الثورة وعلي محسن وحميد...نقاش مشروع!!!
بقلم/ د. عبد الملك الضرعي
نشر منذ: 13 سنة و شهرين و 8 أيام
الأحد 04 سبتمبر-أيلول 2011 07:38 م

من القضايا التي يثيرها إعلام السلطة بأدواته الرسمية أو المخابراتية وجود بعض الأشخاص أو الجماعات في صفوف حركة التغيير ، وبالذات علي محسن صالح وحميد بن عبدالله الأحمر ثم بعض الشخصيات الأخرى التي يتهمها الحزب الحاكم بالفساد واستغلال السلطة في السنوات الماضية ، وكثيراً ما تفتح نقاشات مع البسطاء أو المثقفين ويبادرون المؤيدين لثورة الشباب بالقول جميعنا مع التغيير لو كان الشباب لوحدهم ، لكن وجود فلان وفلان وو..الخ جلعنا ننكر هذه الثورة ونقف ضدها ، وهم لايتذكرون مواقفهم السابقة عندما اندلعت الثورة الشبابية كيف كانوا يهاجمون ساحة التغيير بصنعاء بشكل يومي تقريباً وكيف كانوا يصفون طلاب الجامعة بابشع الأوصاف ، بل أن جريمة جمعة الكرامة لم تكن إلاَّ مرحلة من مراحل استهداف الشباب الخارجين بصدور عارية ، وقس عليها استهداف الشباب في ملعب الثورة أو بنك الدم أو جولة كنتاكي وهي المناطق التي واجه الشباب فيها الأمن بصدور عارية وبعيداً عن مناطق تواجد الفرقة الأولى مدرع ، والأمر تكرر في مختلف محافظات الجمهورية ، وبنقاش هادئ سنحاول الإجابة على تلك التسؤلات التي حاول الرئيس صالح بنفسه استعطاف الشباب بقوله ثورتكم سرقت..الخ في أحد خطاباته من الرياض ، على كل سيتم مناقشة الموضوع من خلال النقاط التالية :

أولاً/لم يقم الشباب بثورتهم إلاَّ بعد أن وصلت الأمور إلى حد لا يقبله أحد ، فالفساد بلغ حداً من الصعب السكوت عليه ، حتى وصل الأمر حد رعاية السلطة للفساد من خلال التوجيه بتجميد ملفات المئات من كبار الفاسدين في الدولة ، كما بلغ الفرز المناطقي حد أصبح يهدد الوحدة اليمنية ، صاحب ذلك نهب أراضي المناطق الساحلية من المهرة وحتى سهل تهامة من قبل بعض المنتنفذين وبتوجيهات عليا ، ثم تبعات حرب صيف1994م ، وتدشين تحول الخيار السلمي للحراك الجنوبي إلى خيار مسلح والذي بدأ يهدد بكارثة كانت ستصل مأسيها إلى مختلف المناطق اليمنية ، يضاف على ذلك حرب صعدة التي كانت قاب قوسين أو أدنى من التفجر مرة أخرى ، كما كان الاقتصاد الوطني على وشك الإنهيار، والبطالة والفقر في تصاعد مستمر ، بينما يتم تقاسم الثروة والسلطة والقوة بين مراكز النفوذ ، حتى وصل الأمر إلى أن أصبح لدى وزارة النفط حصص ثابتة من الإنتاج النفطي لبعض الشخصيات النافذة ، يضاف إلى ذلك تفشي الرشوة والمحسوبية ، ثم تدهور غير مسبوق في مختلف الخدمات الاجتماعية وعلى وجه الخصوص خدمتي التعليم والصحة ، وكذا هيمنة الموسسة الأمنية والحزبية على مختلف دوائر الدولة ، وأصبح الإنتماء الأمني الشرط الأول والحزبي الشرط الثاني للوظيفة العامة أو وظائف الإدارة العليا، وهناك أمور أخرى عديد يعرفها مختلف أبناء الشعب اليمني ويتألمون منها منذ سنوات ، كل ذلك دفع الشباب الثائر لتقديم أرواحهم بهدف بناء يمن جديد تسوده العدالة الاجتماعية والحرية والمواطنة المتساوية والشراكة الوطنية في الثروة والسلطة والقوة.

