|
شخصيا وعلى مدى سنين حياتي الماضية لم أرى في علي عبدالله صالح شخصية تجسد الزعامة ولا القيادة، بل لم أراه أبدا بصورة الرئيس المتزن لكافة الشعب والذي يُغلب مصلحة الوطن على مصالحة الأسرية والشخصية، هو في نظري رئيس قبلي جهوي بسيط وعادي جدا يمتلك لهجة شعبية لم ترتقي في يوم من الأيام وثقافة اعتيادية ولا توجد لديه خطوط حمراء في طريقة التعامل مع شعبه، فهو مستعد بأن يقول أي شيء وأن يفعل كل ما يمكن حتى يحافظ على كرسيه وعلى نفوذه ، وهذه الشخصية تستطيع أن تتقلب دون خجل أو شعور بالحياء وهذا التقلب يكون مرحليا إلى حين عودة الأمور إلى طبيعتها ثم يقوم بالتكشير عن أنيابه والقضاء كل من حوله، وهذا الأسلوب وأن ونجح في مرحلة معينة فهو تركه في حالة عزلة مزمنة، حيث أن إقصاء كل الخبرات الفكرية والثقافية والسياسية _ نظرا لشعور النقص لديه _ وتقريب القوى القبلية والتي في الغالب تحتقر الدولة المدنية والأنظمة أعطى صورة حقيقية عن ماهية هذا الرئيس والتي انعكست بمجملها على شعب ظل تحت هذا الأسلوب من الحكم لمدة تزيد عن ثلاثون عاما فباتت القيم الحديثة والمظاهر العصرية والتفكير المتمدن أشياء تبعث على السخرية والازدراء، كما تنامت ونتيجة لهذا التيار القبلي الحاد في أعلى هرم السلطة حالة من الفساد لم يعرفها التاريخ اليمني من قبل وباتت هي المتن والأساس حتى بين الكثير من أبناء الشعب اليمني بينما غدا الشريف حالة تبعث عن التندر وتلصق به صفات مثل الجبان والخائف والأرعن .
الرئيس يمتلك كل المفاتيح وكل السلطات والجميع يعلم بأنه هنالك ملفات لقطط سمان في الفساد تم تجميدها في درج مكتبه لأنه يرتبط بتلك الشخصيات مباشرة بمصالح سياسية واقتصادية، والرئيس كان ومازال يرفض تقديم أية شخصية فاسدة للمحاكمة بل ظل ( وكلنا نذكر ذلك ) ينكر بأنه هنالك شيء اسمه فساد في اليمن وكان يطالب كل شخص يتحدث عن الفساد بتقديم أدلته، بينما يمكن لأي كائن كان أن يمشي بضع كيلو مترات في العاصمة صنعاء ليعرف كم الفساد المستشري بدء من جندي المرور وانتهاء بأعلى مسئول في أية دائرة حكومية، ليس الفساد الضخم هي أحد أهم منجزاته، فهنالك الحروب والانقسامات وعدم الأمان ناهيك عن التنمية المعدومة وحالة الفقر الشديدة والوضع السيئ للصحة و التعليم التي وضعت اليمن في آخر القائمة وصنفت بأنها دولة فاشلة بكل ما يعنيه الفشل من معنى.
كل تلك السلبيات وأكثر هي حصيلة حكم الرئيس وهي قابلة للتضخم والزيادة لأن الهيكلية السياسية لهذا النظام تدعم وتدفع بمزيد من التدهور والانهيار وهي هيكلية لم تعد قادرة على الإصلاح، إنها تضعك أمام خيارين لا ثالث لهم وهو أما قبولها مثل ما هي أو تغيريها بشكل جذري، وقد أختار الشعب الخيار الثاني وهو إسقاط هذا النظام والتخلص منه بطرق حضارية وسلمية ودون رفع السلاح، إنها ثورة شعبية نقية لا يمكن التشكيك بها أبدا.
