بين إسلامين
بقلم/ د. محمد جميح
نشر منذ: 13 سنة و 3 أشهر و 9 أيام
السبت 17 سبتمبر-أيلول 2011 03:46 م

الهدف الأسمى للإسلام حسب المصادر الإسلامية هو سعادة الانسان، غير أن هناك حالات كان فيها الفهم "الوظيفي للإسلام" منحرفاً عن الأهداف المقاصدية التي جاء من أجلها. فقد ظهر منذ سنوات أنماط فاضحة من "التوظيفي النفعي" للإسلام سواء أكان التوظيف سياسياً أم اقتصادياً. هناك على سبيل المثال إسلام يتأبطه "أهل الإرهاب" ويتحينون الفرص لتفجيره في أقرب موقع لأعدائهم الذين قد يكونون مسلمين، لا يهم ما دام أن هؤلاء قد صنفوا في خانة الأعداء من قبل المتحدثين باسم هذا الإسلام. إسلام كهذا هو نقيض الإسلام الذي يقول "في كل كبد رطبة أجر" ويقول "لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم والله يحب المقسطين". هناك أيضاً إسلام باسمه يسعى الطامحون إلى السلطة، بأي شكل من الأشكال، إسلام مرفوع بـ"شكل احترافي" على يافطات متقنة كما رفعت يوماً ما المصاحف بشكل احترافي على أسنة الرماح. "إسلام شعاراتي"، يسوق لنا الشعارات التي امتلأت بها أسماعنا وأبصارنا وتساقطت واحداً تلو الآخر لأنها كانت مجرد شعرارات ليس لها أثر على أرض الواقع. إسلام وصل به عمر البشير وحسن الترابي-على سبيل المثال-إلى الحكم في السودان فاختلفوا واقتتلوا، وانقسم السودان إلى سودانين وربما تستمر عملية التشظي الجغرافي والبشري لتنتج عدداً من السودانات المتناحرة إذا استمر هؤلاء يحكمون باسم الإسلام. هذا الإسلام مجرد قشرة رقيقة غلف بها "جماعة الخرطوم" عورتهم الفاضحة التي انكشفت على إيقاع النشيد الوطني لدولة جنوب السودان الذي لم يحافظوا عليه مثل الرجال ولم يبكوا عليه مثل النساء كما قالت يوماً والدة ملك عربي أضاع غرناطة. هذا الإسلام هو حتماً ليس الإسلام الذي ينص على "أنا لا نؤتيها (الإمارة) من يسألها"، إنه إسلام يقول بجواز المطالبة بالسلطة لأن "يوسف بن يعقوب" عليهما السلام طلب السلطة من ملك مصر عندما قال: "اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم" وكأن هؤلاء في طهارة الرجل الذي رفض إغراء المرأة قبل أن يرفض إغراء السلطات. هناك أيضاً إسلام تؤكل باسمه الأخماس التي تجبى باسم "آل البيت" ليأكلها أهل "الكهنوت المعاصر" ويصرفوها في بث الفرقة المذهبية والطائفية، والدخول في المغامرات والشركات والاستثمارات التي يقوم عليها حراس الثورة وجيش "إمام الزمان عجل الله فرجه الشريف"، إسلام يلبس عباءة "حفيد النبي" الحسين ليستمر في هدم البناء الاجتماعي والتاريخي للمسلمين ثاراً لمعركة كانت قبل 1400 سنة حدثت في كربلاء، أو ربما انتقاماً لمعركة قبلها قادها سعد بن أبي وقاص ذات يوم لتحرير العراق. إسلام غريب يركن إلى الميتافيزيقيا ويقدس البشر ويميل إلى الخرافات، إسلام يأخذ فيه البشر صفات الإلوهية وتتحكم أصابع المهدي بزوايا الكون على رأي "الآية العظمى" نجاد في طهران. إسلام يتدثر بعباءة المقاومة في لبنان ويمارس الترهيب ضد اللبنانيين، إسلام يقول إن عداءه الوحيد لإسرائيل في الوقت الذي يحمي متهمين بقتل زعيم مسلم كبير هو رئيس وزراء لبنان الأسبق الحريري، وهذا الإسلام هو عينه الإسلام الذي تقاتل به طهران وأبواقها "الشيطان الأكبر" في وسائل الإعلام وتنسق معه في العراق وأفغانستان بعيداً عن عدسات الكاميرا، وهو ذاته إسلام أصحاب "الحق الإلهي المقدس" في اليمن الذي يقوم على أساس أن الحكم لسلالة بعينها بناء على نظريات "الاصطفاء والتميز العرقي" المتخلفة. وما اعتقاد الحوثيين في اليمن أنهم يقاتلون "الشيطان الأكبر" في حروبهم الست إلا ترجيع للموال الإيراني الذي يحاول "الإماميون الجدد" في اليمن تسويقه للناس. إسلام يبذر الفتن في الجسد المسلم في الوقت الذي يدعو فيه إلى الوحدة الإسلامية في تناقض صارخ بين الشعار والممارسة (صام الحوثيون وأفطروا تبعاً للتوقيت الإيراني في تجسيد واضح لـ"وحدة" اليمنيين). هذا الإسلام بالطبع ليس إسلام العدل والمرحمة الذي قال "لو أن بغلة في العراق عثرت لخشيت أن يسألني الله عنها لمَ لمْ أسو لها الطريق". الإسلام الذي جاء إلى جزير العرب وهي قبائل متناحرة فوحدها ونشر بينها ثقافة الأخوة الإنسانية.

