القتل الأمريكي للأبرياء في اليمن . . . إلى متى؟؟
بقلم/ د. عيدروس نصر ناصر
نشر منذ: 12 سنة و شهرين و 6 أيام
الأحد 09 سبتمبر-أيلول 2012 05:17 م

تتواصل عمليات القصف العشوائي للقرى اليمنية من قبل الطائرات بدون طيار، التي صار من المعروف إنها أمريكية رغم المفترض أنه لم يعد في اليمن من يجرؤ على الإيعاز للأمريكان بأن "اقصفوا وسنقول أننا من قام بهذا العمل" وتتواصل عمليات القصف للأبرياء بذريعة ملاحقة العناصر الإرهابية، وهو ما يسفر عن ذهاب عشرات الضحايا الأبرياء ممن لا علاقة لهم بالعملية ولا بالهدف المطلوب، والنتيجة مآسي متلاحقة من الأيتام والأرامل والثكالى، . . .ومرارات لا تمحوها ولا تعوض عنها كل دولارات الدنيا.

لو جرى ما تقوم به الطائرات الأمريكية في بلادنا، في دولة أخرى لقامت الدنيا ولن تقعد، أما لو جرى في أمريكا نفسها فسيذهب الرئيس الأمريكي وحكومته إلى محكمة حقوق الإنسان، لكنهم يفعلون ما يفعلون في اليمن بطمأنينة عالية لأنهم واثقون بأن لا أحد يسائلهم عما يفعلون، فلا نظام الحكم اليمني مؤهل لحماية سيادته الوطنية، ولا جيشه وأمنه قادران على القيام بوظيفة مكافحة الإرهاب، الذريعة التي بسببها يقتل الأبرياء في أرياف اليمن.

قتل المدنيين الأبرياء يأتي نتيجة لشراكة غير نزيهة وغير مثمرة وغير بناءة بين السلطات اليمنية والولايات المتحدة الأمريكية، لكن هذه الشراكة لم تثمر إلا كوارث مدمرة لعشرات الأسر من اليمنيين، ولم يخسر فيها الأمريكيون إلا شيئين الأول متوفر عندهم بكثرة، وهو القنابل والمتفجرات الذكية ـ الغبية، التي لديهم منها ما يكفي لتدمير الكرة الأرضية ست عشرة مرة، والثاني هو السمعة التي لا قيمة لها عندهم طالما بقيت مصالحهم غير معرضة للخطر.

في نهاية العام 2009 جرت أشهر جريمة في تاريخ القصف العشوائي في اليمن عبر الطائرات بدون طيار عندما تم قتل ما يقارب الخمسين نسمة من أبناء منطقة المعجلة في مديرية المحفد بمحافظة أبين في ضربة لطائرة بدون طيار (أمريكية بطبيعة الحال) يومها أعلنت السلطات اليمنية أن القتلى كانوا مجموعة من الإرهابيين، لكن عندما تكشفت الحقائق تبين أن القتلى هم عدد من العجزة والنساء والأطفال، الرعاة وإن ليس بينهم مطلوبا واحدا، وعولجت المسألة باعتذار من رشاد العليمي أمام مجلس النواب، وكفى أمريكا وأصدقائها شر القتال، . . . تكررت المسألة بعد أيام فقط في منطقة رفض بمحافظة شبوة، ثم عدة مرات في شبوة ومأرب وحضرموت، والبيضاء وأبين ، وفي كثير من المرات لم يصدر اعتذار من أحد عن الأرواح التي أزهقت والدماء التي سالت لأن رشاد العليمي وجد أن النتيجة ستظل نفسها باعتذار أو بدونه، فما الداعي لإرهاق نفسه بانتقاء المفردات وتصنع الحسرة وتمثيل دور النادم والحزين طالما مرت العملية بدون تبعات؟

آخر منجزات الطائرة بدون طيار هو ما شهدته محافظة البيضاء من إعدام لأكثر من عشرة مواطنين يمنيين أبرياء حينما كان المستهدف أحد المطلوبين، الذي نجى ولم يصب بخدش، بينما قتل الأطفال والنساء والرجال،في حين عادت الطائرة إلى قاعدتها بسلام، لتترك مأساة إضافية فوق مآسي اليمنيين التي لديهم منها من الفائض ما يكفي عدة شعوب.

