أجمل روح مشعة هي روح الحوار، حتى دلالة أصله (حور) - لغة وسياقا - تتماشى مع وظيفته، فلها ثلاثة أصول تنطبق جميعها مع طبيعة الحوار ووظيفته: الأول شدّةُ البياض وفي الوقت نفسه يعكس حلة بياض ثورة اليمنيين وحكمتهم. ويقال حوّرت الثيابَ، أي بيّضْتُها، والحُوَّارَى من الطَّعام: ما حُوِّر، أي بُيِّض. واحورَّ الشيءُ: ابيضّ، احوراراً" و"الأحوري الأبيض الناعم. وأمّا الثاني فالرجوع، فيقال حارَ، إذا رجَع. قال الله تعالى: {إنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ. بَلَى} وحار فيه، حوار داخلي مع النفس، وأما الثالث: المِحْور: الخشبةُ التي تدور فيها المَحَالة. ويقال حَوّرْتُ الخُبْزَةَ تحويراً، إذا هيّأتها وأدَرْتَها لتضعَها في المَلَّة.
مما سبق يتبين أن الأصل (حور) تتجاذبه ثلاثة معانٍ: شدة البياض، والرجوع، والحركة، وهذا مناخ أو سياق سيئ جدا للبعوض أو عاشقي الظلام، حيث إن هؤلاء الأخيرون ،وهم كذلك في ذيل القافلة، لا يبدون الحركة واللدغ ومص الدماء إلا في حالتي الظلام والسكون، والجميع يألفون هذا المشهد، فالضوء والحركة يقلقان عاشقي الظلام أيما إقلاق، لهذا إذا ما أردت أن تتخلص من البعوض أو عاشق الظلام ما عليك إلا أن تشعل ضوءا؛ لأن الضوء عدوه وبعد أن يرحل أغلق بابك بإحكام ولا تدع ثغرا يتسلل منه، وعليه يجب على الجميع أن يعلم يقينا أن البعوض المؤذي يقيم دائما في الأماكن أو البقع المظلمة ويرتاح أكثر إذا اجتمع الظلام وخلو الحركة، وهكذا كلما امتدت مساحة الظلام وخيم السكون يكون على حساب انحسار الضوء وانتشار البعوض وتكاثره وقد يصبح البعوض السكان الأصليين ومنهم يصعد صانع القرار، ولا حماية حينها للدماء ولا كرامة من مصاصيها حيث سيظل يمتصها متى يشاء لأن بقاء الظلام واتساعه يحرسه.
وحفاظا على الدماء من أن تمتص من قبل مصاصي الدماء الظلاميين وحفاظا على جسد الوطن من أن يعتل بعدوى ظلامهم علينا أن نسلط الأضواء على تلك الأماكن أو البقع المظلمة في أفكار الناس حتى لا نترك مجالا للبعوض ليعشعش فيها ويفرخ، وتسليط الأضواء على أماكن تواجد البعوض أفضل بكثير من استعمال المبيد الحشري، لأن هذا الأخير يضر بالبيئة ويلوث هواءها الجميل ويصيب الصدور شديدة الحساسية، فلا تترك الأماكن مظلمة حتى لا تترك فرصة لتكاثر البعوض، وفي الوقت نفسه لا تستعمل مبيدا حشريا فإنه ملوث للبيئة ومضر بالصحة والحياة. فلا تستل سيفا بل أوقد مصباحا وسلط الضوء في الأماكن المظلمة وذلك باستعمال نور عقلك وضوء فكرك وطيب كلمتك وحد قلمك، وكل هذا يتمثل في السلاح الأبيض الناعم (والحوار) فهو ساحة بيضاء بنور الوطنيين العقلاء يسكت فيها الغباء ويصمت الغرباء، وهو سياق يمتلئ بنور الحكمة وتغيب فيه العتمة، وهو كلمة تمتلئ محجة بيضاء تتراجع إزاءها أصوات الغوغاء. فأوقدوا مشاعل النور معاشر الحكماء ولا تدعوا بقعة سوداء؛ لأن المشكلة أو الخطورة لا تكمن في البعوض الذي نألفه ويألفنا لكن في البعوض الذي يلمع لنفسه أو يسوّق لذاته على أنه نحلة وهو إنما يغرز خرطومه في جسد الإنسان المنهك لا ليمتص دمه لكن ليسقيه عسلا عبر الوريد، وحتى لا يتعب أسنانه ويلهب معدته، وما أحوج - الآن -أفكار الناس للمصابيح المشعة من قبل المثقفين ليكشفوا لهم هذه الحقيقة التي يعمى عنها الكثير.