صالح قُتِل في صنعاء .. وقد يموت من جديد في الرياض!
بقلم/ د. حسن شمسان
نشر منذ: 13 سنة و 5 أشهر و 5 أيام
الأربعاء 08 يونيو-حزيران 2011 03:04 م

اختلفت التأويلات والقراءات تجاه كيفية حادثة القصر ومن وراءها، واتجهت اتجاهات شتى ومتباينة؛ نظر لأن الجهات الرسمية والسعودية أعطت مادة للإعلام يلفها الكثير من الضبابية والغموض، لا تستطيع العين المجردة قراءتها بوضوح؛ مما اضطر العين الباصرة - بعيدا عن السلطة – أن تتأولها بقراءات مختلفة، وفي المقابل ضلت عين السلطة تقرأ كيفيتها قراءة واحدة؛ وهي أن الهجوم تم من خارج القصر والمنفذ هم أبناء الأحمر، لهذا جاء على إثره قصف منزلي على محسن وحميد الأحمر في حدة؛ محاولة التأكيد على أنهم أي بيت الأحمر وراء الهجوم، بيد أنه سرعان ما اختلفت القراءة للسلطة من جهة المنفذ، فاتهمت تنظيم القاعدة تارة؛ وآخرون اتهموا (طائرة بدون طيار) (!) وهذه القراءة الأخيرة (للمنفذ) تتناسب مع قراءة السلطة لكيفية حادثة القصر؛ نتيجة لما يتمتع به الأخير من حصون تمنع قدرة قوة اليمنيين على اختراقها، لكنها لا تمنع قدرة الله وتدبيره حتى لو كان المنفذ (يدا صديقة) حسب بعض القراءات الضعيفة.

صحيح إن قراءة النظام كانت واحدة فيما يخص كيفية التنفيذ، بغض النظر عن تناقضاتها فيما يخص المنفذ؛ لكن ما هو معلوم أن إعلامها على غاية كبيرة من الحقارة والوقاحة؛ فنائب زير الأعلام، والناطق الرسمي للنظام قد جاء حتف حبل الكذب على لسانه؛ وهو الحبل نفسه الذي لم يكن طويلا إلا في فترة حكم صالح وعلى لسانه، وناطق رسمي هذه صفاته فكيف لأحد أن يصدق تصريحاته وقد عهد الناس أنه يحدث عكس ما يصرح. ومهما يكن من أمر؛ دعونا نستبعد كلما سبق من قراءات؛ خاصة فيما يتعلق بكيفية التنفيذ، ونتفق على كيفية التنفيذ وهي أنها من الداخل نتيجة للحصون المانعة، وأن المنفذين هما واحد من اثنين: إما منشقين وحصول انشقاق بين قيادات الحرس الجمهوري بغض النظر عن سبب ذلك، وإما أمر قد دبر بليل؛ ولسنا هنا بصدد تخمين من كان وراءه، بيد أننا نتيقن أن المدبر في كلا الحالتين هو الله القوي العزيز المنتقم القائل: (وَظَنُّوا أَنَّهُم مَّانِعَتُهُمْ حُصُونُهُم مِّنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُم بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ) (الحشر2)فالمنفذ إما أيديهم في حالة الانشقاق وإما أيدي غيرهم المؤمنين بقضية وطن والشاعرين بقيمة انتماء، وإذا كان معرفة المنفذ غير مهم بالنسبة لنا؛ فإن الأهم أنه حصل ما لم يكن متوقعا بحسبان صالح وحاشيته أو حساباتهم؛ فهم يحسبون حسابات سياسية، بعيدين أو متعامين عن أن الله تعالى (هُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِيْنَ) و (خَيْرُ الْمَاكِرِيْنَ)فكان أن سبق حساب الله حساباتهم، ومات بعضهم ورحل آخر، ولم تمت الثورة وما رحل الثوار كما كانوا يطالبونهم.

