|
نحو أربع سنوات منذ انطلاق شرارة الربيع العربي من تونس ضد أنظمة الاستبداد والأنظمة الشمولية سواء في تلك البلدان التي عصفت بها ماعُرف برياح الربيع العربي او أنظمة أخرى كالعراق والجزائر وسواهما ، واليمن ما يكاد ينهي فترة انتقالية حتى يلج أخرى منذ مطلع التسعينيات عندما أعلنت وحدة هشة بين شطري اليمن وأودت بيد صانعيها ، وأضاعت حلما يمنيا تغزلت به أجيال متعاقبة ، مع ان اليمن عمليا لم تشهد الاستقرار السياسي منذ مطلع القرن الماضي حيث مرت بمنعطفات حادة منذ ما يقارب من تسعة عقود.
أجيال من المعاناة والظلم والتخبط وضبابية الرؤية ، وتسلط حفنة من قوى النفوذ جعلت المواطن اليمني البسيط يشعر بالإحباط المقرون بخيبة امل متواصلة .
و في ظل الانسداد السياسي وحالة الإحباط الجماعي في الجماعي في اليمن جراء تراكم الأزمات والمشكلات التي تعصف بالبلاد ولاسيما في السنوات الأربع الماضية بعد اندلاع الثورة ضد اعتي حكم (ديماغوجي) عرفته اليمن ، أكثر من ثلاث سنوات مضت للثورة اليمنية التي كان يرى فيها الكثيرون طوق النجاة لليمن , جاء ميلاد ما سمي بالطريق الثالث..
وفي هذا السياق يُدار الآن سجال في مواقع التواصل الاجتماعي بين اليمنيين منذ أيام رؤية جديدة تستحق التأمل وقد تكبر كرة الثلج فقد برز مصطلح الطريق الثالث ويقصد به بأن تكل الطلائع المتنورة استحسنت فكرة ان تكون بمنأى عن الأحزاب الدينية وعلى رأسها (الإصلاح) و(الحوثيين) ناهيك عن رفضهم المسبق لعناصر النظام السابق الذي تحالف فيه العسكر مع القبيلة عجبي لساسة اليمن يتباكون على الدولة المدنية وهم يدمروها يوميا فالحوثيين ضد الدولة المركزية وشرعية الدولة ورغم ذلك يشاركون فيها ومشاركين في الحوار فلو تحولوا لتيار سياسي دون جناح عسكري ستكون بالطبع مصداقيتهم أكثر، وهو الأمر نفسه لبعض الساسة ممن منحوا حصانة ولا زالوا يعبثون بهذا الوطن ، لن تقوم لليمن قائمة إلا اذا تورات قوى النفوذ القبلية وحكم العسكر ، وكذا الأحزاب الدينية المذهبية ، ذلك ان الشعب اليمني لم يعد ذات ميول سياسية متجانسة ومذهبيا فرقتهم الملل والنحل ، ومن هنا جائت فكرة الطريق الثالث وحتى نعرف مفهم هذا المصطلح الذي برز فجأة وسط ركام الفوضى واليأس علينا نعرف على أي أسس ينطلق وما هو الطريق الأول والثاني ، وفي تفسيري الاولى المتواضع فاعتقد ان الأول هي تلك النخب التي تسلطت على اليمن منذ أكثر من نصف قرن مضى وهو تحالف المؤسسة العسكرية مع القبيلة وبعض من يدعي حمل مشاعل الإسلام ، بينما الطريق الثاني هي تلك الأحزاب التي تقوم على أيدلوجيات دينية او مذهبية وما أكثرها في المشهد السياسي اليمني اليوم على ان اكثرها نفوذا وانتشار هما الإصلاح وحركة الحوثيين التي تحاول فرض سيطرتها ورؤيتها بالقوة رغم انها تشارك عمليا في العملية السياسية وفي هذا تناقض صارخ فكيف تؤمن بالحوار الوطني وتشارك في حكومة الائتلاف وفي نفس الوقت تستخدم السلاح ضد الآخر . ومن هنا يبدو ان الطريق الثالث قد فرض نفسه كأمر واقع مستغلا حالة الإحباط والتيه بين عدة شرائح لا تنتمي لهؤلاء أو أولئك
وقد فسر البعض الطريق الثالث بأنه : (طريق للتحرر من كل تركة الماضي , ومحاولة لقلب الطاولة على كل القوى التي بات الكثير من شباب اليمن يرى فيها مجرد كابوس يقض مضاجع اليمنيين) ، ذكرني هذا بحركة طالبان في تسيعنيات القرن الماضي والتي هي أيضا قلبت الطاولة على الجميع وفرضت سيطرتها ولقت قبولا بين أوساط الشعب الأفغاني بعد نحو عقدين من الانقلاب على النظام الملكي انذاك في بداية السبعينيات .
