يمانيون على ضفاف النيل ... مواقف ومشاهد2
بقلم/ ابراهيم الجهمي
نشر منذ: 14 سنة و شهر و 14 يوماً
الجمعة 24 سبتمبر-أيلول 2010 06:26 م

الحلقة الثانية / بعد ثلاثون عاماً من بقائه في مصر يكتشف بأن أبويه من اليمن !!

منذ أربع سنوات وبحضور الشيخ سلطان السامعي عضو مجلس النواب .. وفي مكتب القنصل بالسفارة حينها الرجل الإنسان السفير /علي العياشي (حالياً القنصل العام بجدة )..

دخل علينا شاب عمره حينها ثلاثون عاما .. اسمه مجدي ....!!!

أسمعنا قصته المؤثرة والمحزنة ..

قال لنا الشاب مجدى ..

أعذروني ياسادة .. فأنا لم أعرف عن اليمن وماعلمت أي شيء عنها الأ منذ ستة أشهر ...!! فأنا لم أواصل تعليمي ولم يكن لي حظ أن أستمر في المدرسة كغيرى !!

فقد ربتني أمرأة تعمل بوابة عمارة بأطراف القاهرة ..كانت تقول لي أن أبوك وأمك توفيا من زمان !! وربيتك واحتظنتك ..!! وهكذا فهمت حياتي !! أني يتيم الأبوين .. وكلما تذكرت أبواي .. أتخيلهما ملكين يطيران بجناحيهما في السماْ .. وأدعوا لهما واسأل لهما الرحمة من الله .. وأن كما حرمني منهما في الدنيا .. أن لا يحرمني باللقاء بهما في الجنة ..!!

ونحن ننظر الى ذلك الشاب بتعجب وأستغراب !!

وأتسائل في نقسي !! وما شأن اليمن .. والسفارة .. والقنصل بقصة هذا الشاب ؟!! فقصته محزنة .. ولكنها معهودة .. وهكذا حال الدنيا !!

لكن الشاب قطع تفكيري وأستطرد حديثه قائلا :

وكانت تلك المرأة التى ربتني مع فقرهاالمتقع نعم الأم .. ونعم الأب ... لم تبخل علي بما يجوده الله عليها من لطفه وكرمه

وحتى إذا ما كانت على فراش مرضها قبل موتها .. وبحضور مجموعة من

الأقارب والجيران .. أشارت الى أوراق كانت بحوزتها وقالت لي أحتفظ بهذه ألأوراق ففيها كل المعلومات عن والديك !! وطلبت مني العجوز وهي على فراش الموت أن أسامحها حيث أنها لم تخبرنبي الحقيقة عن والداي !!

وقالت يأ أبني أبوك فلان الفلاني .. (غير الأسم الذي أتسمى به ) وأمك فلانة .. وهما من اليمن ..!!

وما زالا على قيد الحياة !!

وقد تركوك عندي وكان عمرك سبعة أيام فقط .. ومنذ ذلك الوقت لم يأتوا اليك !! وهما يعيشان باليمن !!

فقد أخبرتني والدتك أنها ستذهب لليمن وتأخذ إجازة من عملها وتأتي تأخذك !!

كلام غريب وعجيب !!؟؟ كيف تتركك والدتك !!؟؟ وتذهب تأخذ أجازة !!؟؟ هكذا سألته !!

قال لي :

بأن أمه مذيعة مشهورة بإذاعة عدن ... كانت ذلك الوقت قد تزوجت والده ( حاليا عضو مجلس الشورى) .. !وكانا قد تزوجا سرا لأنها الزوجة الثانية !! وقانونا حينها بالجنوب يجرم الزواج بأكثر من زوجة ..!!

وواصل الشاب حديثه ..

بأنه ذهب للسفارة اليمنية وللجالية اليمنية .. وسأل عمن يساعده في الوصول لوالديه !!

وتفاعل معه المحسنون .. ولأن والديه مشهورين ومعروفين باليمن !! فقد توصلوا لوالدته التي تجاوبت معه وأتصلت به مرارا وتكرارا .. وكذلك أخوانه من والدته ..

