اللقاء المشترك والقوى الخلاقة
بقلم/ محمد العميسي
نشر منذ: 13 سنة و 4 أشهر و 11 يوماً
الأحد 03 يوليو-تموز 2011 08:26 م

دأبت وسائل إعلام النظام والمتحدثين باسمه ابتداء من على صالح وليس انتهاء بمذيعي قنوات إعلامية في الحديث عن الفوضى الخلاقة, ولعل الجميع يعلم أن مصطلح الفوضى الخلاقة لم ينتشر بشكل واسع إلا بعد تصريح لوزيرة الخارجية الأمريكية كوندليزا رايس إبان غزو العراق وهي فوضى يتم افتعالها لإحداث تغيير يتبنى مزيد من الحريات.

الأمر الذي قد يجعل الكثير يقارن بين ما يحدث في البلدان العربية وبين هذه المعاني والتصريحات لينسب ما يحدث في ساحات التغيير وميادين الحرية إلى غزو غربي جديد . ولكن المتتبع لمواقف الأمريكان خلال ثورة مصر سيلاحظ التناقض الذي يؤكد أرتباك أمريكي أمام هذه الصحوة العربية المفاجئة جعلهم يقفوا إلى جانب الشعب المصري في وقت متأخر مؤملين على استبدال النظام بنظام عميل أخر ولكن بعد أن أيقنوا أن مصر أصبحت تتجه نحو قرار مصري لا يخضع لأي ضغوط بدأت بفك الحصار عن غزة لتوجه الصفعة الأولى لحليفة أمريكا التاريخية وجدنا أمريكا تسعى لنشر التنظيم المدمر ولعله الوسيلة الوحيدة التي قد تفشل ما يزعموا انه فوضى خلاقه . فكان وقوفهم إلى جانب الثوار في ليبيا لإفراغ ليبيا من السلاح ولعل أكثر المتنبهين لهذا الأمر كان اردوغان تركيا الذي قال أن ما يحدث في ليبيا هي تجارة سلاح وكان موقفه رافض للحرب وربما ذهب بعضنا إلى القول أن اردوغان يقف إلى جانب القذافي . ستخرج ليبيا بعد الثورة ببلد مثقل بالجراح والديون وشبه خالي من السلاح بعد أن تم تدمير هذه الترسانة بواسطة الطيران الأطلسي والأسلحة التي تم تزويد الثوار بها والتي ستنتهي أهميتها بعد انتهاء الحرب فهم لم يزودوا بالدبابات وراجمات الصواريخ وإنما زودوا بما يدمر الدبابات والراجمات . هذا ما يسعوا الآن إلى تنفيذه في اليمن وسوريا التي أفشلت هذه المخططات بسلمية ثوراتها ومن هنا تأتي أهمية السلمية .

قد تكون هذه مقدمه طويلة إن قلت الآن إن هذا ليس موضوعنا وإن كان هو في صلب الموضوع فما نحن بصدد الحديث عنه هو ما أسمية "القوى الخلاقة" وبقدر غرابة استخدام هذا اللفظ إلا أن التاريخ يؤكد أمور هي الأكثر غرابة.

فالمتفحص للوضع اليمني يجد حقيقة استرسل النظام في الحديث عنها وهي التناقضات الموجودة في أحزاب المشترك والقوى المنظمة للثورة حيث نجد (الاشتراكي والإصلاح والناصري والبعث والحوثي والحراك والقبيلة إضافة إلى بعض اللبراليين الذين يحاولوا تصدر المشهد في بعض الأحيان) هذه القوى نتفق جميعا بما لا يدع مجال للشك أنها قوى متناقضة ومشاريعها مختلفة وهذا الذي قد يجعل البعض يتخوف من المستقبل على أساس أن هذه القوى في المستقبل سوف تتقاتل على الحكم. لكن التاريخ والواقع يقولان أن الديمقراطيات لا تنشئ إلا في بيئة قوى متعددة ومتوازنة. ولنأخذ المشهد اليمني نموذجاً على أساس انه نموذج ديمقراطي كما يزعم نظام صالح الأسري. ربما ابتدر الجميع بالقول "أين الديمقراطية هذه" لسنا مختلفين فالحقيقة أن عدم وجود توازن في قوى مختلفة التوجهات ومتعددات البرامج هو من مكن الحزب الحاكم من الإنفراد بالسلطة وقد حرص خلال فترة حكمة الممتدة ثلاثة عقود على تشويه القوى المختلفة معه بكل الوسائل حتى أصبح البعض يتخوف من أن يقال له أنت إصلاحي مثلا أو اشتراكي أو مشترك مع أن هذه القوى قوى وطنية وأصبحت كلمة "حوثي" شبة لعنة لدى البعض بالرغم من أنها لقب لسكان منطقة حوث.

