من يتابع مداخلات مؤتمر الحوار الوطني وما ينشر في وسائل الإعلام حول مجريات المؤتمر سيجد نفسه أمام سيل كبير وجارف من الانطباعات المتناقضة منها ما يتجه نحو التشاؤم والسوداوية حتى قبل أن يدخل المشاركون في المؤتمر في نقاش القضايا الهامة كونهم ما يزالون في المرحلة الأولى في الحديث العام المجمل ومنها ما يرفع سقف التفاؤل بنجاح المؤتمر وهذا أمر طبيعي لأن الكثير من وسائل الإعلام تبحث عن الإثارة وارتفاع نسبة التوزيع للصحف ونسبة المشاهدة للقنوات الفضائية ونسبة التصفح للمواقع الإخبارية مع التأكيد أن هناك مخاوف وأن هناك من يسعى حثيثاً الى إفشال المؤتمر وهذا أمر بديهي لا أحد ينكره.
وإذا كانت اليمن قبل انعقاد مؤتمر الحوار الوطني ظلت تتأرجح بين الهدوء الحذر والتصعيد باتجاه تفجير الأوضاع ومن سينسى ما مرت به البلاد والعباد منذ اندلاع الثورة الشبابية الشعبية وانقسام الجيش والأمن وما رافق العام الأول للثورة من قتل وتصعيد كادت معه اليمن تنفجر على نفسها وتتطاير أشلاء، وما إن تم التوقيع على المبادرة الخليجية ثم آليتها التنفيذية والبدء في حلحلة الأمور إلى آخر الخطوات حتى جاءت قرارات هيكلة الجيش لتفتح الباب أمام أسوأ الاحتمالات فتوقفت تلك القرارات في منتصف الطريق وهكذا مع كل خطوة مفصلية في تنفيذ المبادرة الخليجية باتجاه الخروج من عنق الزجاجة التي وضعت فيها اليمن ترتفع حمى التوقعات والتكهنات وتزيد مساحة السواد والتشاؤم.
وبانعقاد مؤتمر الحوار كان المفروض أن يتنفس الناس الصعداء باعتباره بوابة العبور الآمنة نحو المستقبل وكونه سيناقش شكل الدولة ونظام الحكم وسيدخل في القضايا الجوهرية " الفيدرالية والدولة المدنية" وهنا أيضاً من الطبيعي أن ترتفع حمى الخلافات بين مكونات المجتمع اليمني لأن التسوية السياسية بدأت تسير باتجاه قضايا الحسم التي حولها خلافات جوهرية بين "الأطراف المعنية" في البلاد وفي مقدمتها شكل الدولة ونظام الحكم ولهذا فكل طرف سيمارس كل ما يستطيع عليه من ضغوط بهدف عدم الوصول إلى سقف مرتفع حول مطالبه للتأثير على مخرجات المؤتمر سواء في ما يتعلق بشكل الدولة والنظام السياسي أو في ما يتعلق بحلول القضية الجنوبية باعتبارها حجر الزاوية في النجاح والفشل
وسنقرأ ونشاهد الكثير حول تبدل المواقف وتصاعد حدتها بين أطراف الحوار حول القضايا الرئيسية" شكل الدولة والنظام السياسي"وخاصة حول الدولة المدنية والفيدرالية والأقاليم وعددها إقليمين أو ستة أقاليم وهل يكون هناك تداخل بين الجنوب والشمال سابقاً أو الفصل بينهما حتى في تقسيم الأقاليم "ثلاثة شمالية وثلاثة جنوبية " كما جاء في مشروع "باصرة" وهناك محاولات كثيرة متسارعة لوضع العراقيل أمام مؤتمر الحوار الوطني قبل أن يدخل في نقاش القضايا الجوهرية تهدف إلى التخفيف من مخرجاته وأخرى يمكن نسميها رفع السقف بالمطالب بهدف الإبقاء على أمل الوصول إلى مخرجات تلبي مزاج ومطالب العديد من المكونات وخاصة الحراك الجنوبي في ما يتعلق بالقضية الجنوبية أو أماني وطموحات " الحوثيين"في ما يتعلق بصعدة.
ومهما اشتدت الضغوط وتبدلت المواقف وتغيرت التحالفات فلا نستغرب أن ترتفع حمى التجاذبات والأفعال وردود الأفعال فكلها سيكون لها صداها وكلها تهدف إلى تحقيق مصالح مكونات محددة أحزاب أو أفراد وبدا هذا واضحاً منذ عشية انعقاد مؤتمر الحوار من خلال " الانسحابات والمقاطعة " وإن تم تخفيفها بعبارات غير حادة أو التعبير عنها بعبارات تختلف عن مضمونها مثل " التعليق ومن أجل الشباب أو انتظاراً لما سيسفر عن النقاشات" فإن جاءت ملبية لما يراه المنسحبون أو المقاطعون أو المنتظرون أيدوا والتحقوا بطاولات الحوار وإن جاءت العكس واصلوا مقاطعتهم وصعدوا ضد مؤتمر الحوار لكنهم جميعاً برغم اختلاف مشاربهم الفكرية والسياسية وأهدافهم لن يجرؤ أحد منهم على التصعيد إلى درجة إفشال الحوار فذلك سيكون له تبعاته واستحقاقاته التي لن يستطيع دفعها من يلجأ إلى ذلك وأولها سيف العقوبات الدولية.
ومن هنا نستطيع التأكيد من واقع العديد من المؤشرات أنه مهما تكاثر عدد المنسحبين من مؤتمر الحوار الوطني في أي مرحلة من مراحل الحوار فجميعهم لن يستطيعوا إفشاله وأصبح في حكم المؤكد أن فشل المؤتمر ممنوع شعبياً على المستوى المحلي وإقليمياً ودولياً،ومن لم يدرك بعد أن فشل التسوية السياسية ومؤتمر الحوار أحد أهم بنودها ممنوع ثلاثاً وعشرة ومائة لم يستوعب بعد" فن الممكن والمتاح"سمعنا عباراتها منذ التوقيع على المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية كثيراً وحتى كلمة الرعاية أو الرعاة هي تخفيف لكلمة الضغوط والعقوبات فمن لم يستوعب بعد ذلك قد يصيب نفسه بخدوش وجروح لن يتعافى منها بسهولة وما ينطبق على الأفراد ينطبق على المكونات صغر حجمها أو كبر ولهذا قرأنا أكثر العبارات لطفاً وهروباً في بيانات وتصريحات المنسحبين.
وأخيراً:هناك توقعات بمزيد من المحاولات الهادفة تسخين أجواء الحوار ورفع درجات التوتر للوصول إلى إحداث شقاق في جلسات المؤتمر وبدا ذلك واضحا حتى قبيل انعقاد المؤتمر وفي الجلسة الافتتاحية لأن هناك أطرافاً يمكن القول أنها لا ترغب في الحوار أو دخلت الحوار مكرهة كونها لا تقبل به وسيلة حل وهذه القوى تهدف لجعل مخرجات الحوار تخدم مصالحها وستفشل في مساعيها وإن كابرت لن تنجو من العقوبات الدولية وستصنع بيدها ثورة أقوى من سابقتها ستقتلعها من جذورها. اللهم إني بلغت اللهم فاشهد.