هل هي مؤشرات صفقة في سوريا
بقلم/ د.عبدالواسع الحميدي
نشر منذ: 12 سنة و 3 أشهر و 10 أيام
الإثنين 06 أغسطس-آب 2012 12:02 ص

هل هي مؤشرات صفقة سرية بين روسيا وأمريكا وإسرائيل في سوريا

ما الذي يجعل روسيا تساند نظام الأسد ضد ثورة شعبية؟ لماذا تخلت عن نظام صدام حسين بسهولة على الرغم انه كان من أقوى حلفائها في المنطقة ومرتبطة معه بمصالح اقتصادية بمليارات الدولارات؟ لماذا سلمت نظام القذافي بطريقة غير متوقعة مع أنها كانت لها مصالح اقتصادية كبيرة معه؟...ما الذي تبدل في الموقف الروسي لكي يصمد بجانب بشار الأسد في مواجهة الرأي العام الدولي والعربي والسوري مع أن مصالحها الاقتصادية مع سوريا اقل من مصالحها التي كانت مع العراق وليبيا؟ هل هو فخ وضع لروسيا لكي تخسر ما تبقى لها من ارث الاتحاد السوفيتي في المنطقة العربية؟ إذا كان الأمر كذلك هل السياسة الروسية بهذه السذاجة حتى يبتلعها فخ دون أن تتفطن إليه؟ استبعد هذا الأمر لان روسيا تدرك العالم الذي تتعامل معه،وليس الساسة الروس مبتدئين لكي يتعثروا في فخ منصوب ...ثم الم يكن الأفضل لروسيا لو كانت فعلا تهتم بالشأن السوري وتراعي مصالحها الظاهرة كما نقرأها نحن العرب وفقا لما يسوقه الإعلام الروسي أن تنصح الأسد بسلوك اقرب الطرق وأسهلها لتحقيق تطلعات الشعب السوري بالتغيير بما يكفل بقاء مقدرات سوريا فاعلة وبالذات العسكرية منها؟وتجنيبها مأزق حرب تستنزف مستقبل سوريا كما هو قائم حاليا ؟ الم يكن مثل هذا الموقف كفيل بإبقاء المصالح الروسية مصانة مع النظام السوري الجديد؟

علامات الاستفهام كثيرة حول الموقف الروسي وهذا لا يعني تنزيه مواقف الدول الأخرى وبالذات أمريكا المناهضة لنظام الأسد منذ مدة طويلة فمواقفها معروفة ولا تحتاج الى تفسير لسلوكها الحالي الذي يبدو في ظاهره مساند للثورة السورية وفي باطنه تاريخ طويل من العداء..

في حين أن السلوك الروسي مريب سوا كان ذلك لسوريا كشعب أو لبشار كنظام .فالجميع الآن يحلل من خلال الصورة الظاهرة لكن لا يفترض أن الظاهر في السياسة هو المخادع أو المحتال وهي الغالبة في السياسة الروسية والغربية...دعونا نختبر ذلك ،إذا أخذنا الموقف الأمريكي من الثورة المصرية كمقياس يمكن البناء عليه لتحليل الموقف الروسي من نظام بشار لوجدنا أن السياسة الأمريكية لم تعادي ثوار مصر بالقدر الذي لم تساند فيه بقاء حسني مبارك مع أن هذا الأخير كان من اخلص أصدقائها في المنطقة لكنها دعته إلى تحقيق تطلعات الشعب المصري واستطاعت أن تحتوي المتغير في مصر وتحافظ على مصالحها على الأقل لحد الآن.