المضحك المبكي بعد ذهاب رشاد العليمي، أن يأتي من يقول أن الحادثة التي شهدتها منطقة رداع، سيتم معالجتها بالعرف القبلي، يعني ثورين أو ثلاثة أثوار، أو حتى عشرة أو عشرين مليون ريال وكفى، أقول المضحك لأن الدولة التي هي ممثلة الشعب والحامي لأرواح أبنائه وكرامتهم وحقوقهم ودمائهم تتخلى عن كل وظائفها لتعود إلى عرف القبيلة، والمبكي لأن دماء وارواح الناس صارت تقدر بالريالات، التي قد تتحول إلى دولارات،وصار من حق أمريكا أن تقتل من تشاء وتدفع بعض الدولارات، ويصبح لحم الأغنام والأبقار أقدس من لحم اليمنيين،والاسم التعاون في مكافحة الإرهاب لكنه مكافحة للمواطنين الأبرياء، أما الإرهابيون فما يزالون يحظون بمحبة وتقدير الكثير من المسئولين اليمنيين والأمريكيين لما يسدونه لهم من خدمات لا تقدر بثمن.

قتل المدنيين الأبرياء يجب أن يتوقف، وقبل هذا يجب وقف تدخل الطائرات بدون طيار، وترك اليمنيين ليواجهوا الإرهاب بطريقتهم، وإذا كان لا بد من التعاون مع الأمريكان فليكن من خلال التعاون الفني والتقني واللوجوستي وليس من خلال قتل المواطنين اليمنيين الذين لا ناقة لهم ولا جمل بما تبحث عنه أمريكا في اليمن.

لا بد من وقفة جادة من الرئيس والحكومة، والأجهزة المعنية والمنظمات الحقوقية، للوقف النهائي لهذه الجرائم، ومنع أمريكا من الاستهتار بأرواح ودماء اليمنيين، . . .دعك من السيادة اليمنية التي فرط بها القائمون على أمور البلد منذ عقود، . . . . وبمعنى آخر يجب أن يعرف الأمريكان أنهم يرتكبون جرائم ضد الإنسانية في ما يعملونه باليمن واليمنيين، وإذا لم يوافقوا على ذلك فليبحثوا عن شريك آخر خارج اليمن وليدعوا اليمنيين يعالجوا مشاكلهم لأنفسهم، وبالتأكيد لن تكون الخسائر أكثر فداحة مما فعلته بنا أمريكا.

لن يجبرنا الأمريكان على القبول بقتل أبنائنا ونسائنا وأطفالنا لأنهم يريدون مكافحة الإرهاب الذي صنعوه بأيديهم، وإذا ما أصروا على ذلك فمن حق اليمن فض الشراكة البائسة ولتذهب المائة وخمسين مليون دولار التي يقدمها الأمريكيون سنويا لليمن إلى الجحيم، وليتكل اليمنيون على الله وعلى أنفسهم إذا كان الدعم الأمريكي لا يأتي إلا بقتل النساء والأطفال والعجزة الأبرياء من مواطنينا، لأن ألتفريط بأرواح ودماء أبنائنا مقابل 150 مليون دولار هو جريمة وخيانة على الجميع التصدي لها، ، ، ، ، ،

والله من وراء القصد.

برقيات:

تكريم الشاعر والناقد والمفكر اليمني الكبير الفقيد عبد الله البردوني والإعلان عن تحويل منزله إلى متحف، وطباعة أعماله الجديدة، يمثل أقل ما يستحقه هذا العملاق الكبير ممن عبر عن أحلامهم وتطلعاتهم طوال كل حياته، بعد كل التجاهل والتضييق الذي عانى منه في سنوات عمره الأخيرة.

* من أقوال الشاعر الفقيد الشاعر عبد الله البردوني في ذكراه الثالثة عشرة:

يمانـــــــيـون فـي المنـفـى ومنــفيـون فـي اليـمـنِ

جــنوبــيون في صنــعـاء شــــمالـيـون فـي عـدنِ

وكالأعـمـام والأخــــوال فـي الإصـرار والـوهـنِ

ترقـى الــــعـار مـــــن بــــيـعٍ إلـى بيـعٍ بــلا ثمنِ

ومـن مســـــــتعـمـرٍ غــازٍ إلـى مستعمـرٍ وطـنـي

لــــــــمـاذا نحـن يـا مربـي ويـا منفـى بـلا سكـنِ

بـلا حــــلـمٍ بـلا ذكــرى بلا ســلـوى بـلا حـزنِ؟

يمانــــيـون يــا أروى ويا ســــــيف بن ذي يزنِ

ولـكــــّنـا برغمــــكـــمـا بـلا يُـــمـنٍ بــــلا يـمـنِ