|
يتحدث القيادي في التنظيم الوحدوي الناصري، وتكتل أحزاب اللقاء المشترك، والناطق الرسمي باسم لجنة الحوار الوطني، محمد الصبري، في هذا اللقاء عن عدد من القضايا المطروحة حاليا على الساحة اليمنية، في هذا الظرف الاستثنائي الذي تمر به اليمن، حسب وصفه.
الزميل شفيع العبد، التقى به في القاهرة، حيث يتواجد هناك للعلاج من عارض صحي ألم به، ورغم أن موعده قبيل اللقاء كان مع الطبيب المشرف على حالته الصحية، إلا أنه اجتزأ جزءا من وقته لإجراء هذا اللقاء..
حاوره: شفيع العبد
**ابدأ معك من الانتخابات الرئاسية المبكرة المزمع إجراؤها في 21 فبراير القادم وفق الآلية التنفيذية للمبادرة الخليجية.. كيف تنظر لها كمؤشر لانتقال السلطة وتوقعاتك لتعاطي الناس معها؟
اعتبر أنه اختيار سياسي وفق لحظة زمنية محددة ولكن هذا الاختيار طبعاً بغض النظر عما يكتنفه من ملاحظات أو ما يقال لدى البعض من انتقادات تأخذ الطابع الشكلي للأشياء، لكن أنا اعتبر هذه الانتخابات هي خيار سياسي موفق جداً تتفق مع اللحظة الراهنة التي تعيشها اليمن، ومفتاح لابد أن ننظر إليه بأنه فتح باب لكي تنفتح كل الأبواب، لكن أيضا الاختيار السياسي مرهون بأمرين معينين غاية في الأهمية، الأمر الأول قوته في استمرار ميادين الثورة وهو لم يأت على حسابها أو على حساب إلغاءها أو إلغاء منطق الثورة أو العمل الثوري.
الأمر الثاني يحتاج من كل الأطراف "التأييد"، الخيار السياسي يحتاج التأييد لأن كل الأطراف اعتقد أنها ستكون مستفيدة من هذا الاختيار السياسي أو من طريق العملية السياسية وفق الآلية التنفيذية.
** هناك تناقض – دعنا نسميه هكذا- يعتري موقفكم في اللقاء المشترك من الثورة، فبينما تتحدثون عنها كثورة نجدكم توقعون على المبادرة الخليجية وتتعاملون معها وهي التي تتحدث عن أزمة.. فسر لنا هذا التناقض؟
المبادرة الخليجية بنصها السابق القديم الذي تم التوقيع عليه يمكن أن تعطي هذه الدلالة او هذا المعنى، لكن نحن انطلقنا في الأخير من قرار مجلس الأمن والآلية التنفيذية التي قدمت نفسها كوثيقة جديدة أشبه بالإعلان الدستوري المؤقت والعمل وفق هذه الآلية هو أمر اعتبره من المسارات الطبيعية للعمل الثوري، فالثورات على مدى التاريخ كانت تخلق مراحل انتقالية ويجري التعاطي مع ما تخلقه الثورات بشكل انتقائي، يعني في بعض القضايا ذات أولوية يتم التركيز عليها، مثلاً كل نصوص الآلية بأجزائها الأربعة سنجد أنها تتحدث عن مهام الرئيس المؤقت والحكومة المؤقتة، وهي مضبوطة وفق بلد تغير فيه النظام، والناس عليهم أن يفكروا بنظام جديد ودولة جديدة، ولا اعتقد أن هناك شكل من التناقض إلا إذا توقفنا عند النصوص الحرفية للمبادرة الخليجية رغم أن الآلية التنفيذية ألقت كثير من نصوص المبادرة وتجاوزتها، لم يبق شيء يمكن تستند عليه في المبادرة الخليجية سوى المبادئ والأسس التي تحدث عنها وهذا ما هو مذكور بنص الآلية.
