التمرد الدبلوماسي في اليمن
بقلم/ صلاح إسماعيل النهمي
نشر منذ: 12 سنة و 5 أشهر و 4 أيام
الإثنين 11 يونيو-حزيران 2012 05:55 م

لا يواجه الرئيس هادي تمرداً عسكرياً -فقط-, بل أيضاً تمرد دبلوماسي واضح المعالم يقوده ممثل الدبلوماسي الأول للبلاد, وزير الخارجية أبو بكر القربي مع تشكيله من السفراء في بعض الدول والمنظمات الدولية. فـ الرجل الذي يفترض أنه يتلقى أوامره و تعليماته من رئيس البلاد و الحكومة التي يقال أنه عضو فيها, يستمر بنفس الدور السابق له أيام صالح, كموظف لديه و ليس لليمن. لكن الأخطر أن القربي ما قبل تشكيل حكومة الوفاق و انتخاب هادي رئيساً للجمهورية, كان معروف للدبلوماسية الدولية إنه يمثل علي صالح. أما اليوم فهو يعمل تحت مظلة رئيس و حكومة جديدة, و بنفس الدور و الولاء السابق. مما يعطيه مصداقية أكثر في مساعيه الحثيثة لـ ؤاد أي جهد دولي يراد منه إنهاء العراقيل و الصعوبات التي تواجهها العملية الانتقالية في اليمن.

ظلت الدبلوماسية الخارجية لأطراف الثورة على المستوى السياسي ضعيفة أو معدومة على مدى عام و نصف- إي إلى الأن- إلا من مبادرات حقوقية و فردية أو عبر مجموعات ضغط من المجتمع المدني التي تحاول أن توصل للعالم عدالة وشرعية مطالب المحتجين السلميين. و كان المبعوث الدولي جمال بن عمر هو من أخذ على عاتقه تلك المسؤولية بأن يستقي منه العالم عبر تقاريره عن حقيقية الوضع في اليمن. الأمر الذي لم يكن ليكفي مطلقاً باعتبار المبعوث الدولي شخصية محايدة يقف افتراضا على نفس المسافة بين أطراف الصراع في اليمن. في المقابل كانت الدبلوماسية العائلية تقوم بدور المشوه لعدالة الاحتجاجات السلمية و المعيق لأي قرار دولي يساهم في وضع حد لانتهاكات حقوق الإنسان في قمع الاحتجاجات السلمية المشروعة بالعنف المفرط و الاعتقالات, وذلك عبر قرار إدانة صريح و تشكيل لجنة تحقيق دولية فيها. فالدبلوماسية العائلية بقيادة وزير الخارجية طالما صورت الوضع في اليمن بأنهُ يسير في الاتجاه الصحيح بتعاون من صالح و بقايا نظامه ولا يستدعي أي قرارات عقابية من مجلس الأمن أو حتى بيانات إدانة للجرائم والخروقات عبر مجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان, فعندما دعي المجلس الأممي في جنيف إلى تشكيل لجنة تحقيق دولية محايدة في جرائم حقوق الإنسان في اليمن, اعترضت الدبلوماسية اليمنية, و قالت أنه سيتم تشكيل لجنة تحقيق محلية, الأمر الذي لم يحدث إلى الآن.

يقفز وزير خارجية العائلة ليلوح بيده اعتراضا -على شكل الحرف اللاتيني اكس-, كلما اعتزم مجلس الأمن ممثلاً بأحادي أو عدة دول وضع مسودة مشروع قرار دولي قوي و صريح من أجل وضع حد للعراقيل و الخروقات التي تفتعلها العائلة المتمردة أمام سير العملية الديمقراطية و السياسية في اليمن كالتمرد على قرارت رئيس الجمهورية فيما يخص التغيرات العسكرية والمدنية في المناصب العليا, أو عرقلة أداء الحكومة عبر افتعال الاضطرابات والأزمات والاختلالات الأمنية هنا و هناك بينما يملكون من أرصدة مالية ضخمة و عبر الولاءلات الكافية لعرقلة أي تزحزح للبلاد إلى الأمام لعدة سنوات, بل الكافية لإدخال اليمن في أزمات و كوارث أمنية و سياسية و إنسانية فتاكة. 

