معركة الذهب والمذهب في اليمن
بقلم/ أحمد شبح
نشر منذ: 6 سنوات و 3 أشهر و 6 أيام
الإثنين 30 يوليو-تموز 2018 07:49 م
 

قال الرئيس عبدربه منصور هادي في مقابلة له مع فضائية BBC العالمية إنه لم يكن يتوقع بأن التدخل العسكري لدول التحالف العربي الداعمة للشرعية في اليمن سيستغرق كل هذه الفترة. يقول هادي ذلك وهو يرى الشواهد على الأرض، لم تنجح عاصفة الحزم خلال ثلاثة أعوام ونصف في حسم المعركة مع الحوثي وإيران لصالح الحكومة الشرعية التي تم التدخل العسكري لنجدتها ومساعدتها وبناء على طلب منها.

أفصح هادي عن كل لا يرغب كثيرون في الاعتراف والتصريح به؛ بأن إيران تستفيد من تأخر/بطء نجاح نيران العاصفة في اخماد وانهاء التمرد والانقلاب الحوثي، واخفاق عمليات اعادة الأمل في تمكين الحكومة الشرعية وتثبيت دعائم الأمن والاستقرار واعادة بناء واعمار ما دمرته الحرب. ما يجري في عدن والمحافظات المحررة الخاضعة شكليا للشرعية لا يبعث الاطمئنان.

حرب اليمن تبدو اليوم أكثر تعقيدا، لم تعد يمنية يمنية، قواعد اللعبة والموقع الجيوسياسي والكثافة السكانية للبلاد تجذب لاعبين جدد.

تُدرك المملكة ودول الخليج أن معركتها في الخاصرة الخلفية معركة وجودية أكثر منها دفاعية، وأن إنقاذ صنعاء إنقاذٌ لمكة، حسب تعبير المفكر الكويتي عبدالله النفيسي الذي نبّه مبكرا لهذه المعادلة. لكن الواقع، للأسف، يقول إن احتمالات الحسم في اليمن، حربا أو سلما، تبدو بعيدة.

على الأرض، هناك انحراف متسع في الأهداف الأساسية المعلنة للعاصفة التي كانت تقتصر على انهاء الانقلاب الحوثي واعادة الشرعية ودعمها لاستعادة أمن واستقرار وسلامة وسيادة البلاد.

تتبع قيادة العاصفة استراتيجية "النفس الطويل" التي تحدث عنها ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، مقابل استراتيجية طهران المعتمدة على "حرث الأرض".

لا تبدو الشرعية قادرة على انقاذ وانتقال البلاد، لا تمتلك سلاح يكفيها للدفاع مع أن المعركة تتطلب دعمها بسلاح يكفي للحسم ويحقق النصر، كذلك الأمر للسيولة غير الكافية مقابل الانفاق الخليجي المهول تحت بند المعركة يذهب بعيدا. لم يتم تمكين الحكومة لتقف على أقدامها مجددا ولم تمنح حق وامكانات إدارة البلاد، ويتم انشاء كيانات ومليشيا مسلحة خارج المؤسسات الدستورية ودعم وحدات عسكرية وقوات أمنية لا تخضع في الغالب للسلطة الشرعية.

يغرق الجيران في التفاصيل (حيث يكمن الشيطان) وينجذبون للتدخل في الشئون الداخلية للبلاد ومصادرة مهام وصلاحيات الشرعية وتعطيل عملها، يقومون بالإحلال وليس الحلول، وهذا بالطبع تقول تجارب تاريخية أنه مستنقع ليس له نهاية.

نجحت السعودية والإمارات في تطويق الحوثي وانسحابه إلى (الجبل)، ووضعت أبوظبي يدها على (الساحل) وبسطت نفوذها على الجزر والموانئ البحرية الاستراتيجية غربا وجنوبا وصولا إلى منابع النفط في الجنوب الشرقي (حضرموت، شبوة)، بينما أحكمت الرياض قبضتها على (الصحراء)، حجة شمالا وبعض حضرموت شرقا ومأرب والجوف شمال شرق، وصولا إلى تسابق العاصمتين على محافظة المهرة الحدودية مع سلطنة عمان.

لا يزال الحوثيون يبسطون سيطرتهم على معظم المناطق الجبلية شمال ووسط البلاد، حيث يتمركز ثلاثة أرباع الكتلة السكانية الفقيرة، يتم اخضاعها بالإغراء والإغواء والاستقواء للتجييش والتعبئة العقدية والفكرية للمشروع الإيراني. الانفجار السكاني الجامح خوف آخر، ملايين الفقراء سيتدافعون للقتال مع الحوثي ومع أعدائه وأية أطراف أخرى تكون مستعدة لضخ الأموال وتقديم الدعم، سيفر الفقراء نحو الحرب بحثا عن الحياة، الموت من أجل القوت، وفق معادلة الذهب والمذهب.

حصل الحوثيون خلال العاصفة على فرص تطوير طائرات مسيرة وصواريخ باليستية لم تكن متاحة في الأشهر الأولى للعاصفة ولم تكن موجودة مع الجيش اليمني سابقا، وهم اليوم يضربون بها الرياض وباتجاه مكة، ويدّعون استهداف ابو ظبي، يتلقى الحوثيون دعما لوجستيا وأسلحة متطورة وحديثة تمكنهم من استهداف السفن وتهديد الملاحة الدولية في البحر الأحمر.

تدفع طهران بكل قوتها وقدراتها نحو معركة صنعاء والتحشيد العسكري والمذهبي الممتد عبر العواصم العربية، وتستدعي حلفائها لمعاونتها في تحقيق أطماعها التوسعية.

تسعى طهران -إن استطاعت- إلى ابقاء الحوثي خنجرا مسموما في ظهر المملكة، وبقائه حاكما لليمن أو لدولة شمالية بالسلاح والسيف، ولو اقتضى ذلك تقسيم وتجزئة البلاد.

ستعمل طهران -إن اضطرت- على ابقاء الحوثي كسلطة أمر واقع في أسوأ الظروف، وبقاء اليمن رهينة الفوضى واللادولة، كما هو الحال في لبنان.

تحول اليمن لساحة حرب كونية متداخلة وميدانا لصراع إقليمي ودولي يعني تطويل أمد الحرب وتعقيد أكثر للمسألة اليمنية.. وهذا في ناتجه يُلبي أطماع أقطاب دولية وبعض حلفاء الخليج في استنزاف/ابتزاز عواصم النفط لإنهاكها ومضاعفة الكلفة وصولا لمخططات اعادة رسم الحدود العربية وتشكيل جديد للخريطة الشرق أوسطية وفق "حدود الدم والدين".

إطالة أمد الحرب الإيرانية العربية لا يكون فيها منتصر ولا مهزوم، واليمن في قلب هذا الصراع، ليبقى "دجاجة تبيض

ذهبا" يمثل رغبة مشتركة للاعبين الكبار.