** ألا ترى أن الانتخابات الرئاسية لن تأت بجديد وستعمل على إعادة إنتاج ذات النظام بشخوصه على الأقل؟
خلينا ننظر للمشكلة من زاوية أوسع، يقولون إذا كان لديك مشكلة وعملت لها حل فإنه مقابل الحل الذي تعمله للمشكلة السابقة تخلق مشكلة مرتبطة بالحلول، الحلول بطبيعتها تنتج مشكلة، يعني لو هدمت البيت الأول وقررت أن الحل هو بناء البيت الجديد، البيت الجديد يخلق لك مشاكل لكن ليس هي بالضرورة مشاكل البيت القديم، علينا أن ننظر من هذه الزاوية أن كل حل لمشكلة موجودة راهنة ترافقت مع الثورة أو لها صلة بالثورة ستخلق مشكلة مصاحبه بجانبها، لكن في شي آخر وهو مهم أن تلقي بنظام وتأت بنظام جديد هنا العملية غاية في التعقيد والصعوبة، ليست عملية زمنية بين يوم وليلة، زمن انجاز التحولات الثورية والسياسية الكبرى في تاريخ الشعوب والأمم ليست محسوبة بالأيام والسنين، يعني لن تحل المشكلة برحيل صالح يوم 21 فبراير ومجيء عبد ربه، هناك كثير من التعقيدات التي على الناس أن يتوقعوها وعليهم أن يبادروا للاستعداد لمواجهتها حتى لا تباغتهم على حين فجأة وبعد ذلك لا يعرفون ما القصة هل هي مشكلة النظام القديم وإلا مشكلتنا نحن في المرحلة الجديدة، اقصد أن احد المشكلات المتوقعة إن الطاقم الجديد للإدارة العامة للدولة، للإدارة العامة للحكم في هذه المرحلة الانتقالية، إذا لم يستطع أن يستوعب الأولويات والأجندات المتاحة أمامه سيخلق لنفسه مشكلة وسيخلق للبلد مشكلة.
** نعرج على القضية الجنوبية باعتبارها القضية الرئيسية في هذه المرحلة واليمن شمالاً وجنوباً لن يستقر دون حلها، كيف يمكن إيجاد حل للقضية بما يلبي آمال أبناء الجنوب؟
لدي مفهوم لماذا البعض يقول أن هذه القضية هي قضية القضايا و أم القضايا في اليمن لأن البعض يتحزب مثلاً أو يتمترس وراء القضية حتى دون أن يكون لديه المبرر المقنع للناس، من وجهة نظري هي أم القضايا لأنها مرتبطة بالدولة، مرتبطة بالوحدة الوطنية، مرتبطة بمستقبل اليمن جميعاً، ليست المسألة لها علاقة بمظالم فقط والمظالم من حق الناس أن ينتفضوا من اجلها، لكن حيث تتوفر المظالم ويتوفر لها الإطار الذي يمكن أن تحل فيه المظالم نصبح أمام قضية كبرى من القضايا الحيوية، حتى تاريخياً الدولة في اليمن بقاءها واستمرارها تفتيتاً وإلا تقسيماً وإلا تشطيراً مرتبطة بجغرافية الجنوب مش بجغرافية الشمال، كل التهديدات التي هددت بقاء الدولة اليمنية جاءت من الجنوب مرتبطة بالبحر، الشمال لم يأت منه شيء، من الشمال جاء الصراع من اجل النظام السياسي، من اجل السلطة أما من الجنوب جاءت تهديدات لها علاقة بالإطار العام الجامع لكل الناس، لذلك أي تقصير في قراءة هذا الواقع، واقع أن القضية الجنوبية قضية مرتبطة بالوطن بشكل كامل بوجوده من عدمه مرتبطة بالدولة، خليك من النظام السياسي اتركه جانباً فهو يتغير، الأصل هي الدولة، إن لم يكن لدينا هذا الفهم أو هذه الرؤية ستتعثر خطواتنا بعد ذلك بإنتاج الحلول بالمقترحات حتى بالخطاب والمخرجات التي نتحدث عنها.
أنا اعتقد أن القضية الجنوبية بمدلولها السياسي وأبعادها الاجتماعية والاقتصادية اليوم تخلق تحدي أمام اليمن الجديد، تحدي حقيقي، فأي سوء تقدير أو سوء في الحسابات سواءً للثوار في اليمن أو للحراك أو لعبد ربه أو لحكومة الوفاق أو للمشترك أو لأي طرف من الأطراف، أي قصور أو تقصير في الفهم فأن هذا التحدي سيخلق مشكلة كبيرة.