أخر العراقيل أمام محاولة وضع حد للخروقات و المعيقات في سلامة سير العملية الانتقالية و الاستقرار السياسي و الأمني في اليمن, هي التي وضعتها الدبلوماسية العائلية بقيادة أبو بكر القربي, و تشكيلة من السفراء الذين مازالوا موالين لصالح في عدة دول و منظمات دولية. فـ مشروع قرار مجلس الأمن الأخير فيما يخص الوضع اليمني و المقدم من مملكة بريطانيا العظمى, و الذي كان ينوي أساساً أن يذكر بالاسم المتمردين على قرارات رئيس الجمهورية منصور هادي, حيث كان قد حددهم تقرير المبعوث الأممي جمال بين عمر الموضوع أمام مجلس الأمن نهاية الشهر المنصرم. كخطوة لإقرار عقوبات دولية بحقهم بـ موجب المادة 41 من ميثاق الأمم المتحدة و تحت البند السابع.

لا ننسى أن رجل الدبلوماسية اليمنية "افتراضا" و العائلة "واقعاً" محسوب على حكومة الوفاق الوطني و رئيس الجمهورية. و كانت تهدف القرارات الأممية لوضع حد للمصاعب التي يواجهونها بسبب التمرد العائلي. و عندما يصور الوزير للدبلوماسيين الدوليين أن الوضع على ما يرام و أن ما يحدث في الداخل ليس تمرد و لا يستحق العقوبات, و دون وجود طرف اخر يناقضه-غير بن عمر-, سيكون له بعض المصداقية عندهم على أساس أنه يمثل حكومة و رئيس من مصلحتها أن تنتهي مثل هكذا تمردات على قرارات رئيس الجمهورية في التغيرات العسكرية والمدنية فهم يحسبون ان وزير الخارجية يتلقى تعليماته وأوراقه من رئيس الجمهورية و الحكومة و ليس من صالح و أفراد العائلة.

في المقابل لا يوجد جهد دبلوماسي من الطرف الأخر لدعم مثل هكذا قرارات تستهدف أفراد العائلة المتمردين, فـ وزارة الخارجية محتكرة لهم . كما أن أطراف الثورة السياسية شبة عاجزة عن التحرك مع دبلوماسيي هذه الدول بحيث تقتصر المهمة على تقارير جمال بن عمر, الأمر الذي يضعف جهود المبعوث الدولي كثيراً, حتى انه يتم التشكك فيه بأنه غير محايد. حين يعرض تقريره المحايد و الواقعي, لكن مع وجود معارضه لتقريره من طرف واحد, عبر شخص القربي, الذي يمثل مجازاً رئيس الجمهورية وواقعاً أجير لصالح وحاشيته التي هو أحد أفرادها.

هنا أستغرب من رئيس الجمهورية هادي و رئيس الوزراء باسندوه أنهم لم يشددوا على دول مجلس الأمن بضرورة فرض عقوبات على المتمردين على الحكومة من أفرادا العائلة و المواليين لهم, و الذي ظهر في عدم تبني المجلس مثل هكذا قرار صراحةً. فأفراد العائلة يعيقون بالدرجة الأولى جهودهم في إدارة البلاد و تطبيق بنود المبادرة الخليجية المزمنة. و مجلس الأمن لن يكون هادياً أكثر من الرئيس هادي, و عدم مطالبته -أي الرئيس- بمثل هكذا عقوبات دولية صارمة بحق المتمردين على قراراته الرئاسية, يعني بالضرورة أنها ليست واردة في حساباته -على الاقل حالياً- كـ حل للصعوبات التي يواجهها, و تواجهها البلاد برمتها. و السؤال هو إذا كان هادي قد ركن إلى الدبلوماسية اليمنية برئاسة القربي, في أنها سوف تقوم بالمهمة, و التي بدورها لم تكتفي بالصمت بل قامت بتشكيل جبهة مضادة على مشروع القرار المبدئي.

أخيراً, استغرب من الرئيس عبدربه منصور هادي تغاضيه عن تصرفات وزير الخارجية ابو بكر القربي, الذي يفترض أنه يمثل وجهات نظره و مطالبه للعالم, لكن في الواقع أنه يعمل مع علي صالح. فـ إلى متى سيستمر مثل هذا العبث, و كيف لا يقوم رئيس الجمهورية بتغير مثل هكذا شخص بأهم وزارة في البلاد, كنافذة اليمن للعالم. و يكفي فشل الوزير في مؤتمر أصدقاء اليمن في حشد الدعم اللازم للبلاد.