|
كباحث في الشأن الإيراني قرأت خلال الأيام الماضية العشرات من الأخبار والتصريحات والتقارير التي تتحدث عن انتشار فيروس كورونا في إيران والأرقام والإحصائيات التي تنشرها وسائل الإعلام كل يوم كما قرأت الكثير من المقالات والتحليلات التي تتحدث عن تداعيات انتشار فيروس كورونا وآثاره السلبية على مختلف أوجه الحياه في إيران ، كان تقرير مراسلة " الصاندي تايمز " البريطانية في اسطنبول لويز كالاهان عن الوضع في طهران استثنائيا بكل المقاييس عن كل التقارير التي قرأتها ، ستقولون ما علاقة هذه المراسلة وهي في اسطنبول بالوضع في طهران ؟!
لقد بدأت القصة عندما تم تكليف لويز كالاهان من قبل " صاندي تايمز " بالسفر إلى طهران لتغطية فعاليات انتخابات مجلس الشورى الإسلامي وبعد إنتهاء فعاليات الانتخابات التي أجريت في 21 فبراير شباط الماضي واثناء محاولة لويز العودة إلى اسطنبول أعلنت السلطات الإيرانية عن بعض تفاصيل انتشار فيروس كورونا وعدد الوفيات والإصابات في إيران خصوصا بعد قيام السلطات الصحية في مطارات دول مجاورة بإجراء فحوصات لعدة حالات وتم التأكد من إصابتها بالفيروس بعد عودتها من إيران وهو ما دفع دول الجوار ومنهم تركيا لإيقاف الرحلات من وإلى إيران وتم إلغاء كافة الحجوزات وعندها علقت لويز في طهران مما جعلها تتجول في العاصمة طهران وتكتب تقارير وقصص عن الأوضاع فيها حيث نشرت " الصاندي تايمز " تقريرا لمراسلتها في اسطنبول العالقة حاليا في طهران تصف فيه المدينة بأنها قد تحولت إلى مدينة أشباح وأن العطاس في طيران مثل الصراخ بلفظ " الله أكبر " في مترو نيويورك .!
* إحصائيات جديدة وبشكل يومي
في كل يوم تعلن وسائل الإعلام في إيران عن وفيات جديدة وخصوصا من المشاهير : نواب في البرلمان ومسؤولون في مجمع تشخيص مصلحة النظام ورياضيون وغيرهم فيما ترتفع عدد الإصابات بشكل يومي حيث وصلت بالأمس إلى 77 حالة وفاة وإصابة 2300 حالة بفيروس كورونا تم شفاء 435 حالة منها بحسب تصريح مساعد وزارة الصحة الإيراني علي رضا رئيسي لوكالة تسنيم الإيرانية أمس الثلاثاء حتى صار الحديث عن فيروس كورونا هو حديث الناس وتم التحذير من التجمعات والقبلات وصار مشاهدة الناس بالكمامات في كل مكان هو المشهد الطبيعي في ايران اليوم فيما انتشرت تحذيرات ووصفات كثيرة لمعالجة المرض .
كما أعلنت منظمة الصحة العالمية أمس الثلاثاء عن إرسال طائرة تحمل فريق طبي ومساعدات لمؤازرة جهود الجمهورية الإسلامية للتصدي لتفشي فيروس كورونا المستجد على أراضيها .
واكدت منظمة الصحة أن فيروس كورونا، بات مترسّخا في إيران، وأن خطره في البلد الذي يصل تعداد سكانه إلى 82 مليون نسمة، يفوق أي بلد آخر .
* إ جراءات للحد من انتشار فيروس كورونا
لقد قررت إيران إغلاق المدارس والجامعات وتعليق الأنشطة الثقافية والرياضية الكبرى وتم تعليق عمل البرلمان وتقليص ساعات العمل لمحاولة احتواء تفشي الفيروس.
كما تتجه إيران لإلغاء الاحتفالات بأعياد رأس السنة الفارسية والاعتدال الربيعي " النوروز " في العشرين من مارس آذار الجاري لهذا العام بسبب فيروس كورونا .
الإشكالية ان السلطات الإيرانية ظلت لفترة تنكر وجود إصابات بالمرض ، ربما كانت السلطات الإيرانية تريد انجاح فعاليات الانتخابات البرلمانية التي أجريت في 21 فبراير شباط الماضي بأي شكل ولذا تأخرت في الكشف عن تفاصيل الوفيات والإصابات بالفيروس حتى انتهاء موسم الانتخابات حتى لا يحجم الناس عن المشاركة في الاقتراع رغم ان هذه الانتخابات شهدت أقل نسبة في الحضور منذ تأسيس الجمهورية الإسلامية الإيرانية قبل أربعة عقود .
