هيئة مكافحة الفساد تحت المجهر الجماهيري
بقلم/ احمد طلان الحارثي
نشر منذ: 16 سنة و 10 أشهر و 9 أيام
السبت 16 فبراير-شباط 2008 07:48 ص

 مأرب برس – خاص

 في إطار اهتمامها برفع مستوى الوعي الإعلامي بمخاطر الفساد وسبل مكافحته ، أقامت منظمة صحفيات بلا قيود دورة تدريبية لعدد من الصحفيين ، توجت بعقد حلقة نقاش تحت عنوان (سبل مكافحة الفساد وآليات الحكم الرشيد) وقد حضر هذه الحلقة الأستاذ أحمد محمد الآنسي رئيس الهيئة الوطنية العليا لمكافحة الفساد والأستاذ عز الدين سعيد الأصبحي عضو الهيئة الوطنية العليا لمكافحة الفساد والبرلماني المشهور بمحاربة الفساد الأستاذ صخر الوجيه رئيس منظمة برلمانيون ضد الفساد وعدد من المدعوين والمشاركين ، ومن خلال ما تم طرحه أثناء النقاش اتضحت الحاجة الملحة إلى تضافر كافة الجهود من أجل مكافحة الفساد بداءً بفضحه وتعريته وانتهاءً بالقضاء عليه ، إلاّ أن ذلك من الصعوبة بمكان خصوصاً وأن الفساد يحظى برعاية حكومية منقطعة النظير وفي كافة الجهات وعلى كل الأصعدة والمستويات .

 ومن خلال أحاديث منتسبي هيئة مكافحة الفساد تبين أن حجمها صغيراً جداً أمام غول الفساد المستأسد ، وأن إمكانياتها ضئيلة مقارنة بما يحظى به المفسدون من حماية واحترام وتقدير مما يدل على عدم الجدية وغياب الإرادة الحقيقية لمكافحة الفساد باعتباره المصدر الوحيد لإمداد النظام بمقومات البقاء والاستمرار ، والمهم في هذا الاتجاه ماذا ستعمل الهيئة في ظل التأثير المباشر للقوى المتنفذة المرتبطة بمصادر القرار ؟؟

 أعتقد أن الدولة لم تشكل هذه الهيئة رغبة منها في القضاء على الفساد ولكنها تشكلت بناءً على ضغوط خارجية فقط .. وإلاّ ما هو دور الأجهزة المختصة التي توجد في إطار تكوينات الدولة وعلى رأسها الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة الذي يتبع رئاسة الدولة مباشرة ونيابة الأموال العامة التي تتبع مجلس القضاء الأعلى المزعوم استقلاليته وعدم خضوعه لأي جهة كانت .

 هيئة مكافحة الفساد دشنت أعمالها بالتعامل مع قضية الكهرباء النووية بناءً على التناولة الصحفية التي أوردها الصحفي ((منير الماوري)) وهنا يكمن دور الصحافة في تعرية الفساد والمفسدين ، وكما جاء على لسان رئيس الهيئة العليا لمكافحة الفساد أنه تم التعامل مع هذه القضية من خلال التواصل مع عدد من الجهات في الولايات المتحدة الأمريكية ومن ثم الحصول على المعلومات التي جعلت الهيئة تطلب إلغاء الصفقة النووية ، ولكن هل انتهت مهمة الهيئة عند هذا الحد ؟؟

 هنا بيت القصيد ومربط الحصان !! فهل ستجرؤ الهيئة على تقديم سعادة الوزير النووي للمحاكمة بعد ثبوت الجريمة التي تمت مع سبق الإصرار والترصد ؟؟

 من خلال استقراء الواقع فلن تكون هناك نتيجة ملموسة في جانب مكافحة الفساد لأن الواقعين فيه هم الشاكون منه وهم الموجهون لدفة أمور مكافحة الفساد وهذه من المفارقات العجيبة في يمن الإيمان والحكمة ، وربما أن هذا التعاطي مع الفساد ناتج عن حكمة يمانية لم تدركها أي دولة في العالم لأنه من غير المعقول أن يقضى عليه أو حتى التخفيف منه في ظل هذا الوضع الذي يقنن لمكافحة الفساد بمزيد من الخطوات الإفسادية .

 والذي يهمنا في هذا الموضوع هو دور الهيئة الوطنية العليا لمكافحة الفساد المرجو أن تقوم به من أجل إخراج البلاد من دوامة الفساد الذي يأكل الأخضر واليابس وربما يحتمي بشرعية قانونية عند ما يغيب دور هذه الهيئة ، وهذا سيجعلها في المحك وتحت المجهر الجماهيري لقياس مدى المصداقية لدى الدولة في القضاء على الفساد من عدمه من ناحية ومن الناحية الثانية فإنه يضع الهيئة وأشخاصها بين فكي كماشة المصداقية والجدية في التعامل مع جميع المفسدين وتقديمهم للمحاكمة أو الخضوع لتأثيرات المتنفذين المستفيدين من بقاء الفساد والفاسدين كما هم عليه وبالتالي فقدان تلك الصفات بل وإحراق الأفراد والقضاء على ما تبقى لديهم منها ..

 وفي كل الحالات فإن الهيئة أمام خيارين أحلاهما مرٌّ والطريق الوحيد المتاح لها السير فيه هو تقديم الاستقالة الجماعية أو الفردية وهذا الخيار لا يقل مرارة عن سابقيه لأنه يترتب عليه إحراج النظام أمام العالم الخارجي وخاصة الدول المانحة التي تضع شروطاً مجحفة على الدولة وستضعها أمام الأمر الواقع الذي لا يستطيع الفرار منه طالما وقد فشلت أعلى جهة عوّل عليها الآخرين في مسألة محاربة الفساد ، وستقدم دليلاً جديداً يفضح مغالطات النظام ويعري جميع وسائله التي يتذرع بها في هذا الجانب ..

 كل هذه الخيارات ستعرض الهيئة وأشخاصها للخطر ما لم تكن لديها الشجاعة الكافية لاتخاذ الخيار الأفضل الذي تبرءا به الذمم عند الله سبحانه وتعالى وعند خلقه الذين لا حول لهم ولا قوة ولا يملكون سوى اللجؤ إلى مولاهم عز وجل لإنصافهم ممن أخذ حقوقهم أو تساهل في واجباته التي تحتم عليه الحفاظ على حقوقهم وعدم التفريط فيها إرضاءً للطامعين في الكسب الغير مشروع على حساب الآخرين.