( للعلم والدته لم تستمر مع والده حين عودتهما لليمن)

وأرسلوا له صورة والدته التي يحتفظ بها في جيبه !! وكذلك صور إخوانه لأمه ..

أما والده ( المسؤل الكبير ) فقد رفض أن يعيره أية أهتمام .. بل وينكر صلته به !! ويرفض أن يتحدث أحد معه بشانه ومشكلة مجدي الحقيقية حينها بأنه لا يحمل جواز يمني ولا بطاقة مصرية .. فهو يعيش بدون هوية .. ويتعرض دوما للحبس .. في كمائن ونقاط التفتيش ..!! بسبب عدم وجود هويه أو بطاقة أو جواز سفر بحوزته!!

ويطالب والده بأن يعترف به فقط ليستخرج جواز سفر .. ويحمله معه أينما ذهب وتوجه !!

فلا يستطيع العمل أو الزواج أو العيش في أي مكان .. فهو مشرد هنا وهناك .. !!

ويقول أرجوكم أتوسل أليكم بأن تساعدوني في الحصول على جواز يمني .. حيث وأمي باليمن تواصلت معي وأخبرتني بأن والدك فلان !! ووثائق المستشفى التي ولدتني فيها تؤكد اسميهما ذلك !!

ويقول الشاب مجدي : إذا كان والدي يخاف من أن أطالبه بتعويضي عن السنوات الماضية .. فأنا متنازل !! وليست لي مطامع في ماله أو تركته التي ستؤل إلى أولاده ! ومستعد أبصم بجميع أًصابعي على ذلك !!

وقبل أن ينهي حديثه ..قال :

إذا كان والدي ينكر أبوته لي !! فهناك وسائل عديدة لإثبات النسب ...... ! إنصرف الشاب بعد أن تركنا في دهشة وتعجب ! من أن تكون قسوة بهذا الشكل في قلب أبوين نحو طفل برئئ ليس له ذنب ولم يقترف خطيئة تستحق عقاب تركه والتخلي عنه ! بل أننا قلنا بأن الأمر فيه غموض !

تواصلنا مع والدته التي أقرت وأكدت في حزن عميق وتأسف بالغ بأن الشاب هو ابنها وقالت لقد إنتقم الله له مني وهائنذا مصابة بالسرطان ... وأخبرتنا بأنها قد تواصلت مع والد الشاب الذي نهرها وهددها وقال لها : لأ أريد فتح موضوع قديم منذ ثلاثين عاما ! ( وتوفت والدته بعد فترة وجيزة من ذلك )، وتم التواصل مع والد الشاب عبر عدة وسطاء بداية من رئيس المجلس وبعض الأعضاء به .. و كان رده عليهم بأنه لا يعرف عن الموضوع شيئاً ! وطلبهم بعدم فتحه معه مرة أخرى !

وجائت فرصة زيارة والد الشاب مجدي الى القاهرة ... وعلمت ذلك من مراسم السفارة ... وأعطوني عنوانه! وطلبت من مجدي أن يقوم بزيارة مفاجئة لوالده وأعطيته العنوان الذي يسكن فيه ...! ونصحته بتصرفات تستجلب الرأفة والعطف من والده !! وأخبرته بأن يأخذ ( باكو ) ورد لوالده وبأن يلبس ملابس لائقة وبأن يرتمي بين رجليه حال لقائه! ذهب مجدي للعنوان .. وطرق باب الشقة .. وسألوه عن نفسه فأجاب بأنه مجدي .. ويريد والده فلان ! وقد أحدث تعجباً واستغراباً لمن كان على باب الشقة ...! ولكنهم أجابوه بأنه الحاج نزل المسجد يصلي ويمكنك أن تنتظره باب العمارة !! قال لي مجدي سررت جداً حين علمت بأنه يصلي .. هذه بشارة خير ! وكنت وقتها أتابعه بالتلفون المحمول ... وذكرته بما نصحته من قبل !!ومكث الشاب باب العمارة يتفحص الداخلين إليها ... ولما لمح وجه رجل .. شعر كأنه يعرفه من زمان والله لقد أخبرني بأن دقات قلبه تسارعت وأحس بجاذبية خفية وقوية تجذبه نحو الرجل ... وإندفع اليه مسرعاً يقول له بأني إبنك مجدي ... ! ورد عليه الأب بهدؤ .. أجئتني بعد ثلاثون عاماً !!؟ ( يبدوا بأن الأب قد عرف بوجود مجدي بإتصال ممن كانوا بالشقة يخبروه بمن جاء يبحث عنه )، قال لي الشاب والله حينها تأكد لي بأنه والدي ! ورد الشاب على والده بقوله أنت السبب وأنا أطلب منك أن تعترف بي ! وتصلح لي أرواق الهوية ! فقال له من عرفك على عنواني ؟ ونهره وطلب منه الإبتعاد والإنصراف !! وأنصرف الرجل الى محل الصرافة الذي بجوار العمارة ليصرف بعض نقوده والشاب يمشي خلفه ويترجاه بأن يستمع منه ولكن دون جدوى !! فترك الشاب ورقة مع والده بها رقم تلفونه وانصرف !! واتصل بي حينها فعلمت بأن الرجل قاسي القلب وغير مستعد للتعاون !

