شركاء التأمر على اليمن
بقلم/ يحيى الحاجبي
نشر منذ: 14 سنة و 9 أشهر
الجمعة 05 فبراير-شباط 2010 07:29 م

المتابع لمجريات حرب صعدة وتصريحات المجرم عبد الملك الحوثى يمكنه التنبؤ ‏بسير المعارك من ناحية وكذلك باسلوب القتال الذى تتبعه هذه العصابة وخيوط اللعبة ‏كاملة.

نحن نعلم أن حرب صعدة السادسة بدات منذ ما يقارب السبعة اشهر، وكان الجميع ‏يجمع أن هذه الحرب سوف لن تطول على الشهر على أكبر تقدير نظرا لجدية ‏الحكومة وذلك بدخولها الحرب بكافة التجهيزات بما فيه الطيران، خاصة بعد الهجوم ‏الكاسح والواضح مع بدايات أيام الحرب الأولى. الا أن الرئيس على عبدالله صالح ‏وبعد اسبوعين من الحرب أعلنها صراحة أنه مستعد أن يقاتل الحوثيين حتى الى 6 ‏سنوات، نعم بعد اسبوعين فقط أدرك الرئيس بدهائه وعمق رؤيته لمجريات الأمور ‏وخبرته العسكرية أن الحرب ليست قصيرة وليست أسابيع او شهرا واحد كما كان ‏يتوقع وذلك بسرعة قرائته لطريقة الحرب الذى يشنها الحوثيون من جهة وحجم ‏المؤامرة على اليمن من قوى داخلية وخارجية راهنت على أنه يمكن للرئيس أن ‏يرضخ بعد مرور شهر او شهرين على القتال دون احراز النصر.‏

الجميع راهن على الوقت وعنصر المفاجاة فى هذه الحرب. فالحوثى راهن على ‏عامل الوقت لأنه لم يكن يتوقع أن تصر الحكومة على النقاط الست وتواصل الحرب ‏الى اكثر من شهرين على أكثر تقدير، والمعارضة اليمنية ايضا راهنت على اللعب ‏بورقة الحوثى فقط فى اول شهرين من الحرب ولذلك شهدنا توقفا شبه تام لاعمال ‏الحراك فى الجنوب وكذلك اعمال القاعدة. هذا التوقف فى أعمال الحراك والقاعدة ‏كان ملفت رغم أن المنطق يقول كان يجب على هؤلاء القوى (الحراك والقاعدة) ‏تصعيد اعمال الشغب والاحتجاجات وضربات القاعدة مستغلة إنشغال الحكومة ‏بحرب صعدة.‏

إن توقف قوى الحراك والقاعدة وسكوت المعارضة فى اول الحرب يوجهنا الى أن ‏هناك تنسيق كبير بين هذه القوى. مثل هذا التنسيق لا يقدر على فعله غير قوى اللقاء ‏المشترك فى رسالة واضحة الى القيادة السياسية مفادها سوف نتركك للحوثى فقط ‏لنرى ماذا ستفعل وهل ستقدر على الحزم والى أى مدى يمكنك التحمل. فالمعارضة ‏فى اول أيام الحرب لم تكن ترد الانهيار للدولة لأنها كارثة للجميع، وكانت تريد ‏الجلوس مع الحكومة وأخذ التنازلات منها وتقاسم السلطة فقط وهى تعرض اول ‏ورقة لها وهى الحوثى. هذا لا يعنى أن المعارضة هى سبب نشات الحوثى كحركة ‏ولكن هناك تنسيق واضح مع الحوثى مع حسابات خاطئة للمعارضة أن الهدف ‏المشترك مع الحوثى هو إسقاط النظام مع إمكانية الإعتراف لاحقا بالحوثى بحزب ‏يشبه حزب الله مقابل خدمته الجليلة للمعارضة فى اسقاط النظام.‏

ومع إطلاق الحكومة لشروطها الستة نجد أن الحوثى يطلق ما يسميه مبادرة لوقف ‏إطلاق النار دون شروط مسبقة فى إستهزاء واضح بقرار اللجنة الأمنية وكأنه يقول ‏للحكومة أنتم المعتدين وعليكم وقف إطلاق النار التى بدأتموها.