إذا اتفقنا - مبدئيا - أنه حصل هجوم داخلي من حيث الكيفية (لا خارجي)، واتفقنا أنه قد حصل بيدين: من حيث التنفيذ؛ إما أيديهم؛ بسبب خلافهم - والله من ورائهم - أو أيدي آخرين مؤمنين بقضية وطن، وشاعرين بأهمية انتماء - كما سلف بيانه - فبذلوا لأجل ذلك أرواحهم، وأيا كان المنفذ، فإن المستهدف الأول سيكون رأس الأفعى، وهو صالح، وكلنا يعرف أن الراعي عن يساره ورئيس الوزراء عن شماله، فإذا كانت إصابة الراعي في غاية الخطورة، ولا ندري عن مدى إصابة مجور، بيد أن هناك من يقول إنه قد توفي، وإذا كان ذلك كذلك فهذا يعني أن صالح - وهو المستهدف الأول وبيت القصيد - قد لقي حتفه في اليمن منذ زمن بداية الهجوم، ولما كان المستفيد من نبأ وفاته في حينه هي الثورة في المقام الأول، وجنوده وما تبقى من قياداته هم الخاسر الأكبر، وخوفا على هذه الأخيرة من أن تنهار وتلتحق بركب الثورة، لا ضير أن يؤجل موته - استغفر الله - نبأ موته، حتى تبقى الثورة نصف حية، ولا يموت فلول صالح بتأجيل نبأ موته ولا ضير أن تشارك السعودية في مثل هذه الأحجية، لم يعرض فيها صورة لصالح ولا أحدا من أفراد حاشيته المصابين في الحادثة، مما يؤكد وفاته - أو أن هناك لعبة أكبر من الجميع (!) - وحين ترجح موته؛ لا ندري هل سافرت جثة صالح إلى السعودية أم ما زالت في اليمن ؟ لكن ما هو المؤكد إذا ما تم سيناريو الهجوم الداخلي - أيا كان المنفذ - إن صالح قد مات وشبع موتا. وأن المتآمرين لم يشبعوا كذبا. لكن قد يتساءل البعض - وتساؤلهم مشروع - ما سيكون موقع السعودية من الإحراج إذا كانت تلك هي حقيقة صالح ؛ إذ أنها قد صرحت بأنه وصل وأجريت له عمليتان جراحيتان، وهو يتعافى بيد أنه يحتاج إلى فترة نقاهة لا تقل عن أسبوعين، وفي الوقت نفسه تجد التصريحات النارية اليمنية، أن صالحا سيعود قريبا ليمارس طبيعة عمله كرئيس للبلاد، ففي السعودية ترويج لتحسن صحة صالح بيد أنه يعاني من انهيار نفسي واكتئاب، وفي اليمن تخويف من عودة المجروح بعد أن شفي، وعند ذلك كيف ستبرر السعودية موت صالح (؟)

الجواب سهل ويسير، فصالح - الذي صرح بأنه كان يعاني من حالة نفسية شديدة وبعد تعافيه - مات بسكتة قلبية أو جلطة دماغية، أو بحادث مروري في أثناء قضائه لفترة النقاهة، أو لقي حتفه بحادث اغتيال قد يلبس جبته المشترك أو قبيلة حاشد، أو علي محسن، ولا ننسى يد للموساد جاهزة بالمرصاد لتبرير حوادث الاغتيالات عادة، فطريقة موت صالح الثانية وتحديد المنفذ؛ سيحددها ما سيئول إليه حال الواقع السياسي في اليمن، وكيفية اقتسام الكعكة التي ستسفر عنها الثورة، المهم أن صالح -أو شبحه- يبقى بيد المتآمرين، (رضاعة) وفي الوقت نفسه (فزاعة). أما الأولى؛ فيحالون بها أن يبقوا على عزيمة ما بقي من فلوله حتى لا تنهار، وتلتحق بالثوار وتقطف الثورة ثمارها أو تصل إلى هدفها، وأما الثانية (الفزاعة)؛ فيضلون يخوفون بها المعارضة، ليضل صالح شغلهم الشاغل - حيا وميتا - وها هي الفزاعة قد فعلت فعلها؛ وهو ما يفهم من تصريحات الناطق الرسمي للمشترك؛ بان منع صالح من العودة إلى اليمن سيكون شغل المعارضة الشاغل في زمن ما بعد حادثة القصر، في الوقت نفسه الذي تجد الثوار منشغلين باحتفالات النصر الوهمي، ونجد نائب صالح مشغولا بمتابعة الهدنة - التي كان وراءها مبادرة سعودية - بين القبائل وجنود صالح، وهؤلاء الأخيرون يضلون يخرقون شروط الهدنة، وشيخ حاشد يشتكي إلى النائب، وهذا الأخير يضل يرقع الخروق. وهكذا نرى الجميع؛ (معارضة وقبائل وشياب) انحرفوا جميعا -أو أشتاتا- عن مسار الثورة ومقاصدها، لينشغلوا بأشياء جانبية واهية ليست على درجة كبيرة من الأهمية إلا من ناحية الأشقاء والأصدقاء.

ولا ندري كيفية الطريقة التي سيمنع المشترك بها صالح العودة إلى اليمن ؟ وأي صالح سيمنع ؟ هل صالح الرئيس ؟ أم المواطن ؟ أم الجثة الهامدة ؟ والطريقة: هل ستكون بسحب الجنسية - وهذا مستحيل - أم باستجداء الأصدقاء لمنعه؟ وإذا كان هذا ؟ فما هو المقابل لذلك ؟ هل القبول بمولود مشلول للثورة والقبول بحكومة نصف حيٍّ ؟ أم أن المشترك سيتخذ الطريقة المثلى ويعود إلى الثورة ومقاصدها وينتبه إلى عجلتها حتى لا تنحرف، وينبه الثوار إلى الاهتمام بما بعد رحيل صالح - سواء من الدنيا أو من اليمن - ليصعد أساليب الثورة بما يراه الوضع مناسبا؛ إما بالزحف؛ أو بتشكيل مجلس ثوري والإعلان عنه في أسرع وقت يتولى إدارة البلاد، أم أن يضل المشترك منشغلا بقضية إحياء الميتَيْن وعودتهما إلى اليمن من عدمها؛ أعني صالح والمبادرة الخليجية، وانشغال الشباب باحتفالات ما سمي بيوم النصر؛ الذي لا ندري ما لون ولا طعمه ومن انتصر فيه هل الثوار ؟ أم المتآمرون ؟ وهل هذا يعني أن المتآمرين قد نجحوا بدرجة امتياز في حرف عجلة الثورة عن مسارها.