الكوتا أولا ام الوطن ؟
بقلم/ بكر احمد
نشر منذ: 16 سنة و 11 شهراً و 22 يوماً
الثلاثاء 13 نوفمبر-تشرين الثاني 2007 09:29 ص

مأرب برس - خاص

تجتمع مجموعة من النسوة بحضور وفود أجنبية لمناقشة بند وحيد من بين باقي بنود المبادرة الرئاسية وهي الخاصة بتخصيص نسبة معينة للنساء في مجلس النواب تقدر بخمسة عشر بالمائة ، ويشتد الحماس بين المجتمعات لتصرخ واحدة منهن أنها على استعداد للتحالف مع الشيطان من أجل مصلحتها فتغور باقي العيون المستمعة نشوة لما قيل ، ولولا أني لا أؤمن بشيطان غير الإنسان على هذه الأرض لتخيلته واقفا برمحه وقرنيه وذيله الأحمر بوسط المجتمعات وقد رقص طربا لهذا الحلف الجديد .

والمتتبع للحراك النسوي المشتد ضراوة هذه الأيام وتأييدا للكوتا المقترحة سيتأكد أنهن قد غضضن الطرف عن باقي البنود وأنهن بلعن الطعم بكل سهولة متناسين حال وطن بأكمله يعيش خارج الهامش الطبيعي للحياة البشرية وكأن هذه الكوتا هي هدف بحد ذاته وليست نتيجة لتطور طبيعي في الحياة المدنية التي تفرز مساواة تامة بين الرجل والمرأة ، وأن كنت أعتقد أن كثير من الممنوعات لا يمكن تجاوزها إلا بقرار سياسي صارم إلا أني أتحفظ كثيرا على هذه الكوتا التي تجعل نخبة من نسائنا ينحازوا لنظام فشل في كل شيء إلا في خلق الأزمة تلو الأخرى لأجل بضع منهن يقف تحت قبة مجلس النواب بشكل صوري يجمل النظام ويسطوا على باقي ما نحلم به من تغيير طالما انتظرناه .

أعرف أن هذه النسبة غير كافية ، وأفهم جيدا أنه لولا نظام الكوتا أو المحاصصة النسوية لن نتجاوز عنق الزجاجة لوضع المرأة اليمنية في الحياة التشريعية ، ولكني كنت أريده بشكل أكثر عدلا للإنسان اليمني بشقيه الرجل والمرأة وأن ينال الجميع حقوقهم والتي تتمثل بأشياء أخرى كثيرة مثل وضع الطفل اليمني في إشارات المرور ودول الجوار وحال الوضع الصحي والكهرباء والماء وإلى أخره من أساسيات الحياة العادية والمحرومين منها ، فهل وبعد هذا يشكل هاجس المرأة شيء ذو اهتمام خاصة أذا رأينا إعلان حلفهم الحريص مع الشيطان من أجل مصالحهن التي قد لا تتعدى فوز شبه ساحق لنساء المؤتمر الشعبي العام مادام قانون الانتخابات وكل مقدرات البلاد تحت هيمنة الحزب الحاكم .

الوضع في البلاد غير سوي لذا كل مخرجاته لن تكون عادلة ما لم نصر على التسوية الشاملة والتي أن حدثت فستأتي بمتطلبات كلا الجنسين في اليمن دون أن يضطر للتحالف مع أيا من كان على أساس أن ما يأخذه هو حق له كمواطن وليست منحة يُساوم بها ليتنازل عن أشياء أخرى ، وبالتالي من السهل بمكان تفهم إحجام أحزاب المعارضة حتى الآن عن وضع كوتا نسائية في مجتمع ذكوري حتى الآن يرفض رجالهم .

لا أستطيع أن أفهم من حماس بعض النساء لهذه الكوتا سوى أنهم وضعوا يدهم بيد نظام لا يختلف عليه أحد بأنه مستبد سحق الإنسان بشكل مذل ، ولا أستطيع أن أستوعب سبب هذه الفرحة العظيمة وكأنه جاء نتيجة نضال مديد وليس كطريقة العصا والجزرة التي يلوح بها الرئيس مع بعض فئات شعبه متى ما جد منهم الرفض لسياسته العقيمة في الحكم والتي يصر دوما عليها ويرفض أي تغيير في أسلوب حكمه بينما يبدع في طرح المبادرات الدستورية التي يتمحور جوهرها حول تمديد فترة حكمه إلى مدة لا نرى لها من نهاية .

ليس من حق النساء أن يتنازلوا عن حقوق الوطن مقابل بضع كراسي ، والمساواة التي يبحثون عنها لن تأتي لهم عبر هذه التظاهرة الزائفة مالم يرتقي الإنسان اليمني ويتفهم بأن المرأة جزء لا يتجزأ من حياته وأن لها ما له وهذا لا يحدث بقرار رئاسي إنما يصير بعد عمل متكامل وكامل نغير من خلاله مفاهيم عقيمة أضرت بالجميع سواء كانوا رجالا أو نساءً ، وأنا أحسب بأن الرجل اليمني لا يختلف وضعه كثيرا عن المرأة من حيث نمط المعيشة وبؤس الحال وعليه لن تغير هذه الكوتا من الوضع بشيء سوى بضع صورة في الصحافة أو على شاشات التلفاز تظهر به المرأة اليمنية كمنجز ديكوري لا يحوي بداخله أي معنى .

ويبقى أمل واحد فقط حول هذه المبادرة وهو أن تستطيع النساء خطف الكوتا وتطبيقه ونزعها من مضمونها الواقع داخل التعديل الدستوري وهذا ما لا أعتقد حدوثه حتى لو أضطر النظام الحاكم لقتل كل نساء اليمن ، فهل تفهم نساؤنا بأن هذه المبادرة كلها تقع حول جعل هذا النظام الفاسد يحكم أطول فترة ممكنة ، وأن قبولهن بالكوتا يعني انحيازهم للنظام ضد الوطن  فأن كان كذلك ، فنحن بأمس الحاجة للبحث عن قيادات نسوية جديدة يستطعن أن يضعن مصالحهن ضمن مصالح الوطن لأنه بدون وطن لا مكان للإنسان ، ودون حربة نصفها الآخر الرجل فهي حتما لن ترى الحرية .

benziyazan@hotmail.com