لماذا لم تسلك روسيا هذا الطريق مع بشار الأسد إذا كان لها مصالح حقيقية مع الشعب السوري؟ الم اقل أن الموقف الروسي مريب؟ نعم انه مريب لأنه لا يوجد دليل واحد يجعلنا نصدق أن روسيا ستصمد للنهاية مع بشار، أو أن أمريكا ومريديها سينتصرون للثورة.. ألا تجعلنا هذه الريبة نرجح مسالة وجود صفقة سرية بين كل من روسيا والولايات المتحدة وإسرائيل وربما دول أخرى...جوهرها إسقاط نظام الأسد بطريقة تدريجية لا تربك المنطقة ليس خوفا على المنطقة وإنما لإعادة صياغة مصالحهم، إذ أن ترك بشار وحيدا يواجه خيار السقوط الحتمي ستكون له مخاطر جمة،قد تدفعه لاستخدام كل أسلحته لإشعال المنطقة برمتها، والعالم غير مهيأ لهذا المعطى،.إذاً فان مساندة روسيا للأسد ستكون في هذه الحالة ذات بعد ظاهري في حين أنها بالعمق لممارسة دور مزدوج احدهما تقليل مخاطر انزلاق المنطقة عبر التحكم بقرارات النظام السوري من خلال تلك المساندة التي تأتي في وقت تخلى عنه العالم، ولنا أن نتخيل حجم الجميل الذي سيطوق رقبة بشار تجاه روسيا ،الأمر الذي سيتيح للأخيرة توجيه قرارات النظام السوري لأنها ستكون محل ثقته بما يتيح لها تهيئة الأرضية لهبوطه بعد أن تكون غنائم المنطقة قد تم تحديد مآلها ، بالمقابل يقوم الطرف الأخر المعادي ظاهريا لروسيا باحتواء اندفاع الثورة بالصورة التي تمكنه التحكم بطبيعة وشكل النظام البديل ،وإذا لم تكن هناك مقدرة على التحكم بالنظام البديل فان إفقاده أدوات القوة سيكون هام وحيوي وبالذات العسكرية ، عبر تأجيج الصراع بين الطرفين عوض بذلهما جهودا للحل وفقا لتطلعات الشعب السوري بالحرية والعدالة لان الحل على هذه الطريقة لن يحقق الغرض الذي يسعى له الطرفان روسيا وأمريكا، هل لمستم جهودا للحل؟ لا. لان المطلوب من وجهة تلك الأطراف ليس تحرر السوريين إنما إضعاف النظام الجديد عبر الزج بالنظام الحالي بمقامرة الحرب المدمرة للجيش السوري وتمزيق النسيج الوطني السوري مع كل قطرة دم تسيل تحت تأثير وهم المساندة الروسية الخادعة التي ستجعل الطرف الآخر يلجأ للتسلح دفاعا عن النفس وبالتالي توسيع دائرة التدمير لسوريا وسيجد من يمد له العون، تخيلوا بعد ذلك أي نظام يستطيع لملمة الجراح وحل التناقضات الداخلية التي أنتجها بالضرورة بشار الأسد ونظامه، بل كيف يمكن تخيل مستقبل نظام بشار بعد كل هذه الدماء؟ وماذا تريد روسيا أن تحققه عبر دعمها نظام الأسد ؟ . أظن أن ما تسعى له روسيا لا يختلف عن ما تطمح له أمريكا وإسرائيل فجميعهم لا يخشون فقط من إغراق المنطقة بأنظمة إسلاموية إنما يحاولون ترتيبها جذريا وفقا لما يحقق مصالحهم.

 إن أسوأ الاحتمالات لإمكانية بقاء هذا النظام تعني انه سيكون بقاء الضعيف الهزيل المدان داخليا وخارجيا، ونظام مثل هذا لن يفيد روسيا إطلاقا ولن يفيد سوريا ذاتها.

سوريا جديدة يتم بلورتها بالتواطؤ مع بشار يدرك ذلك أو دون أن يدرك ، معزولة عن محيطها منشغلة بمشاكلها وجراحها معلقة بالخارج أكثر من تعلقها بعروبتها كما يريد الشعب السوري وكما تطمح ثورته.

قد يخطر سؤال حول موقع إيران من هكذا احتمال ؟ أقول انه بالقدر الذي يحضر التأثير الإيراني في سوريا أو على روسيا فإنها بالضرورة ستكون ضمن مواضيع تلك الصفقة.

