مأرب برس- خاص

إذا ما القينا تلك النظرة الفاحصة وتأملنا مجريات ومخرجات أحزابنا السياسية قديما وحديثا مقارنة بتلك الأحزاب السياسية في الديمقراطيات الناشئة في العالم الثالث عموما نجد هذا الكم من المفارقات العجيبة والفريدة من نوعها بيننا وبين الآخرين.

وعلى سبيل المثال لا الحصر نجد أن الانتماء لأي حزب من أحزابنا السياسية ما هو إلا لمنازلة ومعارضة الحزب الآخر أو سعيا إلى تحقيق مصالح ضيقة لا ترقى إلى تحقيق المصلحة الوطنية العليا وعبر شعاراتها التي يبدو في ظاهرها الوطنية وفي باطنها العذاب وخراب البيوت سرعان ما تنتهي لمجرد الوصول إلى سدة الحكم ويبدءا هنا الانتقام من هذه الأمة من خلال سلب ونهب المال العام والغوص في براثن الفساد لتعويض ما فات من الجهود المبذولة والمعاناة التي تكبدها هذا الحزب وقياداته للوصول إلى هنا وذلك على منهاج من كان قبلهم.

وإذا ما نظرنا إلى كيفية نشأت أحزابنا السياسة نجد أنها أتت في ظروف خاصة لمواجهة بعضها البعض ولا يخفى على احد كيف جاء الاشتراكي والمؤتمر وحزب الإصلاح والتي لم تأتي من اجل مصلحة عموم الشعب أو لتكمل قصور في عمل الأحزاب الأخرى ولكنها أتت وتسللت تحت شعار مواجهة الخطر الزاحف على البلاد والعباد من الحزب الآخر وهنا نجد أيضا أن الانتماء الحزبي يرتكز في الأساس على المصالح الشخصية أو القبلية والمحاباة ولا علاقة للمصالح الوطنية لا من قريب ولا من بعيد ولا سبيل لتلافي كل تلك الآفات إلا من خلال العمل الدءوب وصقل المهارات للكوادر الحزبية ودفع عجلة التعليم وتوفير فرص العمل ونشر الأمن وتحقيق العدالة ذلك هو السبيل لتقديم الانتماء الوطني قبل الانتماءات الحزبية ولا سبيل للوصول الى ذلك الانتماء طالما والوعي السياسي والثقافة السياسية معدومان وغالبية الشعب لا تزال تقبع في براثن الجهل السياسي وتحت وطأة الفساد حتى أن بعض أعضاء هذه الأحزاب اصبح يغرد خارج سربه وعليك أن تكون معه وإلا فأنت ضده.

ولا سبيل لقبول الطرف الآخر ما لم تعمل جميع الأحزاب السياسية على إعادة النظر في خطابها السياسي وتهبط من أبراجها العالية لتغوص في أوساط المجتمع وتستشعر معاناته وحاجاته وتعمل على تأهيل كوادرها الحزبية وتنشر ثقافتها السياسية وبرامجها الإصلاحية تحت شعار (قد اختلف معك في الرأي ولكني على استعداد من أن ادفع حياتي ثمنا لحقك في الدفاع عن رأيك) ذلك هو المعنى الحقيقي للانتماء الوطني والعمل من اجل الوطن ورفعته وتقدم مساراته التنموية بعيدا عن المكايدات الحزبية التي لا تخدم الا أصحابها والى اجل قريب.

ليس الا إن من ضرورات النجاح الديمقراطي في كل بلاد الدنيا ان يتساوى فيها المحكوم والحاكم تحت سلطة القانون وعلى أساس أن يعمل الجميع من خلال منظور وإحساس وطني يلبي كل تطلعات المجتمع ولا مكان لوصاية احد على احد وهنا تزداد وتتضاعف مسئولية كل أبناء الأمة وخصوصا المفكرون أينما كانوا واللذين هم مطالبون بالعمل على نشر الوعي السياسي والحس الوطني وتطوير المناهج التعليمية والوطنية ولا بأس من أن يتعلم أولادنا مفهوم العمل السياسي من الصغر والدفع لعجلة التنمية في جميع مجالات الحياة لكي لا تضيع الديمقراطية وتولول حسرتا على اليوم الذي سمحت فيه لقلة من المطبلين والمزايدين الذين لا هم لهم الا تأمين الحياة المترفة لهم ولمن حولهم سواء داخل اليمن او خارجه وذلك على استخدامهم لمصطلحات ومفردات هذه الديمقراطية الثمينة في خطابهم الذي لا يحمل في طياته إلا الويل وألوان العذاب .