ثانياً/ أعلن اللواء علي محسن صالح الأحمر دعمه وتأييده السلمي لثورة الشباب بعد أحداث جمعة الكرامة الدامية ، وذلك يندرج تحت المسئولية الوطنية للقوات المسلحة في الدفاع عن الشعب بعد فشل القوات العسكرية والأمنية المرتبطة بالسلطة في تنفيذ توجيهات رئيس الجمهورية في أكثر من خطاب بحماية المعتصمين سلمياً، بل أصبحت تلك القوة جزء من التهديد اليومي لشباب الساحات في مختلف المحافظات، ومن ثم أصبحت حماية الساحات من الإعتداءات المتكررة تمثل مسئولية وطنية يجب أن يتحملها الجيش والأمن بحياد ودون التورط في دعم أي طرف سياسي، فالأصل في الجيش والأمن أنه ملك كل الوطن كما أن الحزبية محرمة دستورياً في قواتنا المسلحة.

ثالثاً/أعلن حميد بن عبد الله بن حسين الأحمر منذ وقت مبكردعمه لثورة الشباب السلمية كونه ينتمي لأحد أبرز أحزاب المعارضة ولجنة الحوار الوطني التي وصلت في حواراتها السياسية مع السلطة إلى طريق مسدود ، وبالتالي في إطار المعارضة السياسية السلمية ذلك الدعم مكفول دستورياً، ثم بعد تدهور العلاقة بعد ذلك بين السلطة والشيخ صادق الأحمر الذي كان وسيطاً في بداية الثورة ، أعلن بقية أولاد الشيخ الأحمر دعمهم لثورة الشباب ، رافق ذلك تأييد عدد من كبار مشائخ اليمن وشخصياتها السياسية والاجتماعية والاقتصادية والفكرية والعسكرية والإدارية والدبلوماسية والقضائية والإعلامية وغيرها لثورة الشباب الشعبية السلمية ، ومع أن السلطة تدعي أن الكثير من هؤلاء فاسدين ، فالأحرى بها أن تقدم الإثباتات التي تدينهم فلازال لديها العديد من أجهزة الضبط القضائية والأمنية ، ولديها فرصة أخرى لتثبت محاربة الفساد من خلال فتح المئات من ملفات الفساد لكبار المسئولين في الجهار الإداري للدولة والموجودة حالياً في الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد والجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة ، بل أن بغاة الفساد مستمرون في فسادهم حتى أن أياديهم بدأت تطال الآن بعض أصول المؤسسات الحكومية ، وبعلم أجهزة السلطة الرقابية؟؟؟

رابعاً/على الرغم من تنوع قوى التغيير في الساحات ، إلاَّ أن السلطة في حملتها الإعلامية تحاول التركيز بشكل خاص على من ترى فيهم الخطر الأكبر مثل حميد الأحمر وأسرته واللواء علي محسن صالح والتيار الإسلامي داخل التجمع اليمني للإصلاح والذي يتم الإشارة إليه بالإخوان المسلمين تارة وتارة أخرى بطالبان وأحياناً القاعدة، في محاولة لأستبعادهم وتفيكك قوى الساحات حتى يسهل مهاجمتها والسيطرة عليها، كون حميد الأحمر يمثل ثلاث قوى تشمل القوة السياسية بانتسابه لأكبر أحزاب المعارضة وكونه عنصر فاعل في اللقاء المشترك ولجنة الحوار الوطني ويمثل إحدى شخصيات المعارضة المعروفة بمقاومتها لسلطة الرئيس صالح وعائلته منذ سنوات ، كما أنه رمز اقتصادي من خلال مجموعة الشركات التي يديرها وبالتالي يمثل داعماً مالياً لبعض قوى التغيير، وهو أيضاً ينتمي لأشهر أسرة قبلية في اليمن المعاصر وبالتالي القوة الاجتماعية التي يمثلها تعد عائقاً أمام طموح الرئيس صالح وعائلته في تحقيق حلم التوريث أو حتى البقاء في السلطة ، وخاصة بعد أن ارتكبت قواته ومليشياته مايعرف قبلياً بالعيب الأسود لعدة مرات ، أما بالنسبة للواء علي محسن صالح فقد مثل دعمة لثورة الشباب خسارة غير عادية للسلطة ، فبعد أن حاولت السلطة إزاحة مخيمات ساحة التغيير بصنعاء من خلال الهجمات المتكررة التي كانت بعض لقوى الأمنية والمليشيات ، حيث كانت تراهن على حسم الموضوع إعتماداً على سيناريو شبيه بما تم في ساحة الحرية بتعز ، ولكن الفرقة الأولى مدرع حسب تصورهم مثلت عائقاً كبيراً أمام تحقيق ذلك الحلم وإزاحة كابوس ساحة التغيير الذي يحاصر السلطة ليل نهار ، ثم أن اللواء علي محسن صالح بعلاقاته الممتدة لعقود مع العديد من الرموز العسكرية والأمنية والاجتماعية يمثل عائقاً أمام نفوذ عائلة صالح ، يضاف إلى ذلك وتواجد عدة معسكرات للفرقة الأولى مدرع في بعض المحافظات وخاصة اللواء(310) الذي يقوده العميد القشيبي ، كل ذلك جعل من الفرقة الأولى مدرع أحد العوائق أمام السلطة في محاولاتها اليائسة لكبح الثورة ، ويضاف إلى تلك الشخصيات الشيخ عبد المجيد الزنداني الذي يتعرض أيضاً لحملة إعلامية مركز كونه شخصة تحضى بنفوذ لدى شرائح واسعة من شباب التيار الإسلامي الذي يمثل المكون الأبرز في ساحات التغيير والحرية.