إلا أنه وفي خضم كل هذه المعطيات والنتائج الفاشلة التي يعرفها الرئيس قبل غيره، ورغم أن شرعيته سقطت بعد خروج كل هذه الملايين في كل المدن اليمنية تطالبه بالرحيل وأصبح عمليا رئيسا مخلوعا مغتصب للسلطة بقوة السلاح فقط، نجده يقوم برحلات مكوكية وبحالة هوس عجيبة يقوم بتحريض القبائل ضد بعضها ويدعوها علانية لخوض حرب أهلية ضد الشعب، ثم يجتمع بأفراد أسرته القابضة على المؤسسة العسكرية ليعلن الحرب على الشعب وبأنه مستعد لإراقة المزيد من الدماء لأجل أن يبقى في مكانه دون أن يتزحزح.
والرئيس لا يعلم بأن كل خطاباته ما هي إلا وقود لمزيد من الإصرار نحو المضي قدما في أهداف هذه الثورة وأن دعوات الحوار أصبحت مرحلة تم تجاوزها ولم يعد مطروح أمر مناقشتها لأنها فكرة جدلية لا تفضي إلى شيء سوى المزيد من هدر الوقت. وبات أيضا من الواضح تمسك الرئيس بالسلطة وبكل مفاصل الدولة بشكل يعكس مدى النهم الشديد الذي يعاني منه ولا يقف عند أي حد مما يعطي دلالة واضحة بأن هذا المنصب بالنسبة له هو غنيمة يستحقها ولا يجب التفريط بها حتى وأن أستدعى الأمر المزيد من التصادم ضد إرادة الشعب التي أصبح العالم كله يراه ويتابع أحداثه يوميا ، وهو العالم نفسه الذي أصبح يضحك كلما تحدث الرئيس عن الديمقراطية والتداول السلمي للسلطة وبأن اليمن ينعم بكل هذه الصفات المدنية والعصرية وانه لا حاجة إطلاقا إلى ثورات شعبية كالتي تمر بها المنطقة، وهي نفس خطابات معمر ألقذافي الذي مازال يصر وحتى الساعة بأن ليبيا بلد جماهيري تحكمها اللجان الشعبية ولا يوجد به استبداد أبدا حتى وهو يريق كل هذه الدماء مازال يكرر نفس كلامه، والرئيس اليمني وفي خضم كل الحروب وتحت هدير دماء الأطفال والنساء وهدم البيوت على رؤؤسهم يتحدث عن الصندوق الانتخابي والتداول السلمي للسلطة، بل يستعير بعض مفردات ألقذافي بالحديث عن حروب أهلية ودماء قد تسفك وما إلى ذلك من هذيان المصروع الذي يقول أنا أو الطوفان من بعدي.
لكن وقبل أن يتورط الرئيس أكثر وقبل أن يدفع البلاد إلى مزيد من التدهور عليه أن يرفع عينيه قليلا تجاه معمر ويرى كيف تعامل المجتمع الدولي معه، وأن يعرف بأن معمر بات رجل مجرم ومطارد وأنه لا مكان في العالم قد يقبله وأن مصيره ومصير ثورته ستنتهي في غضون أيام معدودة، بل سيلعنه تاريخ ليبيا في كل مكان وزمان، وهذا ما لا نريده أن يكرر لدينا هنا، ومازال في الأمر متسع بأن يكون قرار التنحي هو قرار إيجابي، عل هذا القرار يسجل في تاريخ على عبدالله صالح كمنجز وحيد ومهم وحيوي.
وفي الختام أدعوا الشرفاء في الجيش والأمن المركزي والحرس الجمهوري وكافة مفاصل المؤسسة العسكرية بأن يتذكروا بأنهم حماة الوطن والشعب وأن ينحازوا لأبنائهم ونسائهم ومستقبل أطفالهم الذي تلوح به هذه الثورة الشبابية ويعطوا نموذج لا يقل نصاعة عن الجيشين التونسي والمصري،وأنا مؤمن بوجود هؤلاء واليمن لا تخلوا منهم .
عاشت اليمن ...عاشت الثورة
في الثلاثاء 01 مارس - آذار 2011 07:57:35 م