مرحباً....بالتدخل في شئووننا
بقلم/ د: عبد الملك منصور
نشر منذ: 13 سنة و 6 أشهر و 29 يوماً
السبت 28 مايو 2011 09:24 م

 " على كل دولة واجب الإمتناع عن كل تدخل في الشئون الداخلية والخارجية لدولة أخرى" هذا النص ورد في التصريح الصادر عن هيئة الأمم الخاص بحقوق الدول وواجباتها.

 ذلك أن التدخل في الإصطلاح السياسي يقصد به تعرض دولة للشئون الداخلية والخارجية لدولة أخرى وإملاؤها إرادتها عليها بقصد تغيير الحالة الراهنة فيها دون أن يكون لهذا التعرض سند قانوني .

 ذلك هو التدخل في شئون الآخرين إذن في المراجع، لكن يبقى هل هذا حق مطلق أم أن في الأمر نقاشاً؟

 كنا قد فرغنا في مقال سابق إلى أن الحاكم خادم للأمة وليس سيداً عليها، وعليه فليس من حق الحاكم أن يستبد بشعبه ويظلمه ويستأثر هو وأولاده بخيراته، فإذا ناقشه قتله، فإذا جاءه نصحٌُ من خارج البلد قال ذلك تدخل في الشئون الداخلية، إذ إنه من المقرر أن الخادم ( الحاكم ) يخدم الشعب ولا يقتله، وإذا إختلفوا فإن الدستور والقانون يحددان مسارب حل ذلك الخلاف.

 ولا يستطيع الحاكم أن يقول أنه أبٌُ للشعب فهو يتعامل معهم تعامل الأب مع أبناءه يربي صغيرهم ويقوّم معوجهم فإن الأب في سبيل ممارسة مهمة الأبوة لا يقتل أبناءه، وإن فعل فهو منحرف يجب الأخذ على يده وإيقافه عند حده.

 وإن أراد الحاكم أن لا يتدخل الناس في شئون بلده، فعليه أولاً أن يتحرى ويبذل الجهد الصادق في حل المشاكل التي تعرض له أثناء خدمته للشعب، وألا يصنع المشاكل بنفسه، مهمته إذن حل المشاكل التي تعرض له لا أن يصنعها وذلك هو الحد الأدنى في درجات الخدمة.

 أما إذا زاد سوءه فحوّل مشاكله الداخلية، التي صنع أغلبها بنفسه، إلى تجارة مع العالم الخارجي يقبض منهم الأموال مقابل أن يحل إشكالات صنعها في شعبه فإنه قد بلغ من السوء درجةً تجعل تدخل الآخرين في شئون الشعب الذي يحكمه أمراً مبرراً ومقبولاً.

 إن مهمة الحاكم الخادم لشعبه هي الحفاظ على سيادة البلد ومصالح الشعب في توازن مع الحفاظ على مصالح الآخرين المشروعة عند شعبه، فإذا تضررت مصالحهم فإن تدخلهم يغدو مشروعاً في نظرهم على الأقل، أما إذا كان الإفساد الذي أحدثه الحاكم في شعبه مضراً بمصلحة الشعب أولاً فإن تدخل الآخرين يغدو مشروعاً عند الشعب وعند الآخرين سواءً بسواء.

 في هذا العصر الذي إرتفعت فيه الحواجز بين الدول وأصبحت الحدود أقرب ما تكون إلى علامات على الجغرافيا ولم تعد سدوداً وحواجز لها باطن وظاهر تخفي الذين وراءها وتمنع الرؤية من خارجها، لم يعد بإمكان الحاكم المستبد أن يقتل شعبه مغمضاً عينيه ظاناً أن العالم لا يراه.

 إن الحدود زجاج شفاف، موجودة نعم، ولكنها لا تمنع الرؤية. لذلك فالمجتمع الدولي يستطيع مشاهدة ما يحدث من كل مكان، في كل مكان، وفي كل زمان، لم يعد بقدرة مستبد أن يقفل على شعبه أبوابه ويفعل ما يشاء متفرداً بشعبه مستخدماً أجهزة القمع، ولم يعد يستطيع أن يكبت أصوات الشعوب فلا تبلغ مسامع الآخرين خلف الحدود، الكل في كل الوقت يرون من خلال الفضائيات والصحافة الناقلة كل شئ.

 وحتى حين يحاول الحاكم المستبد أن يطرد من الشعب المراسلين الذين ينقلون حقيقة ما يدور فإن النشطاء السياسيين يتحولون جميعاً إلى مراسلين وبحرفية عالية، فمن خلال كاميرا الموبايل يستطيع كل أحد أن يصور مشاهد التعذيب ومرارات الواقع وماهي إلا كبسة زرٍ حتى تكون وصلت إلى فضائية ما، والتي تنشرها على أوسع نطاق.

 إذن لا الحدود باتت تنفع المستبدين، ولا القيود تستر عوراتهم، ولا طرد المراسلين يمنع الأخبار من الخروج.

 وهكذا نجد مبدأ عدم التدخل في شئون الآخرين يتهاوى أمام ضربات التكنولوجيا وصحوات الشعوب وجسامة الجرائم المرتكبة في حق الشعب.

 ولا يحتجن أحدٌُ فيقول أنك بهذا ترحب بالأجبني، فإنني أقول إن المرفوض هو الوجود العسكري المباشر ومع ذلك فقد استباح الأجانب كل محرم بمباركة من المستبد القريب الأخ الوطني، أما الأجنبي الثقافي والفكري فأخذٌُ وعطاء مستمر، والأجنبي السياسي يصعب إلى الإستحالة قفل الباب في وجهه.

إن ظلم القريب مثل ظلم الغريب، كلاهما مرفوض مبغوض ولا مرحباً بأخ يظلمني وينهب حقي ومرحباً ببعيد ينصفني....ورب أخ قريب حُكْمه أمَرّ وأقسى من المستعمر الغريب البعيد لذلك قال قائلنا من قبل: ( طرفة بن العبد)

وظلم ذوي القربى أشد مضاضةً  على المرء من وقع الحسام المهند

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا  ويأتيك بالأخبار من لم تزود

عن المرء لا تسأل وسل عن قرينه  فكل قرين بالمقارن يقتدي

فقد تقاسم أعمامه مالَ أبيه الذي مات غنياً وظلموه ظلماً بيناً وأرادوا منه الرضى لأنهم أقرباءه....يا سبحان الله.

 الظلم يُرفض لا لمصدره وإنما لذاته، فإذا أضيف إليه قهر وسلب ونهب وخُتم بقتل فقد اكتملت أسباب الثورة.