بعد ماسبق نود التأكيد أن إثارة قضايا مثل سرقة ثورة الشباب ، ودوراللواء علي محسن وحميد الأحمر على وجه الخصوص وقضايا مثل دفع فاتورة دعم ثورة الشباب ، كل ذلك لايتوافق مع واقع ثورة الشباب وتضحياتهم ، لأن أهداف الثورة الشبابية تحمل عدد من الأهداف السياسية والإجتماعية والاقتصادية والثقافية تأتي في مقدمتها المساواة والعدالة الاجتماعية والحرية ومقاومة الإستبداد مهما تغيرت الوانه ومسمياته ، وعلى أساس هذه المبادئ جاء دعم وتأييد اللواء علي محسن صالح وحميد الأحمر والعديد من الشخصيات والحركات التي يتناولها الإعلام الرسمي مثل الشيخ عبد المجيد الزنداني وعلي ناصر محمد والحوثيين وقوى الحراك المؤيدة لثورة الشباب وغيرها من القوى المتواجدة في الساحات .

إن التحاق مختلف الشخصيات والأحزاب والجماعات السياسية والفكرية والاجتماعية والعسكرية بثورة الشباب ، لم يأتي بطلب الشباب بل بشكل طوعي ووفق الأهداف التي سبق الإشارة إليها ،ثم إن ثورة الشباب موجودة في ساحات عامة هي جزء من مساحة الوطن مفتوحة لكل يمني يقتنع بتلك الأهداف ولا يملك أحد الحجر علي من يريد الإنضمام إلى هذه الثورة أومحاسبة الناس على نواياهم المفترضة.

أخيراً إن ما تحاول السلطة الترويج له من محاولات سرقة ثورة الشباب من السياسيين ومراكز النفوذ الاجتماعية والعسكرية ،لايمكن حدوثه لأن من التحقوا بثورة الشباب مدنيين وعسكريين أعلنوا قبولهم بأهداف الثورة الشبابية الشعبية السلمية ، وبينوا أيضاً مبرراتهم لدعم ثورة الشباب ، ولا نعتقد أن تلك الشخصيات الوطنية تناور وتراوغ لركوب موجة ثورة الشباب ، ثم في حال حدوث إلتفاف من أي طرف على ثورة الشباب لاسمح الله ، دون شك أن قوى التغييربمختلف مكوناتها لايمكن أن تسمح بإعادة إنتاج الإستبداد مرة أخرى وتحت أي مسمى ، لأن ذلك خيانة لدماء الشهداء وتفريط بالأهداف الوطنية النبيلة التي يسعى الجميع من خلالها لبناء اليمن الجديد ، ثم أن الشعب قد ألفَ الخروج والصمود في الساحات والشوارع ، وذلك الخيار سيظل مفتوحاً حتى تنجز ثورة الشباب جميع أهدافها ، لذا تمثل إشكالية علي محسن وحميد جزء من حملة إعلامية يغرر بها على البسطاء والمغفلين، لأن ماهو مؤكد أن نفوذ معظم الشخصيات التي توردها السلطة في ساحات الحرية والتغيير محدود ، نتيجة وجود قوى متعددة شبابية وسياسية واجتماعية وثقافية تؤثر في مسار الفعل الثوري ، ولايمكن تجاوزها من أي طرف كان ، ومن ثم الحديث عن هيمنة طرف واحد على جميع الساحات غير وارد ، بل أن لكل ساحة شخصيتها الثورية التي قد تختلف إلى حد كبير عن الساحات الأخرى ، مع وجود قواسم مشتركة تتمثل بالأهداف العامة للثورة الشبابية الشعبية السلمية.