ثلاثة يمنيين يهددون أمن أميركا وأوروبا والسعودية «1-2»
بقلم/ منير الماوري
نشر منذ: 12 سنة و 6 أشهر و 20 يوماً
الأحد 15 إبريل-نيسان 2012 06:57 م

الثلاثة الخطرون المشار إليهم في العنوان ليس بينهم الشيخ عبدالمجيد الزنداني رغم إدراج اسمه في قائمة وزارة المالية الأميركية، ولا السيد عبدالملك الحوثي مهما ارتفع صراخه بشعار الموت لأمريكا. وليس من بين هؤلاء الثلاثة ناصر الوحيشي زعيم تنظيم القاعدة في جزيرة العرب أو نائبه السعودي سعيد الشهري، ولا حتى مسؤول عمليات القاعدة الرجل الأكثر جسارة قاسم الريمي.

كل هؤلاء يهون خطرهم أمام الخطر الذي أصبح يشكله على الأمن المحلي والإقليمي والدولي ثلاثة يمنيين من أهم أصدقاء أمريكا وأوروبا والسعودية تحولوا فجأة إلى أكبر عبء على أمريكا وأوروبا ودول مجلس التعاون الخليجي بما فيها السعودية.

وقبل إيراد أسماء هؤلاء الثلاثة يجب التنويه إلى أن صناع القرار في تلك البلدان إذا لم يتنبهوا للعبء الذي يشكله هؤلاء الثلاثة قبل فوات الأوان فإن الأحداث في اليمن سوف تتسارع بلا أدنى شك لصالح إيران في المقام الأول ولصالح إمارات تنظيم القاعدة في المقام الثاني، بما يتناسب عكسيا مع مصالح بقية الأطراف الدولية من الرياض إلى واشنطن مرورا بجميع العواصم الخليجية والأوروبية.

ولتوضيح هذه الرؤية التي قد يستغربها بعض القراء دعوني أبدأ بواشنطن وعلاقتها بالأعباء الثلاثة:

لقد استثمرت الولايات المتحدة كثيرا من المال والجهد والوقت في تجهيز وتدريب وحدات خاصة لمكافحة الإرهاب تابعة للحرس الجمهوري الذي يقوده أحمد علي عبدالله صالح نجل الرئيس السابق أو للأمن المركزي الذي يرأس أركانه يحيى محمد عبدالله صالح نجل شقيق الرئيس السابق. كما انفقت الولايات المتحدة الكثير من الأموال على تدريب وتأهيل جهاز الأمن القومي اليمني يديره فعليا وكيل الجهاز عمار محمد عبدالله صالح وهو نجل آخر لشقيق الرئيس اليمني.

لقد كانت الولايات المتحدة تأمل أن يتولى الحرس الجمهوري المدرب تدريبا جيدا والأمن المركزي وكذلك جهاز الأمن القومي توجيه ضربات قاتلة لشبكات تنظيم القاعدة بمؤازرة التقنيات الأمريكية، وقد نجح الطيران الأميركي بالفعل في تصفية عدد كبير من عناصر القاعدة بمن فيهم أنور العولقي الذي كان معروفا بقدرته على اختراق قلوب وعقول بعض الناطقين باللغة الانجليزية. ولكن النجاح الأمريكي رافقه تخاذل يمني خارج عن إرادة النظام السابق بسبب اندلاع ثورات الربيع العربي التي عصفت بكثير من الأنظمة العربية وأجبرت نظام صالح على إبقاء الوحدات الخاصة التابعة للحرس الجمهوري والأمن المركزي داخل العاصمة صنعاء أو في محيطها من أجل حماية الرئيس صالح وأسرته من الثورة التي اندلعت ضد النظام. أما جهاز الأمن القومي المزود بخبرات وتقنيات أمريكية فقد انشغل كثيرا عن محاربة القاعدة بمحاربة الثوار في ساحات الحرية والتغيير وانهمك بتنظيم الحيل لاختراق الثورة ونشر الفتن والخلافات بين مكوناتها، وإثارة بعض الثوار على أنصار الثورة داخل القوات المسلحة وبين القبائل اليمنية.

ومع ذلك فبعد مرور أكثر من سنة على الثورة أصبح الاسم الشائع للحرس الجمهوري اليمني هو “ الحرس العائلي” كما أصبح الاسم الشائع لكل من الأمن المركزي والأمن القومي هو “ الأمن العائلي”، وتحولت مهمة الحرس الجمهوري والأمن المركزي والأمن القومي إلى حماية الرئيس صالح حتى بعد خروجه من السلطة بموجب المبادرة الخليجية. أما تنظيم القاعدة فقد استغل هذا الانشغال وبدأ يسيطر على مدن بأكملها، ويطبق الشريعة القاعدية في عدد من المديريات والمحافظات اليمنية. وأصبحت القاعدة تظهر للعلن بشرطة خاصة بها ودوريات ومبانٍ ونقاط تفتيش وميليشيات شبه عسكرية ولم يعد عناصر القاعدة يتخفون أو يختبئون كما تتخفى قياداتهم، بل أصبح بعض القادة الجدد يتحدثون للفضائيات في بث مباشر ويدلون بالتصريحات العلنية ويعقدون المؤتمرات الصحفية.

