أغلقوا محاكم التفتيش
بقلم/ د.عائض القرني
نشر منذ: 16 سنة و 11 شهراً و 11 يوماً
الجمعة 23 نوفمبر-تشرين الثاني 2007 06:50 ص

لن تسلموا من تصنيف الناس ولو كنتم في بروج مشيّدة، فإذا تكلّمت أو حاضرت أو كتبت أو ألَّفت فسوف يقوم أناس موكّلون بك ويصنِّفونك تماماً، فإن كنت طالب علم ومدحت آراء الفقهاء ونقلت عن أهل المذاهب فأنت عندهم مقلِّد متعصّب جامد، وإن أخذت بالدليل واعتمدت على النص فأنت ظاهري جلف، وإن رفعت صوتك وأغلظت في العبارة وأنكرت على بعض المخالفات فأنت (خارجي)، وإن أكثرت من البشارة وذكَّرت الناس بعفو الله وفتحت باب الأمل لهم في التوبة فأنت (مرجئ)، وإن رفقت بأهل الشأن وألنت لهم الحديث فأنت عالم سلطان مداهن، وإن كتبت عن الآخر ونقلت عن الغرب فأنت (ليبرالي)، وإن تحدَّثت عن التمدن وخبرات الغير فأنت (علماني)، وإن حاضرت عن الحكم وما والاه فأنت (إخواني)، وإن ذكرت الولاء والبراء فأنت (سروري)، وإن أكثرت من المبشرات وأعرضت عن المنكرات فأنت (تبليغي)، وإن حاضرت عن الخلافة فأنت (تحريري)، وإن دعوت إلى منهج السلف ونبذ الشركيّات والبدع فأنت (وهّابي)، وإن أكثرت من الشمائل والمدائح النبوية فأنت (صوفي)، وعندي كتابات ورسائل تحدثت عني من البعض فذكرت عني وأنا العبد الفقير أنني (حلولي) لبيت شعر قلته من قصيدة، وآخر ذكر أني (صوفي) لعبارة قلتها في شريط، وثالث ذكر أني (خارجي) لأن لي قصيدة وأنا طالب بالثانوية بعنوان (دع الحواشي وأخرج)، ومقصودي: أيها العالم أخرج للناس معلماً ومربياً ولا تكتفي فقط بتحقيق الحواشي، فقال الأخ معلّقاً على كلامي: فانظر إليه يا أخي كيف يقول: (دع الحواشي وأخرج) ومقصوده أخرج على والي الأمر!! فبالله عليكم هل في كلامي ما يُفهم عند المسلمين أو اليهود أو النصارى أن قصدي أخرج على والي الأمر، وذكر آخر أنني (مرجئ) لأنني أُكثِر من ذكر التوبة والرحمة حتى سهّلت المعاصي للناس، وأنا لا أنكر أن هذه المذاهب والجماعات والأفكار موجودة ولكن الإنكار على من نصبوا أنفسهم قضاةً على عباد الله يصنِّفونهم على كل كلمة وقصيدة ومحاضرة وكتاب، قال الزمخشري عن تصنيف الناس:

* إذا سألوا عن مذهبي لم أبُحْ به - وأكْتُمُه كتمانُهُ لـيَ أَسلَـمُ

* فإن حَنَفياً قُلتُ قالوا: بأنّـني - أُبيحُ الطِّلا وهو الشرابُ المحرّمُ

* وإن مالكيًّا قلتُ قالوا: بأنَّـني - أبيحُ لهم أكْلَ الكلابِ وهمْ هُمُ

* وإن شافعيًّا قلتُ قالـوا: بأنَّـني - أُبيحُ نكاحَ البِنْتِ والبنتُ تَحْرُمُ

* وإن حنبليًّا قلتُ قالـوا: بأنّـني - ثقيلٌ حُلُـوليٌّ بغيضٌ مُجَسِّـمُ

* وإن قلتُ من أهل الحديث وحِزْبِهِ - يقولون تيسُ ليس يَدْرِي ويَفْهمُ

* تَعَجّبتُ من هذا الزمانِ وأهِلـهِ - فما أحدٌ مِنْ أَلسْنِ الناس يَسْلمُ

* أيها الناس أغلقوا محاكم التفتيش في أذهانكم، وأوقفوا ثكنات التجسس والاستخبارات في عقولكم، وارفعوا المشانق التي نصبتموها للآخرين، ويا أيها العلماء والدعاة صونوا ألسنتكم من الخوض في ما نهى الله عنه، ويا أيها الكتّاب أغمدوا أقلامكم عن التجريح والتشويه والهمز واللمز والغمز ولا تحكموا إلا ببيّنة كالشمس في رابعة النهار (إلا من شهد بالحق وهم يعلمون)، أما الظنون والأوهام والوساوس فهي تليق بمرضى النفوس، فقراء القيم، خاوي الضمائر، يقول بنْ رشيد (بالشعبي):

* ما يستشكْ يا حسين كودْ الردييّنْ - وألا ترى الطيّبْ وسيعٍ بطانَهْ

 * الشرق الأوسط