أول العلاج الكي
بقلم/ د. حسن شمسان
نشر منذ: 14 سنة و 9 أشهر و 8 أيام
السبت 20 مارس - آذار 2010 10:42 م

لست أدري ما الذي أثار ويثير حفيظة السلطة وأقلامها جراء دعوة المشترك للاعتصام فليس هناك ما يدعوا لذلك؛ حيث إن موقف المشترك من رفض استخدام القوة كان واضحا وشفافا وثابتا ومعلنا من البداية, وغير خافٍ على أحد, فما الذي جد حتى تصب السلطة وما زالت تصب حملتها وهجمتها المسعورة؟ دعونا نُقرب الأمر قليلا, ونناقشه بموضوعية, فنقول هي وجهات نظر تُطرح لمعالجات الأزمات التي يمر بها اليمن السعيد.

فإذا كانت السلطة ترى أن المعاجلة تكمن في وسائل العنف والقوة، فإن المعارضة قد كانت ولا تزال لها وجهة نظر مختلفة تماما, حيث هي ترى أن استعمال اللين والرفق أكثر جدوى وأقل خسائر في حل الإشكال, وقد قيل: ما دخل الرفق في شيء إلا زانه، وفي النهاية كل له رأيه ووجهة نظره المبرَّرة في رؤيته لطريقة الحل الناجع.

وقد رأت المعارضة في أزمتي حرب صعدة والحراك في الجنوب– وهما أبرز مشكلتين داخليتين- أن معالجتهما تكمن في استبدال الحرب بلغة الحوار والإقناع، وقد كان ذلك موقفها المعلن منذ أن قرعت الحرب طبولها عام 2004, وهو نفس الموقف حتى وضعت الحرب السادسة أوزارها. فما الذي تغير أو شكل عنصرا المفاجأة لدى السلطة حتى انهالت أقلامها وألسنتها الحداد على المعارضة بتلك الصورة الغريبة والناقمة والمقزز؟.

وقد كانت وجهة نظر المعارضة هي نفسها تجاه ما حصل ويحصل في جنوب الوطن، وقد اتسمت بالعمق وحب الوطن؛ لإيمان الجميع بأن الحرب لم تكن ولن تكون حلا ناجعا شافيا, فها هي ستة حروب في صعدة والمشكلة ما زلت قائمة, فما الذي جنيناه منها وما هي ثمارها؟ فلمَ الإصرار دون الاعتبار مما فات، ولم تكرار الأخطاء فيما هوا آت؟ ألا تكفي ستة حروب كان مصيرها كلها الفشل؟ أم أننا نريدها أن تكون سبعا عجاف فيكتمل النصاب؟ وبعده يأت عام العصير.

ولنفترض أن الحروب الستة في صعدة أثمرت وآتت أكلها– مع أن الحروب لا تجني ثمارا بل دمارا- وحلت المشكلة في صعدة, فإن أحدا لا يستطيع إنكار الخسائر أو التقليل من شأنها, وإن كانت كذلك, فمن العقل بعد ذلك عدم الاستمرار في نفس الأسلوب مع الحراك في الجنوب, فإذا كنا نريد حلا للأزمة فلا بد أن نفكر أولا في أساليب اللين حتى لا نخرج من حرب إلى حرب, هذا إذا افترضنا بأن الحرب أنهت مشكلة صعدة, فكيف إذا لم تأت الحروب ثمارها, ألا يكون الاستمرار في طرق أبوابها في الجنوب خطأ وخطرا مريعين ومهلكين؟ أليس من المنطق إذا والعقل والنقل والعرف أن نلغي من عقولنا فكرة استخدام القوة والقمع هذا من ناحية، ومن ناحية ثانية ليس كل الحراك في الجنوب انفصاليا، وأن من يدعو للانفصال هم قليلون, وذلك بشهادة السلطة نفسها, فهي في كل خطاباتها تؤكد بأنهم قليلون, فلمَ تتجه بخطاب واحد إلى الحراك في الجنوب وتجعله كله في سلة واحدة هي سلة الانفصال؟ هل لتبرير القمع وتكرار الخطأ؟ ألا نعتبر من أخطائنا؟ ليس عيب أن نخطئ إنما العيب في أننا لم نستفد من أخطائنا ونصر على استعمال أسلوب الغلظة والقوة ونجعله أول اهتماماتنا مع أن الحكماء قالوا آخر العلاج الكي فلم نصر أن نجعله في أوله؟.

وفي مجال الطب ليست كل الأعضاء المريضة تقتضي البتر إلا ما استعصى منها على العلاج، وما دام العلاج مجديا فالبتر حرام وتشويه. كما أن العلاج الخطأ قد يسبب تداعيات كثيرة على جسم المريض وقد ينهي شريط حياته، وقد كان المطلوب من الطبيب معالجة مرضه, فالطبيب قد يخطئ أحيانا وإن ظن أن دواءه مجديا.