هناك كذلك الإسلام الذي يقيم القطيعة مع الآخر ولا يعترف به، ويدعو الله أن "رمل نساءهم ويتم أطفالهم وجمد الدماء في عروقهم، واجعلهم وأموالهم ونساءهم وذراريهم غنيمة للمسلمين" وغير ذلك من أدعية لم يكن نبي الإسلام يدعو بها. هذا الإسلام بالطبع غير الإسلام الذي يكرس في أتباعه أن "الحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أحق بها"، هذا الإسلام ليس الإسلام الذي قيل لنبيه "لو شئت لأطبقت عليهم الأخشبين" فرد : "لا. عسى أن يخرج من أصلابهم من يقول لا إله إلا الله". الإسلام الذي كان نبيه يردد "اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون".

ولا ينبغي أن ننسى في هذا الخضم إسلاماً آخر يخرج فيه مشائخه بالدعاء للقتلة وسفاكي الدماء الذين يصرون على أنهم ولاة أمر المسلمين مع أنهم سفكوا دماء شعوبهم ووصفوهم بالجرذان والجراثيم وغير ذلك من الأوصاف. وهذا بالطبع ليس إسلام سيد الشهداء الذي "قام إلى إمام ظالم فأمره ونهاه فقتله"

وهناك بالطبع "الإسلام الخيري" الذي يؤمن به جيش من "المرتزقة" الذين يجمعون تبرعات الناس لإرسالها إلى الفقراء من المسلمين في "فلسطين والصومال وبنغلادش" وغيرها، ثم نلاحظ أن ثروات القائمين على هذا "الإسلام الخيري" قد تضاعفت كما تتضاعف الخلايا السرطانية بسرعة مذهلة. إنه إسلام تضخمت باسمه ظواهر "التكسب الديني" وانتشرت بكثرة "دكاكين تجارية" تحت أسماء "جمعيات خيرية"، بدلاً من أن تضع أعلاها يافطات تجارية خالصة، وضعت عناوين وشعارات دينية لمجرد ذر الرماد في عيون البسطاء. هذا إسلام تجبى باسمه الأموال، وتصب في جيوب "أغنياء الإسلاميين" وليس "فقراء المسلمين"، في مخالفة واضحة للإسلام الذي يأمر بأن تعود "فضول أموال الأغنياء على الفقراء". وهو بالطبع ليس الإسلام الذي جاء يحذرنا من أن نسلك مسلك بعض "الأحبار والرهبان" الذين يأكلون أموال الناس بالباطل كما في الآية الكريمة: "يا أيها الذين آمنوا إن كثيراً من الأحبار والرهبان ليأكلون أموال الناس بالباطل ويصدون عن سبيل الله". ما أشبه الكثير من الذين يجمعون التبرعات اليوم بهؤلاء "الأحبار والرهبان" الذين حدثنا عنهم القرآن الكريم لتجنب الوقوع في خطيئاتهم التي وقع فيها بعض "أحبارنا ورهباننا". وهذا الإسلام بالطبع بعيد عن الإسلام الذي فاضت في أحد عصوره الزكاة حتى لم تجد من يأخذها.

لقد عرفت شخصياً الكثير من هؤلاء الذين يجمعون أموال الناس ثم تظهر لهم فيما بعد استثمارات ضخمة لم يسألهم أحد "أنى لكم هذه"، وأعرف الذين يجمعون التبرعات لصالح جمعية خيرية إسلامية ، ويأخذون منها نصيبهم تحت بند "والعاملين عليها"، مع أنهم موظفون يأخذون مرتباتهم من الجمعية الخيرية الإسلامية التي يجمعون التبرعات لصالحها.

المؤسف أن "الإسلام الشعاراتي" هو المسيطر هذه الايام دون أن يدرك الناس أن الفرق كبير بين "إسلام الشعار" و"إسلام الحق" الذي جاء لتحقيق سعادة الناس. خلاصة الكلام لا أعتقد أن إسلام الوحيشي والحوثي في اليمن أو إسلام الظواهري ونجاد هو الوجه الحقيقة للإسلام بقدر ما أنه وجه للإسلام الذي يعلن فيه البشير والترابي الجهاد على الحركة الشعبية في الجنوب وينتهي إلى الاعتراف بالجنوبيين أشقاء، ثم الاعتراف بالجنوب دولة مستقلة. الإسلام الذي يدعو فيه نجاد إلى محو إسرائيل من الخارطة ثم يتضح فيما بعد أن الشركات الإسرائيلية كانت على علاقات تجارية وطيدة مع شركات إيرانية تتبع أو يشرف عليها حرس "الثورة الإسلامية". وفي خضم ذلك البحر من الـ"لا إسلام" الذي يظهر في زي الإسلام دعونا نبتهل إلى الله أن يمنحنا فضيلة التواضع قبل أن نمتليء بزيف الشعارات.