الحصانة لا تعني البراءة
بقلم/ د. عيدروس نصر ناصر
نشر منذ: 12 سنة و 9 أشهر و 15 يوماً
الأحد 29 يناير-كانون الثاني 2012 08:04 م

aidn55@gmail.com

في كثير من لقاءاتي الصحفية والمتلفزة قلت أن بند الضمانات هو أسوأ ما في المبادرة الخليجية لأنه جعل القاتل ينجو من العقاب واللص يخرج متسللا من المساءلة والجاني يعفى من المحاسبة على كل الذي فعلوه طوال ثلث قرن، لكن ما لا يدركه البعض هو أن بند الضمانات ليس إلا جزئية من واقعة الوصاية الدولية التي لا يرغب كثيرون في الاعتراف بها كحال واقع لم يعد بالإمكان نكرانه حتى وإن لم تسجل بهذا الاسم في المواثيق الموقعة بين الأطراف المحلية والإقليمية والدولية بشأن اليمن، وليس أدل على ذلك من أن الكثير من محتويات المبادرة الخليجية وآليتها التنفذية (التي يحرص أنصار الحزب الذي كان حاكما على تسميتها بالمزمنة) هي فوق الدستور اليمني ومتجاوزة له وقد صادق عليها مجلس النواب المنتهي ولايته رغما عنه وليس وفقا لمبدأ حق الموافقة والاعتراض الذي هو الركن الأساسي في الممارسة البرلمانية التقليدية والمعاصرة.

كان بند الضمانات استفزازا سافرا لمشاعر الملايين من اليمنيين الذين خرجوا يهتفون «لا حصانة للقتلة» أو «لا حصانة لا ضمانة ـ يتحاكم صالح واعوانه» لكن ككل وصاية دولية على أي بلد لم يعد الدستور ولا القانون (وهما اللذان ظلا محل انتهاك سافر من قبل رأس النظام اليمني وأنصاره) لم يعودا محل اعتبار مقارنة مع الإملاءات الإقليمية والدولية على اليمن واليمنيين، بفضل «السياسة الحكيمة» لـ«الزعيم الرمز».

تباهى الكثيرون من أنصار الرئيس المخلوع وهم يرونه يخرج متسللا من اليمن حاملا معه صك الحصانة، وكأنه يقول لكل اليمنيين: «لقد فعلت ما شئت طوال ثلث قرن وأتحدى من يستطيع أن يسائلني بعد أن انتزعت صك الضمانات رغما عن كل الذين يعترضون» وقد قرأت الكثير من التعبيرات سواء تعليقات بعض أنصار الرئيس المخلوع على المواقع الالكترونية أو المقالات والأخبار في المواقع المقربة منه تقول أنه «خرج مرفوع الرأس» أو أنه «خرج محصنا رغم أنف الحاقدين».

أتفهم جيدا حالة السخط التي تنتاب الملايين في ساحات الحرية وميادين التغيير الذين فقدوا رفاقهم أو أقاربهم أو أبناءهم أو آباءهم في فعاليات سلمية على أيدي قوات «الزعيم الرمز» لكن الأمر الذي يفوت أنصار صالح والساخطين عليه هو أن الحصانة لا تعني البراءة، فعندما تمنح مجرما العفو المؤقت أو الدائم عن جرائمه فإن ذلك لا يعني أبدا أنه قد صار نبيلا وشريفا وبريئا من كل جرائمه، أو إنه عاد كما ولدته أمه، فتهم الإجرام ستظل تطارده حتى وإن نال العفو من الضحية أو من ينوب عنه، والأكثر من ذلك: إن طلب بند الحصانة ليس إلا اعترافا مباشرا من قبل الجاني بجنايته، وقد قال لي أحد أنصار المؤتمر الشعبي العام: لقد فضحنا الرجل عندما يقول أنه لم يخالف الدستور والقانون، وبالمقابل كان كثيرا ما يكرر: «نحن نريد ضمانات محلية وخليجية وأوروبية وأمريكية» قال صاحبي المؤتمري: «ليته خرج بدون ضمانات!.. كنا سنفاخر أنه خرج من اليمن بريئا من كل الاتهامات التي يوجهها له خصومه أما وقد أصر على الحصول على الضمانات ولم يغادر اليمن إلا بنسخة مبروزة منها فإننا نشعر بالعار نحن المدافعين عنه».

الحصانة لا تعني البراءة، والحصانة لا توفر الأمان لمن يطلبها فهو وإن خرج إلى أبعد أطراف الدنيا، سيظل شبح الضحايا يطارده في صحوه ومنامه، ومهما تظاهر بالزهو والتماسك إلا إن الأمان الذي ظل ينشده بالحصانة سيتبخر بمجرد نعت "القاتل أو السفاح أو المجرم" الذي سيطلق عليه من قبل أوليا دماء الشهداء والمعوقين والمختطفين والمغيبين قسريا ناهيك عن المنظمات الدولية التي تعني بحقوق الإنسان ومنظمات الشفافية والنزاهة التي ستكشف عن المليارات التي جرى نهبها عن طريق العمليات المشبوهة والصفقات الغامضة، وهي جنايات من حق المنظمات الدولية والمحلية أن تلاحقه عليها مهما كانت الضمانات المحلية التي حصل عليها، إلا إذا قرر الاختفاء إلى الأبد في مكان مجهول لا يعلمه إلا هو وأقرباؤه، وفي هذه الحالة ستكون هذه العقوبة وحدها أقسى من حكم الحبس المؤبد.

برقيات:

* من أهم القرارات المنتظر اتخاذها من الرئيس بالإنابة الأخ عبد ربه منصور هادي وعلى وجه السرعة إلغاء محكمة الجنايات المتخصصة التي عينها سلفه بمخالفة الدستور والقانون لمحاكمة الناشطين السياسيين الذي كان يريد الانتقام الشخصي منهم، لأن بقاءها هو عار على السلطات الانتقالية واستمرار لعهد صالح.

* قرار عودة القيادات الجنوبية إلى الداخل لمواصلة العمل للمساهمة في حل القضية الجنوبية ـ إن صح ـ سيكون من أكثر القرارات حكمة يتخذ من تلك القيادات منذ العام 1994م وهو بلا شك سيلاقي استحسانا كبيرا من كل ناشطي الحراك السلمي الجنوبي وشباب الثورة، لما تمتلكه تلك القيادات من خبرات يمكن أن تسهم في حل القضية الجنوبية وتعزيز عملية الانتقال.

قال الشاعر العظيم أبو القاسم الشابي:

إني أنا الناي الذي لا تنـــــــتهي أنغامهُ ما دام في الأحــــياءِ

وأنا الخـــضمُّ الرحب ليس تزيدهُ إلا حـــــــــياةً سطوة الأنواءِ

فإنا الســــــــــــــعيد بأنني متحولٌ عن عالم الآثام والبغـــــضاءِ

لأذوب في فجر الجمال السرمدي وأرتوي من منـهل الأضواءِ