إن أحزاب المشترك كانت ضد استعمال الكي في بداية العلاج, وقد كانت ضد حمل السلاح سواء من قبل الحوثيين في وجه الدولة، كما وجهت النصح الدائم للدولة بعدم استخدام القوة؛ إيمانا منها بأن الحروب ليست حلا ناجعا، ولو كانت كذلك لكانت الحروب المتعاقبة في الصومال- جارتنا الملاصقة- قد أنهت أزمتها, لكنها لم تنهها؛ بل زادتها سوءا وزادت الطين بلة، على الرغم من تقادمها، فهل صنعت الحروب لهم مجدا؟ أو نالوا من خلالها عزا أو استأصلت المشاكل واجتثت الأزمات في الصومال من جذورها؟ أم أنها على العكس من ذلك تماما, جلبت لهم العار والدمار، و الفقر والجوع والمرض, والشقاء على أتمه؟.

ولأن الحرب– من وجهة نظر المشترك– لا تستطيع تغيير الفكر، ولو استطاعت لكانت الحروب اللانهائية قد أنهت تنظيم القاعدة أو حتى أضعفته, بيد أن ذلك لم يحصل، فعلى الرغم من أن كل العالم يحارب تنظيم القاعدة عربيهم وعجميهم، مسلمهم ومسيحيّهم, يهوديّهم وبوذيّهم, أنسهم وجنهم, فكلهم اجتمعوا على صعيد واحد لحرب تنظيم القاعدة فلم يستطعوا ولن يستطيعوا؛ لأنه فكر قبل أن يكون جماعة مسلحة. وها هو حلف النيتو المشكل من كل دول العالم قابع ومعتكف في أفغانستان, فهل أنهى طالبان أو أضعفها؟ بل على العكس تماما قواها وجعلها تتزايد يوما عن يوم, عاما عن عام.

إن الفكر لا يواجه إلا بفكر، فلا تجدي معه قوة الساعد والسلاح، بل قوة العقل والفكر, فمتى سنحكم عقولنا في اليمن؟، ومتى سيقول المفكرون والمثقفون والسياسيون والقبائل وكل العقلاء في اليمن: لم لا نجتمع في صعيد واحد؛ لنحافظ على اليمن وعلى وحدته وعلى استقراره وأمنه؟.

نعم, أحبتنا في اليمن وأخوتنا في السلطة والمعارضة، وفي الحراك في الجنوب، لقد وسمنا الله ونبيه بوسام الحكمة والإيمان، وإنني لأرى أن الوحدة في زمن تفرق الأمة هي قد كانت ولا تزال إن شاء الله حكمة اليمنيين وهي إيمانهم ودينهم فالوحدة دين، وواجبنا نحوها أن تتقارب وجهات النظر وأن نبدأ صفحة جديدة ملؤها النور (نور الإيمان والحكمة) فهما يمنيان ومنشأهما يمنيا بامتياز، أما حان لنا أن نرص صفوفنا سلطة ومعارضة لنقوي (حكمتنا/ وحدتنا) ويكفينا ما وصلنا إليه؟. فسلاحنا الإيمان والحكمة ولم يكن يوما الرصاص فهو دخيل علينا يا إخوتنا.

وليس هو في قاموس اليمنيين وقد كان في قاموسنا قبل الإيمان والحكمة رقة القلوب وليونتها (جاءكم أهل اليمن أرق قلوب وألين أفئدة) فقاموس الرصاص دخيل علينا وعلى شعبنا, فنحن أهل الرقة وأهل اللين وأهل الحكمة وأهل الإيمان, لا شيء ينقصنا فقد وسمنا من الله ورسوله بكل أوسمة الشرف.

وما دمنا أهل الحكمة، فإن الحكمة مقترنة بالعقل والفكر، وذائبة فيه وممتزجة في خلاياه, فإلى كل الحكماء في اليمن, وإلى كل المفكرين وإلى كل العقلاء وإلى كل الساسة والسياسيين, وكل مشايخ القبائل, وإلى كل الشعب اليمني من شماله إلى جنوبه, أقول لكم جميعا: نحن كلنا في سفينة واحدة، تعبر عباب المحيط فنجاتها تعني نجاة الجميع وغرقها يعني غرق الجميع, وإني كما رأيت أن الوحدة حكمة اليمنيين في زمن تفرق الأمم، فإن الوحدة هي السياج الذي يلف جدار السفينة وهي تعبر المحيط، أو هي جداره التي تقوى به على الأمواج فتركبها وكأنها فقاعة.. فلا تضيعوا ضالتكم, فقد كانت الوحدة دائما هي شعارنا وهي ضالتنا وقد وجدناها, فلنحرص عليها ولا نضيعها. كما أدعو أخوتنا في الجنوب ألا يخرقوا في نصيبهم؛ لأننا سنغرق جميعا فلنحرص على أن ننجو جميعا.