الا أن رد الرئيس على هذا الإستخفاف الوضح لجماعة الحوثى بهيبة الدولة جعل ‏الرئيس يعلنها صراحة أن على الحوثيين (ومن يراهن عليهم) الإستعداد لحرب ‏طويلة مدتها سنين حتى 6 سنوات، وكأنه يقول للمراهنين فى الداخل (المعارضة) ‏والخارج (إيران) "إن ما تراهنون عليه من عامل الزمن ها هو يسقط "، تصريحات ‏الرئيس هذه جعلت الجميع يعيد حساباته فالرجل أعلنها حرب طويلة الى ان يعيد هيبة ‏الدولة وهو مصر على سحق كل من يهدد أمن اليمن وأمن الوحدة. ولهذا نجد أن ‏اصوات المعارضة بدات تتعالى وتدعوا الى إيقاف الحرب فى محاولة مكشوفة لإنقاذ ‏الحوثى كورقة ضغط لصالحها، كما أن صحف المعارضة بدأت تكتب وكأنها صحفا ‏تابعة لعبد الملك الحوثى وليس للقاء المشترك (المفترض ان يكون الوجه الثانى ‏للسلطة). بل أن بعض المتحدثين باسم المعارضة لم يتوانوا عن إتهام السلطة بكونها ‏مسؤلة عن كل المشاكل فى اليمن، واتهموها أمام العالم بأنها ترتكب جرائم حرم، ‏وأكيد تذكرون الصبرى كيف كان يلوك الكلام وتذكرون بعدها التصريحات النارية ‏للشيخ حميد الاحمر على قنوات الجزيرة فى اتهام السلطة بأنها هى من تدعم ‏الحوثيين فى إطار تصفية حسابات داخل السلطة وبهدف زعزعة ثقة الجيش بقيادته. ‏مثل هذه الإتهامات تصب مباشرة فى صالح الحوثى وليس فى صالح الوطن ‏فزعزعة ثقة الجيش بقيادته تعنى هزيمته نفسيا ومن ثم واقعيا وانتصار الحوثى، فأين ‏هذه التصريحات التى تؤدى الى انتصار الحوثى من حب الوطن. لأنه لايمكن لمن ‏يحب الوطن (الجمهورية) أن يحب عدو الوطن الحوثى (الإمامية).‏

وبعد مرور شهرين من الحرب، ومع اصرار القيادة اليمنية على مواصلة المشوار ‏حتى النهاية، تجد المعارضة نفسها تلعب بالورقتين الأخريتين فقد شهدنا تصاعدا ‏لأعمال الحراك تزامنا مع تصعيد فى عمليات القاعدة، وهنا ينتقل دعم الحوثى من ‏مجرد دعم سياسى واعلامى الى دعم مادى فى تشتيت جهود الحكومة وتركيزها ‏على صعدة، بل ظهر ما يعرف بحراك الهضاب الوسطى وظهرت إقتراحات ‏الفيدرالية وتقسيم البلاد الى مخاليف والدعوات المناطقية والإنفصالية فى محاولة ‏خبيثة الى إضعاف النظام وإيهام المواطن اليمنى أن سياسات الحكومة ستؤدى الى ‏تفتيت اليمن، وتقول للمواطن أن الرئيس ليس من يحمى الوحدة بل هو سببا للتفرقة. ‏كما أن المعارضة بدأت بدعوات الخارج العربى الجامعة العربية ومنظمة المؤتمر ‏الاسلامى والجمعيات الاوروبية والامريكية للتدخل والتحقيق فى ما تكذب به ‏المعارضة من انه إنتهاك لحقوق الانسان والحريات الصحفية وممارسة جرائم حرب ‏فى صعدة وفى الجنوب. ‏

دخلت السعودية الحرب بشكل مباشر لسببين، السبب الأول والرئيسى هو الإعتداء ‏الحوثى على اراضيها. أما السبب الثانى فهو إحتمالية وجود علاقة بين التمرد ‏الحوثى وتنظيم القاعدة وذلك بعد المحاولة الفاشلة لتنظيم القاعدة لإغتيال الأمير ‏محمد بن نائف. اقول دخلت السعودية الحرب وزاد التنسيق الأمنى والعسكرى مع ‏الحكومة اليمنية مما أفقد المعارضة قوة ما تسميه أوراق ضغط على الحكومة فقد ‏بدأت دول الخليج بالتضيق على القوى الممولة للإنفصاليين واصبحت تدعم اليمن فى ‏مواجهة الحوثى والقاعدة بشكل أكبر، اى ان دول الخليج أدركت أن الحكومة اليمنية ‏هى الضامن الوحيد لأمن واستقرار ووحدة اليمن وبالتالى إستقرار الخليج. ولم تُخفى ‏المعارضة إمتعاضها من التدخل السعودى فى حرب صعدة لأنها قوت الحكومة ‏اليمنية، وبدأت صحف المعارضة تروج لما يقوله الحوثى أنه إعتداء سعودى على ‏الأراضى اليمنية، فى ضغط وقح وابتزاز ليس لحكومة اليمن فقط بل للسعودية، ومع ‏إصرار الحكومتين السعودية واليمنية على موقفهما وتفهم الشعبين الشقيقين لطبيعة ‏العلاقة الأخوية بين السعودية واليمن سقطت ورقة ما تسميه المعارضة "إعتداء ‏سعودى على اليمن".‏