** تتحدث عن اليمن الجديد قبل حل القضية الجنوبية.. كيف سيكون شكل هذا اليمن الجديد؟
لا..لا يمكن أن نتحدث عن اليمن الجديد من دون أن ندخل من بوابة القضية الجنوبية، الباب الحقيقي للحديث عن اليمن الجديد هو القضية الجنوبية، لكن القضية الجنوبية وأنا أقولها باستمرار وعندي كثير من الأدلة أكون مخطئ أو مصيب، لكن أقول أن هذه قضية عادلة قضية من الأولويات الوطنية الكبرى لكن أحيانا يفاجئنا محامين فاشلين عن هذه القضية، نجد من يقفز إلى الصفوف الأولى يتصدر ويتحدث عن هذه القضية بطريقة المحامي الفاشل، ومن ثم القضية تبقى بوجه عام يعني بس هو تمثيل يختزل المشهد، لكن القضية ستبقى والمحامون الفاشلون سينتهون، هذه القضية تحتاج محامين على مستوى كبير من المهارة، الواضح أمامي الآن أن أفضل محامي عن هذه القضية هي ميادين الثورة وساحات التغيير.
** هناك أكثر من مشروع لحل القضية الجنوبية منها فك الارتباط وإعادة صياغة الوحدة بفيدرالية ثنائية تنتهي باستفتاء الشعب في الجنوب، و الآلية التنفيذية للمبادرة الخليجية تحدثت عن حل القضية الجنوبية حل عادل بما يضمن لليمن وحدته.. كيف تقرأ ذلك؟
دعني أتساءل لكي نستفيد من الأرضية التي وقفنا عليها من البداية في رؤيتنا للقضية الجنوبية، من يستطيع أن يتخذ القرار في الجنوب ومن يستطيع أن يتحدث باسم الجنوب أو باسم الشمال في هذا التوقيت بالذات..
** قاطعته.. الشعب في الجنوب هو صاحب الحق في ذلك؟
بالضبط وحتى في الشمال، الثورة اليوم خلقت وضع استثنائي جديد، وهذه الاستثنائية البعض أحيانا "يكش" منها، أنها لا يمكن أن تبرر للتصرفات السيئة، أنا لا اقصد هذا الجانب لكن الاستثنائية هنا تقول سقطت كل الواجهات والديكورات التي كان يمكن لها أن تدعي أو تزعم أنها تمثل الناس وتتحدث باسمهم بما في ذلك حتى المؤسسات الرسمية كمجلس النواب والانتخابات وغيرها من هذه الأشكال، ولذلك لا تملك الإطار الشرعي أو الإطار المعقول الذي يستطيع أن يتحدث باسم هذا الطرف أو ذاك أو هذه القضية أو تلك، فنحن سيكون لدينا إشكالية فيما يتعلق بطرح الحلول.
** لماذا لا نتبنى استفتاء الشعب في الجنوب لتقرير مصيره من منطلق الاحتكام للشعب والالتزام بما يقرره من خيارات؟
هذا المفترض في المراحل الانتقالية إذا تعقدت الأوضاع التي تمر بها البلد، وأنا لا أتوقع أنها ستتعقد كما هو ظاهر من المؤشرات، لان كل القائم الآن هي علامات على احتضار عهد قديم وبداية بزوغ فجر جديد، أنا اعتقد انه على الناس أن يترووا فيما يتعلق باقتراح الحلول، لسبب بسيط هذا التروي لأنه لا احد مخولاً أن يتحدث عن أي جهة باسم صنعاء أو تعز أو الجنوب، هذا الحديث اليوم محموم بتبعات كثيرة حتى على الأشخاص أنفسهم ولذلك لا يكلف الله نفساً إلا وسعها وعليهم أن لا يحمّلوا أنفسهم، الأمر الثاني القضايا الكبرى تحتاج إلى حوار جاد من كافة الأطراف المرتبطين بها، من دون هذا الحوار لا تستطيع أن تنسب لهذا الطرف أو ذاك انه قد ابتكر الحل المناسب لأنه بالأخير يظل طرف، لكن أنا لست مع مصادرة حق الناس في أن يطرحوا الأفكار، ولست مع إطلاق الاتهامات لكل من يطرح فكرة، لكن على كل من يطرح فكرة أن يتواضع ويقول هذا ما أراه ومبرراتي كذا وكذا ومن يرى آخر فالمجال متاح.