وبسبب الانشغال بمحاربة الثورة لم يعد لدى أجهزة النظام وقت كافٍ حتى للأكاذيب التي كانت تروجها عن نجاحات مزيفة في حربها ضد القاعدة، وتوقف النظام نهائياً عن تكرار إعلانه لمقتل القائد الميداني للقاعدة قاسم الريمي الذي قتله صقور محمد صالح الأحمر أكثر من خمس مرات منذ اندماج فرعي القاعدة اليمني والسعودي في تنظيم موحد عام 2009، وفي كل مرة يعود القتيل للظهور بصورة أو بأخرى نافياً صحة مزاعم صقور الجو اليمني.

ومن جانبه تمادى وكيل الأمن القومي في غيه لدرجة تزويد الجانب الأميركي بمعلومات مضللة من أجل التخلص من مخزن معلومات بشري عن علاقة النظام بالقاعدة وهو الشيخ جابر الشبواني، الذي ذهب ضحية طائرة بدون طيار، رغم عمله مع النظام ضد القاعدة، ثم حاول رئيس النظام إيهام والد الضحية بأن المتسبب في مقتل ابنه هو نائب رئيس الوزراء رشاد العليمي بعد أن شعر الرئيس السابق بأن العليمي يلاقي استحسانا أمريكيا ورضا سعوديا في وقت كاد فيه الأولاد ينفجرون غيظاً من منافسة العليمي لهم في علاقتهم بالخارج وبالرئيس السابق.

وبعد تجارب كثيرة مع الرئيس السابق لا يسمح المجال لتعدادها توصل الأميركيون إلى قناعة بأن صالح أصبح عبئا كبيرا عليهم وأن الثورة اليمنية يجب أن يكون لها ضحية في مستواه لمراضاة الثوار بسقوطه، على أمل أن يؤدي خروج صالح من السلطة إلى استعادة الاستقرار ومجئ رئيس أكثر جدية في الحرب على القاعدة.

وعندما جاء الرئيس عبدربه منصور هادي إلى السلطة أدرك الأميركيون أنه بالفعل أكثر من سلفه رغبه في تحرير أهله في محافظتي أبين وشبوة من أنصار القاعدة، وبادر الرئيس هادي هذا الأسبوع بإرسال قوات خاصة إلى مناطق المواجهة لأول مرة في حين أن الرئيس السابق كان يحتفظ بتلك القوات لحماية شخصه وأسرته فقط.

ولكن المشكلة اليمنية لم تصل إلى نهايتها بمجيء رئيس جديد أكثر مصداقية وجدية في حل مشكلات البلد، فقد اتخذ الرئيس الجديد قرارات بإزاحة اثنين من اقارب الرئيس السابق وهما شقيقه قائد القوات الجوية محمد صالح الأحمر ونجل شقيقه طارق محمد عبدالله صالح قائد الحرس الخاص ونقلهما إلى أعمال أخرى لكنهما مازالا حتى هذه اللحظة يماطلان في تنفيذ الامر العسكري الصادر من القائد الأعلى للقوات المسلحة، وهو ما يشير إلى أن الثلاثة الأكثر خطورة قائد الحرس ورئيس أركان الأمن المركزي ووكيل جهاز الأمن القومي قد يرفضون الامتثال لقرارات الرئيس عندما يأتي دورهم في الإزاحة من مواقعهم الحالية، وبالتالي فإنهم بذلك يقيدون عمل الرئيس الجديد ويعرقلون الإصلاحات الجذرية ويتشبثون بمناصب وصلوا إليها بسبب قربهم من رئيس سابق. هذا التشبث سوف يؤدي بلا شك إلى فشل المبادرة السعودية واندلاع مواجهات بين الثوار والحرس الجمهوري الأمر الذي سيجعل القاعدة والثورة وأنصار إيران في مواجهة عدو واحد وقوات يقودها ثلاثة اشخاص من عائلة واحدة.

ولكن من أجل الحفاظ على الحرس الجمهوري والأمن المركزي والأمن القومي كمؤسسات يمنية تأتمر دون أدنى نقاش بأمر الرئيس المنتخب شرعياً فيجب على الولايات المتحدة وأوربا ودول الخليج استعمال نفوذها في مجلس الأمن لفرض عقوبات صارمة على أي شخص من الأشخاص الثلاثة يتمرد على أوامر الرئيس الشرعي أو يرفض التخلي عن منصبه، لأن العقوبات الدولية وتجميد أموال المتمردين هي الوسيلة الأمثل لردع غيرهم عن التمرد، وتمكين الرئيس الجديد من تحقيق الاستقرار والمضي قدما نحو إصلاح الأوضاع، وإنقاذ اليمن من التحول إلى منطلق للقاعدة وإيران لإيذاء الجيران وتهديد أمن الشعب اليمني ذاته، وأمن العالم أجمع. أما عن طبيعة الخطورة التي يشكلها القادة الثلاثة المشار إليهم من أقارب الرئيس السابق، فهذا ما سأتناوله في الحلقة القادمة من هذا المقال.

*الجمهورية