فقط القوى المختلفة والقوى المختلفة فقط هي من تخلق أجواء للتعايش الديمقراطي والمتابع للوضع اليمني سيجد أن المناطق التي وجدت فيها قوى مناصرة للثورة صنعت معادلة مع قوى النظام تعيش الآن وضع شبة مستقر ورأينا كيف استفرد النظام بصنعاء قبل انضمام الفرقة ورأينا استفراده أيضا بتعز قبل أن تحميها قبائل موالية للثورة.

لهذا أقول أن تعدد القوى يصنع جوا ديمقراطيا حقيقا ليس كما كان يتحدث على صالح أن التعددية وسيله وليست غاية . في الحقيقة أنها أصبحت أحد الغايات فنحن لا يوجد بيننا نبي مرسل ليحكمنا بعدل مطلق ولذلك فالتعددية تضمن عدم الاستفراد بمعنى أخر تعني المشاركة والمشاركة توصلنا بالموازنة والموازنة تعني مجتمع يتقن التعايش بسلام في ضل نظام حرصت جميع القوى من تجريده من أي نقاط تمكن طرفاً ما من الاستفراد وصناعة الشمولية بمعنى أخر نظام يحقق على الواقع الفعلي حكم الشعب نفسه بنفسه.

إن القوى السياسية والفكرية المختلفة والمتعادلة في القوة هي قوى خلاقة تحقق سنة التدافع التي جعلها الله أداة لحماية الحياة بل والأرض أيضا قال تعالى ((ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض)).

ليس لدي أدنى شك أن أزلام النظام يعرفوا هذه الحقيقة جيداً فقد حرصوا على تشويه صورة القوى المناصرة للثورة بكل قواهم وحرصوا بشكل اكبر على محاولة تبني الشباب لفكرة " لا حزبية ولا أحزب " وهذه فكرة خاطئة لأن الدولة المدنية تقوم على أساس التعددية والأحزاب أهم ركائز هذه التعددية وفكرة أن " يجب أن يحكم الشباب لا الأحزاب " فكرة تتيح مجال لاستنساخ النظام الحالي مرة أخرى فما نعانيه الآن هو إقصاء القوى الأخرى وآياً كان هذا الإقصاء سواء من المؤتمر ومرتزقة النظام الحالي أو من الشباب في الأخير هو إقصاء والشباب ليسو سوى أحد القوى الموجودة في الساحة ما يجدر ذكره هنا أن حرص النظام على تصدير شائعات أن الأحزاب ستسرق الثورة هو مجرد سعي منه إلى شق صف القوى الثورية . و ما يجب أن يدركه الشباب أن أي نظام لا تكون فيه الأحزاب هي مكونات التعددية وقاعدة أساسية لبناء توازن قوى ينتج عنه ديمقراطية حقيقة فإنه سيكون نظام خصب لزراعة نسخه جديدة من النظام السابق وسيمكن ذلك القوى الرأسمالية من بناء برجوازيات جديدة. وستحرص وقتها لإضعاف القانون من أجل حماية مصالحها كما حصل مع النظام الحالي. ولذلك يجب أن نؤمن بفكرة تعدد القوى لمشاركة سياسية حقيقة.