بالفعل كان الحديث قبل سنوات عن العلمانية واستحسان البعض عدم استغلال الدين في السياسة يقابل للاخرين كالصاعقة بينما اليوم غدا الكثير من المتنورين يرون انه الحل الوحيد لليمن طالما وقد تفرقت ايدي سباء الى ملل ونحل ،
إنَّ العلماء المسلمين مثلهم مثل حكام المسلمين، ليس لهم أنْ يحكموا الناس بالهوى ويُشَرِّعون ما يشاؤون، فالإسلام دين يحكم العباد، فإذا حاد العباد عن دين الله فإنه يجب على بقية الأُمَّة أنْ تقف في وجوههم وتقيمهم على الجادة .
إنَّ المأمومين في الصلاة يتابعون الإمام ما استقام على المنهج الذي شرعه الله، فإنْ صلى على طريقةٍ مخالِفةٍ للمنهج الرباني فلا متابَعة له ولا اقتداء به، وهذا ماضٍ في كلِ أمرٍ مِن الأمور، وفي ذلك يقول رسول الله صلى الله عليه وسلَّم : لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق. ... إنَّ الذين يزعمون أنَّ الله فَوَّض إليهم سلطانه، وأنَّ ما يُصدِرونه مِن أحكام وقوانين يُمَثِّل إرادة الله ومشيئته ضالون، النظام السياسي الإسلامي في أرجح الآراء قائم على أساس الشورى الملزم، أي إن الإمام، أو الخليفة، أو رئيس الدولة الإسلامية ملزم باتباع آراء الأكثرية في مجلس الشورى، أو اهل الحل والعقد دفعا للخلاف ، ودرءا لمفسدة الاستبداد والطغيان.
إجمالا فأن قضية ماعُرف بالإسلام السياسي ، او أسلمة السياسة حديث قديم حديث وبرز على السطح بحده في مصر في الربع الأول من القرن الماضي ، عندما فاجأ الأزهري المصري عبدالرزاق بكتابه الإسلام وأصول الحكم والسيادي يؤكد فيه بأن الإسلام لا ينص على نظام سياسي معين ، و كانت رؤيته تلك بمثابة رمي حجر في المياه الراكدة ، واحدث جدل ورد فعل لعقود لاحقة .!
وبالنظر لحالة التخلف الشامل في كل مناحي الحياة التي عمت البلدان العربية حيناً من الدهر فقد غدا البعض يعتقد بأن مجرد التفكير بتطوير حالات الوعي الثقافي عموماً والسياسي على وجه الخصوص أقرب إلى الترف الفكري منها إلى الحاجة الضرورية الماسة ، سواءً للسلطات الحاكمة أو للمشاريع السياسية المضادة لها، والتي يمكن أن تكون حاملاً لمشروع التغيير والحداثة والتنمية واللحاق بالعالم المتقدّم، والإشكال هنا أي فكر نهضوي فقد تاهت الأمة خلال أكثر من نصف قرن بين رؤية قومية وأخرى إسلامية والتي انشطرت بدورها بعد نجاح الثورة الإيرانية إلى تيارين ومذهبين أساسيين يسودهما التنافس والتناحر بل والاقتتال في أكثر من بؤرة في عموم العالم الإسلامي !
أما بالنسبة للمشروع الديني بشقيه المذهبي فأعتقد أن لم يتطور أكثر اتجاه أصحاب الفكر الإسلامي والسلفي تحديداً وان لم يستوعب كل التيارات والأفكار والاختلافات سنرى نماذج تولد فاشلة، فقد شهد العالم العربي والإسلامي تجارب للتيارات الإسلامية فبعضها فشلت كطالبان والى حد ما في السودان وحماس ومصر ويعزى ذلك لأسباب ذاتية ورؤية قاصرة ولأسباب موضوعية داخلية والذي يفسح المجال لتأمر أو إيعاز خارجي كما حصل في مصر مؤخراً، بينما هناك تجارب نجحت إلى حد ما كتركيا وماليزيا وايران ولكل من هذه النماذج خصوصيتها وتفاصيلها لا مجال هنا لذكرها وبالمجمل فأنها أفضل من بعض أقرانها في البلدان العربية , طبعاً لا يمكن اختزال التجربة الإيرانية في مقالة واحدة ولكن يمكن القول بأن لها خصوصياتها فإيران تمثل قطب الشيعة في العالم وبهذا فان أكثر من عُشر سكان العالم الإسلامي من الشيعة يعتبرون بأنه يجب أن يكون هذا القطب صامداً ومنافساً للفكر السني، والسلفي تحديدا بمعنى أن إيران تعتبر هى الوحيدة الناطقة باسم الشيعة في العالم بينما يختلف الأمر لدى بقية العالم الإسلامي الذي تختلف الرؤى وتتعدد مرجعيته، كما أن تجربة تُركيا هى الأخرى إستثنائية وتستحق الدراسة والتأمل فلها خصوصية وهي لم تكن ستنجح لولا تنحية المؤسسة العسكرية بتشجيع أوروبي وفقاً لمعايير (كوبنهاغن) لشروط دخول الاتحاد الأوروبي، مميزة بالنظر لتراكم ارث ثقافي تكون منذ نحو قرن مضى، وهى اقرب إلى العلمانية (برؤية إسلامية) إذا جاز لنا التعبير، ورغم ذلك لازالت محل جدل وتجاذب داخل تركيا ذاتها!
في السبت 09 أغسطس-آب 2014 12:08:54 م