قانون الإعلام .. تقنين جديد للفساد
بقلم/ احمد طلان الحارثي
نشر منذ: 14 سنة و 8 أشهر و يوم واحد
الأحد 25 إبريل-نيسان 2010 04:49 م

مشروع قانون تنظيم الإعلام السمعي والبصري والإعلام الإلكتروني تناوله عدد من الزملاء بالنقد والتعليق في كثير من مواده وما تهدف إليه من تضييق ما تبقى من الهامش الديمقراطي في بلادنا.

وبما أن التكرار يعلم الشطار لكنني لن أكرر كل ما سبقت الإشارة إليه من قبل الزملاء الصحفيين والكتاب والمهتمين في هذا المضمار ، إلاّ أنني سأتناول هذا القانون من ناحيتين ، الأولى اقتراح له اسم يتناسب مع مضمونه الذي يلبي رغبة القائمين على إعداده والمجتهدين في إخراجه إلى حيز الوجود ، فأقترح أن يكون اسمه ((قانون قيد الآذان والعيون)) لأن المفترض في ثورتنا المجيدة أن تقضي على الأغلال وأن تُكسِّر القيود كما كنّا نتغنّى بهذا المنطق خلال الفترة الماضية التي من أكثر ما كنت اسمعه فيها ترديد أبيات الشاعر أبو القاسم الشّابي:

إذا الشعب يوماً أراد الحياة فلا بد أن يستجيب القدر ولا بد لليل أن ينجلـي ولا بـد للقيد أن ينكسر لكن مع الأسف الشديد أن السلطة الحاكمة تسير بنا في عكس الاتجاه الصحيح ، فعمدت إلى إحكام سيطرتها وتوثيق أغلالها في أيدي شعبها وأرجله ، بل وكمّمت أفواههم ، إلاّ أن هذا الشعب الجبار ظلّ يكافح هذا الظلم والاستبداد من خلال ما تبقى له من الجوارح شبه الطليقة الأمر الذي أزعج هذه السلطة المتسلطة فتفتقت أذهان مفكريها لتنتج هذا القانون كقيد جديد لا بد وأن يجهز على الآذان والعيون لكي تكتمل حلقات السيطرة والسطو على جميع منافذ الجسم وحواسه ومصادرة ما تبقى لهذا الشعب من فرص النقد والتنويه إلى تلك الممارسات السيئة التي دأبت عليها سلطة الفساد والإفساد.

وأما الناحية الثانية فإن هذا (القيد) السمعي والبصري يعد سابقة خطيرة من سوابق تقنين الفساد المالي وتشريع جباية المال العام ونهبه بصورة علنية وتحت حماية قانون جديد ، حيث جاء في نص المادة رقم (51) : ((تؤول كافة الرسوم المالية للتراخيص والنسبة المحصلة إلى الخزانة العامة ويجوز تخصيص نسبة من هذه الإيرادات للمشاركة في تنمية وتطوير مرافق الإذاعة والتلفزيون الوطنية وذلك بالتنسيق بين وزارتي الإعلام والمالية))، هكذا النهب وإلاّ بلاش ، وتعيش وزارة الإعلام على هذا النهب الصريح فقط كان ينبغي أن تضيف كلمة (الأفراد) بعد كلمة (تطوير) حتى تكون الصراحة راحة ونهباً مريحاً خارج نطاق مهام (الهيئة الوطنية العلياء لمكافحة الفساد) والأجهزة الرقابية الأخرى.

وفي اعتقادي أن هذه المادة وحدها كافية لأن تفضح نوايا أصحاب هذا (القيد) ، ولا عجب إن كانت رسوم التراخيص باهظة وفق هذا (القيد) فتلك هي الحكمة منها لأنها متجهة إلى جيوب الفاسدين بشكل مباشر ، وهي أيضاً دليل قاطع على منهجية التقاسم التي يتبعها الفاسدون لنهب المال العام تحت حماية المواد القانونية التي يتفننون في صياغتها لجلب المال العام وتوزيعه عليهم كل بحسب موقعة وقربه من المتنفذين الناهبين.

وليكن في علم الجميع أن وزارة الإعلام تجاوزت نصاً قانونياً من القانون المالي رقم (8) لعام 1990م حيث جاء في المادة رقم (65) ما يلي: تدخل في عداد المخالفات المالية المخالفات التالية: (1) الصرف من الإيرادات. (2) تجنيب أي نوع من الإيرادات أو جانب منها. (3) عدم توريد الإيرادات النقدية بالكامل إلى الحساب المختص. كما أن هذا القانون يعارض نص المادة رقم (75) من القانون المالي رقم (8) لعام 1990م حيث جاء فيها: لا يجوز بأي حال من الأحوال لأي جهة كانت الصرف خارج إطار الميزانية العامة للدولة وميزانيات القطاعين العام والمختلط والميزانيات الملحقة بها ، كما لا يجوز تجنيب أي إيراد منها مهما كانت الأسباب.

إن مشرعي قانون (قيد الآذان والعيون) قد غاب عنهم نظام الدولة بأكمله فيما يتعلق بتحصيل المال العام وطرق إنفاقه ، والسبب واضح ومعلوم لدى أولئك الناهبين وهو أساس تفكيرهم في إصداره لكي يحقق لهم أكثر من هدف وسيد هذه الأهداف جباية جديدة إلى جيوب الفاسدين ولكن تحت غطاء تراخيص ورسوم ، لأن متنفذي هذا البلد قد توافقوا على تقسيم المصالح الإيرادية وعلى كل جهة متنفذة ترتيب وضعها وتحسين موارد جيوبها وفق قانون تضمن أغلبية الفساد تمريره بسهولة ويسر ، وهذا سر إصرار (حزب الحاكم) المؤتمر الشعبي العام على تعطيل أنظمة الدولة وإبدالها بالمزاج والشخصنة في إدارة الدولة ومصالحها العامة لكي يتسنّى للفاسدين دوام الاستمرار في نهب خيرات البلد وثرواته وترك الشعب جائعاً فقيراً ومريضاً يتناوبونه بمزيد من الجرع السعرية وفرض الرسوم الباهظة تلبية لرغبات قلة قليلة من المتنفذين..