ومن جديد يتقدم الحوثى بمبادرة للإنسحاب من ارضى السعودية وسقط رهان الحوثى ‏ومن يدعمه (إيران) على إمكانية قبول تدخل إيرانى للصلح بين الأطراف. الجدير ‏ذكره هنا أن المعارضة اليمنية لعبت دور الجناح الإعلامى لعبد الملك الحوثى ‏فأصبحت تصور مبادرات الحوثى الغوغائية على انها دعوات سلام صادقة، ‏واصبحت تصف الرفض اليمنى لهذه المبادرات الغوغائية على أنه تعنت، الى أن ‏جاء مؤتمر لندن فوضع النقاط على الحروف، وادرك الجميع (حوثى وقاعدة ‏وحراك) أن المجتمع الدولى يعرف الحقيقة وأن مصلحته هو يمن موحد مستقر، ‏وسقطت ورقة المعارضة الأخيرة وهى التشويه الإعلامى فى إظهار حكومة الرئيس ‏على انها حكومة فاشلة وأنها ليست مؤهلة للخروج باليمن وازماته وأنها شريك غير ‏موثوق به فى محاربة الإرهاب. بمعنى اخر فشلت المعارضة فى إظهار نفسها كمنقذ ‏لليمن من ازماته.‏

وبعد هذه الرؤية الواضحة للمجتمع الدولى لما يدور فى اليمن نأتى الى مبادرة ‏الحوثى الأخيرة فى القبول بالشروط الستة للحكومة، لنقيم مدى صدقها وواقعيتها ‏والنسأل الأن عن مدى جدية هذه المبادرة وهل الحرب قاربت على الإنتهاء؟

يقول د. فائد اليوسفى الكاتب والمفكر والمحلل السياسى المعروف "إن مبادرة الحوثى هى مبادرة وقحة ‏والاجدر بنا أن لا نسميها مبادرة لأنها لم تأت بجديد فمجرد قبول الشروط الستة دون ‏البدء بتنفيذها يعتبر نوع من التهريج ولكن هذه المرة لم تات مبادرة الحوثى لكسب ‏الوقت مثل باقى المرات ولكنها مبادرة الغريق، فجماعة الحوثى استخدمت اسلوب ‏حزب الله فى ادارة المعركة ففى اول الحرب كانت تقاتل بالسلاح المعهود وبعد ذلك ‏استخدمت الاسلحة الثقيلة واخيرا استخدمت صورايخ الكاتيوشا لتظهر وكأنها قوية ‏وان الحكومة فشلت فى تجفيف الدعم العسكرى لحركتهم وتعطى شعورا بالإحباط ‏للجيش بأنه لايمكن محاصرتها وأن رهان الحصار لن يجدى مع حركة الحوثى وان ‏الحوثى يحاور لكن من مصدر قوة، ولذلك نرى لهجة الخطاب مليئة بالوقاحة ورفع ‏الصوت حيث ما يزال يكلم السعودية وكأنه دولة بحد ذاته بل انه يتوعد إذا لم تقبل ‏شروطه، ولو كان الحوثى جادا فى قبول الشروط ، فعليه اولا الإعتراف بخطاءه ‏وعليه التحدث وكأنه مواطن وليس دولة لان هذا هو جوهر المشكلة. إن الإعتراف ‏بهذه الحقيقة (حقيقة أنه ليس دولة) هى ما تقوله الشروط الستة". كما يضيف الدكتور ‏اليوسفي "أن هذه الجماعات عندما تكثر المبادرات فهى تضع فى حساباتها هامش من ‏الوقت لايقل عن شهر او شهرين بالكثير لتعلن الإستسلام الكامل، قبل نفاذ مخزونها ‏من الأسلحة، فهى تريد تحويل الهزيمة المحتومة الى هزيمة مشروطة وتحفظ ماء ‏الوجه". ‏