** ألا ترى أن بعض القوى الثورية داخل ساحات الثورة مازال موقفها متأخر من القضية الجنوبية؟
ربما ارجع هذا السبب إلى انه لم يتح الوقت ولا المساحة اللازمة لكي يبلوروا الناس وعي كامل بالقضايا الوطنية، الثوار في الميادين لا هم فلاسفة ولا مفكرين هم خرجوا لينجزوا مهام يومية، لا تزال المهام اليومية قائمة لم تنته، اعتقد انه يمكن أن يكون مبرر القصور في هذا الجانب، لكن على العكس في التفاصيل اليومية، طالما اليمنيون كلهم منخرطون في العملية الثورية هذه فهم سيبلورون وعيا لا محالة تجاه هذه القضية.
** تكتل اللقاء المشترك جاء كتكتل مرحلي هكذا نُظر إليه، اليوم يعيش حالة من الصراع غير المعلن يمكن معرفة ذلك من خلال علاقة قواعده داخل الساحات..كيف تنظر لمستقبل اللقاء المشترك؟
هناك ظاهرة طبيعية فيما يتعلق بالتحالفات السياسية، وهي أن هذه التحالفات مبنية على أساس الاعتراف بالتباين والتعدد وإلا ليست تحالفات، لكن في فترة زمنية -الآن ربما- البعض يريد أن يرفع سقف التباين إلى سقف صراع وأنا اعتقد انه على الصعيد القيادي والمؤسسي هناك قناعة أن هذا التحالف بحاجة إلى أن يستمر حتى تترسخ مجموعة القواعد التي يقبل بها اليمنيون بعد ذلك فيما يتعلق بالتنافس، مشكلة التحالفات هي أنها يمكن أن تجيّر القوة الجماهيرية والشعبية لصالح طرف ضد الآخر، إذا تم دراسة هذه التحالفات بناء على انه لا نستطيع أن ندخل التنافس دون أن نرسي أولا قواعد المنافسة فإننا سنظل الطريق، لذلك هناك قناعة كاملة لدى قيادة المشترك ومؤسساته القيادية أن هذا التحالف بحاجة إلى أن يبقى لكي يرسي قواعد التنافس وبعد ذلك يمكن أن تتغير التحالفات والاستحقاقات.
** توظيف الدين لخدمة أهداف سياسية معينة، بات ظاهرة فهناك ناشطين يتعرضون لحملة تكفير ممنهجة بسبب آراءهم ومواقفهم ، توجه لكم اتهامات في المشترك أنكم تخليتم عن التضامن معهم لمصلحة الخوف على المشترك؟
لا اعتقد ذلك، بالنسبة لموضوع الدين هناك من يبالغ بطرح هذا الموضوع، التدين وليس الدين فلدينا تدين منقوص وتدين ثلث وتدين كامل، لكن مشكلة التدين هذه اعتقد أنها ستحل في إطار فتح الأبواب والمنافذ أمام احترام الحوار وحق الرأي والتعبير، لكن عبادة الأطر والمؤسسات مشكلة بحاجة لان تبحث بعمق، البعض لأنه يعبد المؤسسة ليس بناء على قناعة بالمؤسسة بناء على عبادة مصلحته الشخصية، يعبد المصلحة الشخصية ومن ثم يعبد المؤسسة أو الإطار الذي هو فيه.
أي تعصب عليك أن تقرأه من الزاويتين أي فكرة سواء موضوع الدين أو المشترك أو القضية الجنوبية، إما وعي قليل بالقضية نفسها يجعلك متعصب بطريقة مش معقولة أو مصلحة مرتبطة بها، الأمر الأول سهل حله لان المعرفة تحل الموضوع، لكن نزاع المصالح هو الأخطر.
** كلمة أخيرة..ماذا تقول لمختلف أطراف الصراع في اليمن؟
أقول لهم أن البلد في مرحلة جديدة تحتاج من كل الأطراف أن يكونوا على وعي كامل بما الذي يريده اليمنيون جميعاً بمعنى إن البلد يتم إعادة صياغته من جديد، ما هو اليمن الذي نريده جميعاً؟ لا يستطيع أي طرف من الأطراف أن يقرر للآخرين اليمن الذي يجب أن يكون، نحن في مركب واحد لن نقرر مساره إلا معاً.
في الثلاثاء 21 فبراير-شباط 2012 05:03:35 م