مشاهد من ربيع لم يُكتمل
بقلم/ امل صالح العقيلي
نشر منذ: 13 سنة و شهر
السبت 01 أكتوبر-تشرين الأول 2011 10:34 م

مشهد حرب من فيلم اختلف في تسميته الكثير, من يقول:"ثورة، أزمة، حرب أهلية "...

يبدأ المشهد فجأة في أحد المنازل اليمنية .. مع أن لا أحد سمع إشارة المخرج للبدء

تسمع أصوات الرصاص أولاً تليها أصوات الانفجارات وكأنها كانت تمهيد أو تحذير !

يتجمد الكل في مكانه،من استوعب الأمر بسرعة يبدأ بالصراخ ومناداة الجميع للتجمع في مكان واحد .. ليكتشفَ أن الجميع ناقص ولم يكتمل العدد !

هنا يتعثر التجمع وكأنه قطع مكعبات اكتشفت وجود نقص رغم عدم معرفتها بنوعية القطعة الناقصة .

  بعد التجمع يبدأ التجادل حول آمن غرفة في المنزل .. وفي هذا المقطع ..

يقلب المخرج المجهول نوعية العرض فجأة،فيصبح "صوت بغير صورة "

ينقطع التيار الكهربائي .. فتنعدم الصورة ، وتزداد شدة الانفجارات والقصف .. وهذا كل ما يُسمع .

هنا ودائماً عند هذه اللحظة – التي كثيرٌ ما يحب المخرج المجهول تكرارها – وكأن الزمن رجع بنا سنوات كثيرة بدفعنا نتجمع حول (الشموع والطاولة التي يتواجد عليها الراديو) وهنا انتقلنا من القرن 21 !!

  فجأة يعمُّ الهدوءُ المكانَ .. إما لإعادة شحن كاميرات المخرج أو لإعادة تعبئة المدافع والأسلحة

ليكسر هذا الهدوء المفتَعل صوت المذيع في الراديو، الكل يسمعه بتركيز حتى الأطفال بالرغم من أنهم لا يفهمون حرفاً واحداً !

لكن ما يقاطع صوتَ المذيع في الراديو ويترجم للأطفال ما يحدث ..

هو صوت القصف من جديد .. فيبدأ بالتسلسل تدريجياً صوت البكاء من الطفلة الصغرى لأختها فابنة عمها الصغيرة .

  هنا يضيع الجميع قليلاً فهم لم يقرؤوا النص أبداً،والأحداث تتسارع دون أن يستوعبوا أو يحاولوا فهم ما يحدث .

تُعطى أدوار فرعية إضافية .. بجانب محاولة الجميع تهدئة نفسه يبدأ بتهدئة الأطفال ومَن بجانبه

أحتضنُ أختي الصغيرة والتي تتشبث بلعبتها وبقوة فأضع يدي على صدرها لأهدئ من روعها لأشعر بقلبها يطلق نبضات أكثر مما تطلقه المعدّلات والرشاشات في 10 ثوانٍ .

 

كل أنواع الانفجارات والقصف على المباني يُسمع ومع تساقط القذائف تتصاعد الأدعية إلى السماء فتتصارعان محاولةً (الأدعية) –بمشيئة الله- تغيير اتجاه القذيفة لئلا تسقط على منزل مُرسِلها .

يتغير الاتجاه .. لكن دور القذيفة ما زال قائم وما زالت ستؤديه كما يأمرونها مساعدو ذلك المخرج المجهول .. فتسقط على أحد المنازل .. تنهش أجزاء مِنه وأحياناً تلتهمُه كله .

مع بداية أحداث الفيلم يتغير جريان تيارات الحياة في مواقع التصوير حيث كل شيء يتبدَّل حتى صغائر الأمور ونوعية طريقة التعليم للصغار والمنهج

حيث يختار المخرج المجهول طرق جديدة فهؤلاء الصغار أصبحوا يعيشون ما يتعلمونه وهذه طريقة مبتكرة جديدة ويتغير المنهج التعليمي بحيث لا يصبح يحتوي غير "السياسة، أنواع الأسلحة، كرسي حكم " .. يتعلمون بدون نص يحفظونه أو كتاب بل بأحداث يعايشونها كل لحظة .

