لأهداف ومطامع أخرى فئوية سواءً محليًا أو إقليميًا أو دوليًا.. مما يغير قواعد اللعبة السياسية الحالية لذا بات من اللامنطق, الاستمرار في استخدام نفس أدوات الثورة التي ما زلنا نستخدمها من فبراير الماضي.

علينا أولًا أن نفهم أن التراجع أو التخاذل عن الثورة اليوم بسبب الملل أو الانتهاكات الداخلية أو فقد الإيمان بها ليس مجديًا على الإطلاق.. فنحن قد وصلنا نقطة لا يمكن التراجع عنها اليوم ولا يوجد شيء اسمه العودة إلى ما كنا عليه.. أنصاف الثورات ما هي إلا مقابر جماعية.. أهمية الاستمرار حتى الهدف الأخير باجتثاث نظام صالح والوصول لدولة مدنية هو بأهمية الحياة نفسها؛ ليس لأنني ممن يروجون لمشاريع الموت الجاهزة كبعض من يكتبون إلى أهمية الدماء كمحرك للثورات. لكنني أعي أن المرحلة اليوم إذا استمرت بنفس جمود الفعل الثوري أو استمرت بنفس الأدوات التي باتت لا تؤثر التأثير المرجو فإننا ببساطه سندخل مرحلة التصفيات.. علينا أن ندافع عن الثورة؛ لأننا عندها ندافع عن حقنا في الحياة.

خلال الستة الأشهر الماضية حاكينا التجربة المصرية والتونسية في الاعتصامات الشعبية, والفرق أن العامل الزمني قتل اليمن اقتصاديًا وقتل اليمن اقتصاديًا ليس بالشيء المشرف كما يروج له بعض الثوار التي أخذتهم الحماسة عن استدراك هذا الواقع الأليم, فقياسًا بالنتائج سنجد أن المواطن البسيط هو من يعاني بينما أفراد نظام صالح والمستفيدين منه لم يعانوا أو منعا للغط نقول لم تصل معاناتهم كمعاناة ذلك الفقير. منهم من هرب أمواله للخارج بينما الفقير فقد وظيفته. منهم من هرب أطفاله للخارج بينما الفقير الذي ثرنا لأجله مترقب خطر الحرب الأهلية التي قد تفقده أسرته دون أن يقوى على حمايتها.

أزمة الكهرباء تأثر أيضًا على المواطن فهي أزمة مفتعلة من الجهتين القبائل, والدولة والضحية هو المواطن البسيط, أما أفراد صالح لديهم المولدات ولا يعرفون أن الكهرباء من الأساس تنطفئ.

أزمة البترول والديزل أيضًا يعاني منها نفس المواطن بينما أولئك المعنيون بالثورة لم يتأثروا إطلاقًا.

أردنا أن نقتل نظام صالح, لكن للأسف نحن نغتال اليمن مع صالح.. كل ما ذكرته هو واقع معاش وللأسف حقيقة وهو لا يعني أبدًا التهاون في اجتثاث نظام صالح ولكنه دعوه لإيجاد سبل, ووسائل أخرى أكثر فاعلية وأقل ضررا للثورة.

البعض للأسف الشديد يعتقد أن الساحة هي الثورة, وهذا أحد المبادئ التي شلت حركة الثورة وجعلتها ديكورًا يمتد ويمتد ويتوسع دون تأثير فعلي قوي. الساحة كانت أداة مهمة, لكنها بما أفرزته من مبادئ بعد شهرها الثالث أصبحت أراها عبئًا على الثورة وعلى الوطن. هي وسيلة ضغط قوية بلا شك, لكننا الآن مؤهلون للانتقال لمراحل أبعد من الساحة والأفعال ثورية جديدة عليها أن تكون ابتكارية. في الساحة للأسف تمت إعادة إنتاج نظام صالح بجدارة. فما زال هناك القمع وما زال هناك ذوي التاريخ غير المشرف..إلخ, وهو ما حظر نجاح الساحة في تحقيق ما حققته تونس ومصر.

التحديات التي تواجهنا كثيرة, ولا أعتقد أننا نستطيع أن نغير شيئا أن لم نبدأ في التوعية الحقيقية وترسيخ مفهوم الدولة المدنية التي من دورها ان تجهل الأغلبية المضللة تعي أن يكون هناك "رئيس من أجل اليمن" وليس العكس.

مفهوم الدولة المدنية يلازم التوعية السياسية, حيث يفهم الشعب معنى دولة مؤسسات وأن الثورة ارتضت أن تكون هناك حكومة تكنوقراط ونظام برلماني على الشباب, مثلًا في سبيل الوصول غلى التغيير المرجو ليس فقط الاستمرار في الساحة بهذه الطريقة التي قد تسقط صالحًا وتحضر بدلًا منه صالحًا جديدًا. عليهم في ظل فقدان الثقة في الأطراف السياسي أن يفرزوا لاعبين سياسيين جدد على قدر من الثقة والكفاءة وهذا من شأنه أن يجذب أولئك المترددين والرافضين لقوى المعارضة السياسية القديمة. مع العلم أن النظام البرلماني الذي نسعى إليه قد لا يلبي طموحنا في التغيير إذا لم تولد أحزاب سياسية جديدة ببنى وهيكلة جديدة على غير نهج صالح ومعارضته.

أعلم أن الكثيرين يرونا أن دور الشباب رقابي وورقة ضغط, وأنا أبارك هذا النهج, لكن الحاجة أم الاختراع, وقد أثبت تاليتنا خلال الستة أشهر الماضي أنها تضعف وتضعف مع مرور الزمن وأنها بحاجة إلى إنعاش وبحاجة إلى سبل جديدة.

على الشباب أن ينتقلوا من دور المشاهد إلى دور اللاعب السياسي.