تواصلت مع القنصل وأخبرته بما حصل ... ! وكنا نسعى من خلال العلاقات الشخصية ببعض الزائرين من الوجهاء والمسؤلين لحل مشكلة الشاب مجدي ونجد منهم تحمساً كبيراً...! ما يلبث أن يخفت حال عودتهم للوطن وردهم بأن الرجل يعترض مجرد الكلام في الموضوع !! وينصحني الكثير منهم بعدم الخوض في هذا الموضوع لأن والده واصل السطوة وواسع السلطة .. !

ولا أكترث بهذا الكلام .. بل لقد كنت مستعداً لإخراج مشكلة الشاب مجدي عبر الصحافة والإعلام وإشراك منظمات حقوق الإنسان والجهات ذات العلاقة .. وجعلها قضية رأي عام ... وكنت أنوي رفع دعوى على الرجل ونطالب برفع الحصانة عنه.. وتوقيع الكشف الطبي عبر تحليل البصمة الوراثية الحامض النووي DNA  لإثبات نسب الشاب لأبيه ومطالبته بتعويضه عما فاته وما لحقه من ضرر ... ولكن نظراً للوضع الذي تعيشه بلادنا وجميعنا يعرفه ! أدركت بأن نحاول إيجاد حل للشاب ولوبشكل جزئي يضمن سلامة بقائه وأستمراره في مصر .. ويساعده في حياة هادئة لما تبقى من عمره ..

 وكان خلال تلك الفترة الأستاذ القدير / حسين باسليم مدير القناة اليمنية الأولى بالقاهرة وأخبرته قصة الشاب مجدي بحضور الأستاذ الفاضل / خالد عمر مدير المركز الثقافي ومراسل الفضائية اليمنية بالقاهرة ... وتفاعل الأستاذ حسين ووجه بإستغلال وجود طاقم التلفزيون المتواجد في مؤتمر شبابي وتصوير حلقة لمشكلة الشاب مجدي وتم بالفعل وأذيعت في القناة الأولى ببرنامج ( أستديو النهار ) وكانت حول قصته منذ بدايتها وبدون ذكر لأسم الأب أو الأم!كان لدور الأستاذ خالد عمر في حواره مع الشاب أثراً في إستعطاف الأخ مدير مصلحة الهجرة والجوازات العميد / محمد الرملي الذي حضر للبرنامج بصنعاء حال إذاعته وعقب وأبدى إستعداه لحل مشكلة الشاب مجدي والشكر موصول للمخرج المبدع معين شجاع الدين للتعاون في ذلك ..

وتم التواصل مع مصلحة الهجرة والجوازات وتم الأتفاق بعد المداولة الطويلة والأراء المتعددة والأفكار المتلاحقة بأن يمنح للشاب مجدي جواز سفر يمني ويكتب إسم والده بإسم آخر مستعار .... وهو أقصى ما كنا نستطيعه ...!وبذلك يستطيع الشاب مجدي التحرك والإنتقال في مصر أو لأي بلد يريد ... وكذلك بأن يعمل .. و يتزوج و يستقر في حياته ... كبقية بني آدم !!

الحلقة القادمة / هروب فتاة يمنية داخل حقيبة .. إلى مصر !