كنت قررت الخميس 21 فبراير أن أتوجه إلى ساحة العروض عندما سمعت اطلاق الرصاص الكثيف بكل أنواعه هناك، لكن زميلي المصور ألح أن نذهب وكان يتواصل مع الزميل أنيس منصور بالصدفة فإذا به ذاهب إلى الساحة وقررنا الذهاب بسيارته بسبب عدم وجود سيارة لدينا ولا نريد الذهاب مع أية سيارة.
طوال الطريق كنا نسمع الرصاص ينطلق بين الحين والآخر وفي الطريق إلى ساحة العروض مررنا بطابور طويل من السيارات تحمل الأعلام الوحدوية وفي طريقها إلى ساحة العروض وظللنا وقتا نحاول اتخاذ خط سير مختلف لكن سرب السيارات كان طويلا ولذلك اضطررنا لنكون في آخر السرب.
الرصاص ما زال ينطلق والأخبار تنبئ عن ضحايا.
دخلنا ساحة العروض على وقع الرصاص وشاهدت الحجارة تنهال على السيارات التي ترفع الاعلام الوحدوية وتحدث بعض الاصابات. ثم تنهال على سيارتنا وسيارة كل من يفكر بدخول الساحه لولا أن الزميل أنيس قرر الانطلاق بأعلى سرعته لأصبنا.
الرصاص ينهمر من اتجاهات عديدة ومسلحون ايضا شوهدوا في المكان.
وفي ظل هذه الفوضى قررنا الدخول إلى أحد الفنادق للاحتماء هناك وفي ساحة هذا الفندق شاهدنا الجرحى وحكى لي أحد الصحفيين المحترمين أن قوات الامن كانت تطلق الرصاص بشكل مباشر وهو يشاهد ذلك.
وظللنا في الفندق ساعات ونحن قلقون على حياتنا في ظل التحريض ضد الاعلام الشمالي - كما يصفونه - وضد الجزيرة.
كنت قبل إطلاق الرصاص - صباح الخميس - أجلس بالصدفة إلى جانب مسؤول امني رفيع في عدن وكان يتلقى الاتصالات وأنا أسمع وحاولت أن أفهمه أن الغرض من الفعالية ليس الخروج بضحايا ولكن الهدف، يبدو أن الناس حريصون عليه، هو أن عدن ليست حكرا للانفصاليين فقط وحتى يشعر الناس ان الذين هم مع الوحدة كُثر.. لكن الرصاص كان يتزايد وعلى وقعه كنت أسمع اسم ناصر منصور هادي - شقيق الرئيس - يتردد فهو يتوعد ويهدد، وقد قال لي شخص كان بجانبه في الاحتفال إنه توعد بما حدث.
شعرت عندها أن تصفيات قديمة وثأرات قد تطل برأسها إذا سمح لرجال الامن والمخابرات وأصحاب النزاعات بتسيّد الموقف.
كان يجب على من نظم الفعالية، وقد تأكدت طبعا من أن الرئيس هادي وافق ودعم هذه الفعالية رغم ما يُقال ممن حوله: إنه لم يفعل ذلك وإن المسؤول هو المحافظ.. كان يجب على من أقامها أن يشرف عليها من تلقاء نفسه لا بمنظومة أمنية كانت تتبع الرئيس المخلوع الذي يعلم الجميع أنه يحرص أشد الحرص على إحداث اختلالات ومشاكل لإفشال أي مشروع.
أما خاتمة القول فقد استمعت إلى كثيرين ممن يتحدثون عن الصراع بين أبين والضالع ويافع وعن كون عدن ساحة للصراع فيما بينهم.. سمعتها أكثر من مرة، وعن أكثر من شخص، ووجدت أن الزعماء التقليديين للجنوب الذين يدسون أنوفهم اليوم في شأن الجنوب جميعهم يستدعون هذا الهاجس المر الذي تعفن وعفى عليه الزمن.
ولذلك لا تجد أيا منهم يتحدث بمنطق المستقبل، ويحاول جر البلاد من ماضيه وماضيها.
لقد ذهلت وأنا أقابل مجموعات من الشباب الجنوبي الواعي بحقه وقارنت ذلك بحديث الساسة المعتقين الذين يجترون ماضيا سحيقا، ولا يفكرون
أن هناك حراكا سلميا حقيقيا مثلما هناك من الحراك من يدعو إلى العنف، ووجب على من أراد الحل أن يرتفع بنفسه عن الصغائر والحزازات والتفكير بالماضي.
عليهم ان يعلموا أن الوحدة لا يمكن ان تفرض الا بخيار المستقبل والحرية والعدالة والأمان، وهذه ركائز ثورة الجنوب السلمية التي ولدت منها ثورة فبراير السلمية ٢٠١١.
تلك الشهادة التي وددت أن أكتبها قبل أيام وأتمنى أن تؤخذ بعين الاعتبار.