وطالب الشهادة العامة أو الثانوية تتسارع الأيام بِه إلى غرفة الامتحانات لكن قبل أن يطرق الباب تكون قد سبقته أحداث الفيلم وأحرقت ذلك الباب بل لم تحرق الباب فحسب بل أحرقت كتبه ودفاتره، أوراقه ومستقبله .

وشباب زرعوا وقدَّموا الكثير لتنمو أحلامهم وهاهم يرونها تُجتَث من جذورها أمام أعينهم

وعجوزٌ كهل تشقى وتشتغل من أجل أن توفر لقمة عيش شريفة لها ولأحفادها تكنس أروقة المدارس،وبين تجمعات الطالبات تسقط على ركبتيها الهزيلتين بعدما سمعتْ خبر مقتل حفيدها ذي الـ10 أشهر .

مشاهدُ هذا الفيلم لا ترحم وكل مشهد يزيد على الآخر حدَّة الألم .

في هذا الفيلم تُقدَّم الكثير من الدماء ليس لتزيد الأمر تشويقاً وحماساً بل لتتجلى النهاية ولا نزال نجهلها .. ننتظرها .

يخرج هذا الفيلم مخرج يلبس قبعة المجهول يعمل بسياسة حقيرة في إخراجه .

ينتجه الشعب ولا يزال ينتج ويقدِّم الدماء والأرواح لإكمال الفيلم

هذا الفيلم هو الفيلم الرابع من سلسلة إنتاجها عربي، لهذه السلسلة خمسة أجزاء ويتوقع إنتاج أجزاء جديدة لكن حالياً يتم العمل على إنهاء الأجزاء الثلاث الأخيرة المتبقية من الخمسة .

جميع الأفلام الثلاثة لا تزال تبحث عن نهاية وجميعها تشترك في سبب صنع الفيلم وفي مشهد الحرب إلا أن فظاعة المشهد تتدرج من جزء إلى آخر .

ولكن الأحداث مختلفة في الأفلام الثلاثة، الفيلم الذي أُعايشُ أحداثه ليس كنظيره الذي يُنتجُ على أرض ليبيا .. فيلم الخيال العلمي الذي تحكي قصته ((أبطال يحاربون كائن أخضر فضائي نزل إلى أرضهم ليسألهم سؤال واحد في خطابه الشهير: من أنتم !!))

وليس كالفيلم الأخير الذي تسردُ أحداثه ((قصة مصاص دماء ورث كرسي عن أبيه فادّعى الإلوهية لنفسه ))

لكل فيلم أحداثه وأبطاله وأرضه ومخرجه ومنتجه وهذا الفيلم يشهد جمهوراً محلياً انفصامي الهوية، فالكاميرات التي تصور أحداث الفيلم بعضها ترى من خلال عدستها ما تراه العين وبعضها زائفة لم تزيل حتى الغلاف عن عدستها .

وكما هو الحال عند أعين الجمهور فالبعض يرى البطل ينزف دماً والبعض يراه ينزف " كتشاب " !

  كما أن الفيلم لا يشهد جمهوراً محلياً فقط بل جمهوراً عالمياً بالرغم من أن [الفيلم العربي] لا يلقى له أبداً جمهور على الصعيد العالمي إلا هذه السلسلة التي خط سيناريوهاتها الواقع قد لاقت بأجزائها الخمسة متابعة حول كل أنحاء العالم فقد حطمت كل المقاييس وفكَّت كل القيود ، مما جعل أول جزءين من هذه السلسلة يحصد جائزة الحرية وحصدَ أبطالها جائزة الشهادة –بإذن الله- وهذا ما تطمحُ إليه الأفلام الثلاثة حالياً .