بعد انتصار الحلفاء في الحرب العالمية الأولى , حدد بيان ( بريطاني فرنسي ) هدف المرحلة القادمة : “ التحرير التام والنهائي للشعوب التي ظلمها الأتراك ، وإقامة حكومات قومية تستمد سلطتها من الإرادة المستقلة والاختيار الحر للسكان الأصليين ” . والواقع يقول أن شيئا من ذلك لم يحدث , فقد سعى المنتصر خلف مصالحه الخاصة , متناسيا حق الشعوب في الإرادة والحرية .
وهذه الانتهازية مازالت رائجة اليوم , يمارسها كثيرون في تمرير كل ما يحقق مصالحهم الخاصة على حساب شعوبهم , أو شعوب أخرى . فالغرب يستخدم الديمقراطية والحرية , وحق الدفاع عن مصالحه وأمنه عذرا للتحكم بالدول المستهدفة ونهب ثرواتها .
فمن أجل (برجين) استباحت أمريكا دولا عدة , قتلت واعتقلت ونهبت وطغت , دون اعتراض من أحد . وبدلا من أن تتوجه إرادة مواطنيها نحو المطالبة بمحاسبتهم على هذا الفشل الأمني والاستخباراتي . قام إعلامهم بتغييب وعيهم , من خلال توجيه مشاعر ألامهم وغضبهم نحو الإرهاب الإسلامي القادم من الخارج , فحصل العم ( سام ) على عباءته , ليقوم بما يريد من قتل ودمار وجرائم , جاعلا منها واجبا عقائديا لحماية أمته وبسط نفوذه .
وفي حرب الخليج كان شعار الحرية ستارا لنوايا النهب والتدمير والتسويق , فمن أجل ألا يمتلك العراق احتياطيا ضخما من النفط ! تم رفض المبادرة العربية التي تقضي بخروج العراق من الكويت دون تدخل عسكري خارجي .
وهو أمر لن يحقق مصالحهم وأهدافهم , والتي كان دمار العراق وتقطيعه هو السبيل الأمثل لنجاحها . ومثل هذا قد ساد بلادنا , فالفرس احتل صنعاء وهو يحررها من الاستعمار الحبشي .
والروس استعمر الجنوب وهو يحميه من المد الامبريالي . والحوثي جرع الشعب القتل والفقر بحجة رفع الغلاء عن كاهل المواطن الغلبان .
وفي الجنوب شاعت مظاهر عدائية وتخريبية , ينفذها المطالبون بدولة النظام والقانون , ووطن البناء والتنمية . فتم احتلال ونهب منشئات حكومية , وتعطيل خدمات ومصالح عامة , وتنفيذ اغتيالات وقتل , وخطف وتغييب . والسلطات السياسية والأمنية تغض الطرف عنهم , أو تفاوضهم لخفض مطالبهم . أما أهل النفوذ منهم , أو غيرهم من أصحاب التوجيه والقرار الفعلي , فيسطون ويعتقلون ويغتالون ! دون سين ولا جيم .
هكذا تتعامل السلطات مع التملك والعدوان على مصالح الوطن وحقوق الشعب . ولعل غض الطرف والتفاوض , وعدم الحسم داخليا , يأتي متوافقا مع نمط الأحداث عسكريا , ومع نسق الوقائع سياسيا , في التعامل مع الملف اليمني , ومع صالح والحوثي , عربيا ودوليا . فلعل أهداف الجميع ـ داخليا وخارجيا ـ لا تخرج عن حقيقة " الاحتلال " , ولو تلبست ثوب الحرية .
ومواقفهم تجسد حب " المصلحة " , ولو تقلدت وسام الوطنية . و" غض الطرف والتفاوض وعدم الحسم " وسيلة فعالة لبناء الاستراتيجيات , ورصد المتغيرات , وتصنيف الخيارات , وتطويع المعارضات , وبناء التحالفات , ورسم الخارطة المنشودة ـ على أكمل وجه ـ حسب الاتفاقات المعقودة .
ورب ثائر وجد أن مكتب إدارة , أو مبنى وزارة ! في اليد , خيرا له من دولة على وعد . ورب حاكم ظن أن التحكم بجزيرة صغيرة ورصيف , سيعيدُ له ما تبعثر منه , في ربيع حكمه ! والخريف .