لا احد ينكر على الشعب السوري ثورته الصادقة التي تكاد تكون الأكثر إلحاحا من مثيلاتها في البلاد العربية، لكن التباسات الموقف الروسي المريبة لا توحي بالبراءة...قد يقول البعض أن مثل هذه الصفقة مستحيلة بالصورة التي ذكرناها ،ثم ما الذي يجعل روسيا تمارس هذا الدور ؟ أقول أن روسيا اليوم ليست الاتحاد السوفيتي في الخمسينات أو السبعينات ،كما أن مسائل الصفقات السرية في العلاقات الدولية ليست حديثة بل قديمة ومستمرة ،هل تتذكرون اتفاقية سايكس بيكو الشهيرة؟ ثم دعونا نستحضر دورها في العراق ،وفي ليبيا، فروسيا حاولت أن تكرس في سياستها الخارجية الجانب النفعي فقط القائم على الصفقات السريعة العالية المردودية ذات الطابع السري... الم تستخدم ذلك في العراق؟ الم يحدث في ليبيا؟ اذاً ما الذي يمنع تكراره إذا توفرت المغريات فالمهم بالنسبة للغرب استدراك التحكم بمسار التحولات في المنطقة وسوريا تتيح مثل هذا الاستدراك خاصة إذا استحضرنا نظرية الأقطاب الموجبة والسالبة في العلاقات الدولية ، فمن زاوية المصالح الغربية فان تجاذب الأقطاب بين نظام مصر الجديد ونظام سوريا القادم خطر على استراتيجيات الغرب في حين أن التنافر هو الذي سيحقق جزء من تلك الإستراتيجية .

وإذا عدنا إلى مفاجأة الثورة التونسية ثم انتقالها السريع إلى مصر بصورة لم تمكن بعض الأطراف الغربية من فهم المتغير أو التنبؤ به فإن تلك الأطراف حاولت أن تتلافاه في ليبيا واليمن ، اذاً كيف سيكون الأمر مع سوريا هل سيشبه اليمن أم ليبيا ؟ لاشك انه ليس هذا أو ذاك فسوريا مفتاح في مسار الشرق الأوسط وبالتالي ستطرح تلك الأطراف سؤالها المتوقع ما العمل والبديل المحتمل للأسد هم الإخوان المسلمون..في حين أن الأخوان يحكمون مصر ويهيمنون في تونس ، لنتخيل قليلا أو لنفترض أن الأخوان المسلمون اعتلوا هرم السلطة في سوريا وتسلموا جيشا بكامل مقدراته والشعب محتفظ بتعايشه مع اعتلاء إخوان مصر للسلطة كيف سيكون انعكاس ذلك على المنطقة ؟ تخيلوا انتم؟وتخيلوا ردة فعل بعض الدوائر الإقليمية والدولية؟ هل تعتقدون أن الروس لا يخشون الأخوان المسلمون ؟ تجربتهم في أفغانستان قريبة وفي الشيشان لا زالت مستمرة ... لا أريد أن اذهب في مزيد من الافتراضات لكن أي متابع يلمس أن الموقف الروسي بدأ حالة الهبوط التدريجي فهو الآن يتحدث عن حوار غير مشروط في سوريا وفي الكواليس عن إمكانية إجراء انتخابات وفق اشتراطات بما يعني تنحي الأسد ،ماذا حقق ؟.لن أتحدث عن حزب الله وحماس فهما ايضا مرتبطان بما ذكرناه وكلاهما غير مرحب بهما في الغرب وروسيا.

أومن قطعياً أن نظام الأسد زائل بالقدر الذي أدرك فيه أن السلوك الروسي ملتبس فلا هو موقف ولا هو دور معلن انه سلوك غامض ستبدأ تجلياته في الفترة القادمة راقبوا السلوك الروسي بدقة.

*أستاذ جامعي متخصص في القانون الدولي والعلاقات الدولية

alhomidi16@yahoo.com