تأخرت السلطات في الكشف عن حالات الوفيات والإصابات بالفيروس وتأخرت في اتخاذ إجراءات الوقاية والحجر الصحي والتوعية وهو ما ساهم في انتشار الفيروس وخصوصا في مزارات ومراقد الأئمة والتي تكتظ بآلاف الزوار بشكل مستمر .
* كورونا أخطر على إيران من العقوبات الأمريكية
هناك إجماع على أن فيروس كورونا أخطر على إيران من العقوبات الأمريكية لأنه يقضي على رموز النظام ويجعل إيران في عزلة بعد ان علقت الكثير من الدول رحلات طيرانها من وإلى ايران إضافة إلى أن انتشار الوباء يشل الاقتصاد الإيراني ويزيد من معدلات البطالة والتضخم من الداخل ويعطل بشكل ملحوظ الحركة اليومية في المدن الإيرانية ولكن هل ما يقال عن أن طهران تحولت إلى مدينة أشباح صحيح بحسب تقرير مراسلة " الصاندي تايمز " ؟!
واذا كانت إيران قد تعودت على العقوبات الأمريكية وتمرست في التحايل عليها والتخفيف من آثارها فإن هذا الفيروس أضاف أعباء كبيرة على كاهل النظام المثقل بالأعباء والتحديات والأزمات .
ولكي تتضح صورة المخيفة لتداعيات انتشار فيروس كورونا على الإقتصادي فقد حذّر رئيس غرفة التجارة والصناعة والمناجم والزراعة الإيراني غلام حسين شافعي أمس الثلاثاء من أن خطر الإفلاس والإغلاق يهدد شركات عديدة في البلاد بسبب فيروس «كورونا».
ووفقاً لموقع «عصر إيران» الإخباري فقد بعث شافعي برسالة مفتوحة إلى حسن روحاني، حذر فيها بشأن الأضرار التي خلفها الفيروس في السوق الإيراني وقال «بسبب تفشي كورونا في البلاد سنواجه سلسلة من الأزمات مثل قلة تداول الأموال في السوق، وزيادة الديون، وعدم الإيفاء بالالتزامات المالية، وسنشهد إغلاق أو إفلاس العديد من الشركات».
وأضاف «ستؤثر هذه القضية هيكلياً على قطاع الأعمال والتجارة في إيران، وبالتالي ستنشأ مشاكل من قبيل توقف تداول الأموال وانهيار النظام المصرفي».
* الحقيقة بعيدا عن التقليل والتهويل
تبدو الحقيقة شبه غائبة في كثير من وسائل الإعلام فالإعلام الإيراني يقلل من أرقام الوفيات والإصابات ويظهر الوضع بأنه طبيعي بينما الإعلام المعادي لإيران يهول ويبالغ في أرقام الوفيات والإصابات ويصور المدن الإيرانية وقد تحولت إلى مدن أشباح وهذا غير صحيح ، الحقيقة هناك وفيات وهناك إصابات وهناك حالات كثيرة تعافت من الإصابة بالمرض والحياة تسير وشبه طبيعية ولكن ليس كما كان الحال عليه سابقا .
هناك خسائر بالمليارات وخصوصا في شركات الطيران والسياحة والفنادق والمطاعم والكافتيريات والمحلات العامة وهناك إقبال كبير على شراء الكمامات وأدوات التعقيم والوقاية .
لابد من الإشارة إلى الدولة في إيران والقطاع الصحي يبذلان جهودا كبيرة للسيطرة على الوضع ومحاصرة المرض وهناك نجاحات كبيرة ولكنها لم تصل بعد إلى مستوى السيطرة على الوضع ومحاصرة المرض .
* ا لواجب الإنساني تجاه الشعب الإيراني
واذا كان للكثير من الدول العربية والإسلامية خلافات مع النظام الإيراني بسبب سياساته في المنطقة فإن الشعب الإيراني اليوم بحاجة للمساعدات الطبية والوقائية والتضامن الإنساني والوقوف معه بشتى السبل والوسائل ولابد من إرسال الفرق الطبية والمعدات والمساعدات وإعلان التضامن مع الشعب الإيراني والتوقف عن الشماتة والتشفي والتهويل والمبالغات فالشعب الإيراني مثلما كان ولا يزال ضحية للعقوبات الأمريكية هو اليوم ايضا ضحية لهذا الفيروس القاتل وان كان فيروس كورونا لا يفرق بين مواطن ومسؤول .
إيران تمر بتحدي صعب جدا يضاف إلى تحدياتها الكبيرة ومشاكلها المزمنة واذا تجاوزته فقد نجحت وستتجاوز غيره من التحديات وهناك استنفار طبي كبير لمحاصرة المرض والأيام القادمة ستظهر مدى قدرة إيران على محاصرة الوباء والتغلب عليه ومدى خسائرها بسببه .
* باحث في الشأن الإيراني
في الخميس 05 مارس - آذار 2020 05:37:35 م