الثورة ووهم الانتصار
بقلم/ محمد الحذيفي
نشر منذ: 12 سنة و 7 أشهر و 28 يوماً
السبت 17 مارس - آذار 2012 09:06 م

سؤال سيظل يتردد في أذهان الكثيرين من شباب الثورة , والمساندين لهم , والمراقبين , والطامحين للتغيير الجذري في بنية النظام الذي حكم"33"عاما بثقافة الفيد , والنهب , والوساطة , والمحسوبية , والقرابة , والعشوائية التي جعلت اليمنيين في مقدمة الدول المتخلفة , والمتسولة , والفاشلة بل والمنهارة , ومنذ انطلاق ثورة 11 فبراير عانى الناس كثيرا بصورة غير متوقعة , فقد مارس النظام الذي سقط رأسه كل أشكال الحرب ضد اليمنيين عسكرية , وسياسية , وإعلامية , واقتصادية , ومعيشية , وخدما تيه , ولا زال حتى اليوم , وواهم من يقول أن شيئا تغير منذ التوقيع على المبادرة الخليجية وحتى اليوم , ما يقارب الشهر مر منذ الانتخابات الرئاسية وقبلها تسعون يوما لم يطرأ على حياة الناس أي تغيير ملموس , ولم يستجد أي جديد على المشهد السياسي بل وحتى الثوري باستثناء إقالة قائد المنطقة الجنوبية مهدي مقولة والذي كان ثمنه مقتل أكثر من 200 جندي على يد من يسمون تنظيم القاعدة ليزداد المشهد غموضا و تعقيدا.

وفي الوقت الذين كان فيه الملاين من اليمنيين يرقبون اتخاذ قرارات حاسمة ومصيرية من قبيل إلقاء القبض على مهدي مقولة لتواطئه المفضوح مع تنظيم القاعدة الإرهابي وبتهمة الخيانة العظمى تم ترقيته وتكريمه على هذا الفعل , ومثله يكافأ العميد عبد الله قيران المتهم بارتكاب جرائم بمدينة تعز , وقبلها بمدينة عدن قد ترتق تلك الجرائم إلى جرائم حرب ضد الإنسانية بالسماح له بالسفر من البلد لتحضير درجة الدكتورة في القاهرة وعلى حساب ميزانية الدولة , ولا تستغربوا أيها القراء الأكارم إذا تم منحهم النياشين والدروع من قبل وزارة الداخلية , أو الدفاع وغيرها من الوزارات , ولا تستغربوا أيضا إذا تم إقالة الصوفي من تعز وتعينه سفيرا لليمن في أي دولة خارجية ليقولوا لنا كان ذلك لدواعي إنسانية , وكذلك إذا تم إقالة ضبعان , والعوبلي من قيادة الألوية التي يرأسونها بمحافظة تعز وترقيتهم إلى مسئولي أقسام بوزارة الدفاع , أو ملحقين عسكريين في سفارات اليمن في الخارج ليهلل البعض ويكبر بأنه انتصر واستكمل أهداف الثورة , ومن يقول غير ذلك فهو من بقايا النظام , ومن الحوثيين , ومن الطابور الخامس.

فإن حدث كل ذلك فإنه ثمرة من ثمار قانون الحصانة التي كانت حكومة الوفاق كريمة به بشهادة المبعوث ألأممي السيد جمال بن عمر , فيترى ما هي صنيعة هذه الحكومة التي هللنا لها ومجدناها واستبشرنا بها خيرا لتغيير أحوالنا وتحسين أمورنا وبعد أربعة أشهر من تشكيلها كل شيء على ما هو عليه؟ فما كان من قبل تشكيلها من ترد الخدمات , وانفلات الأمن , وغلاء الأسعار , وتسيد أصحاب النفوذ والبلاطجه لا يزال قائما حتى اليوم مع اختلاف المسميات.

بربكم متى سنرى المتهمون بقتل الشباب في السجون؟ أو على الأقل متى سيقالون من مناصبهم؟ ومتى سنرى أركان نظام الرئيس المخلوع ليس في السجون والزنازين؟ ولكن في الشارع مثلهم مثل أي مواطن مظلوم مضطهد متى سنلمس التغيير الحقيقي؟ وصور الرئيس المخلوع في مكاتب معظم المسئولين ووكلاء الكثير من المحافظات وفي جدران المباني الحكومية وقد رأيت ذلك بنفسي وليس كما يقال.

كيف سنؤمن بالتغيير وكيف نبتهل بانتصار لا وجود له على أرض الواقع؟ وطالبات مدرستين في تعز لهن أكثر من 3 شهور وهن يناضلن من أجل إقالة مديرتي المدرستين وأي انتصار هذا الذي نزعم تحقيقه؟ ومن يسمون بحماة الثورة من منتسبي الجيش والأمن محرمون من رواتبهم على مدار سنة كاملة وحتى اليوم ومن مارسوا أعمال البلطجة والقتل في حق شباب الثورة وفي حق أبناء اليمن نالوا الرتب وسويت أوضاعهم المالية وأصبحوا هم من يحمون الأمن ويقودون الكتائب والسرايا الأمنية , أي انتصار هذا وأبطال الجوية في مختلف مطارات الجمهورية المختلفة لهم أكثر من شهرين وهم يطالبون بإقالة قائد القوات الجوية أخو الرئيس المخلوع ولم يحصلوا على مجرد وعد من قبل فخامة الرئيس الجديد الذي لا نعرف ما هي مهمته حتى اليوم , إذا كان كل هؤلاء لم يحصلوا على ما يطالبون به طيلة هذه الفترة فكم سيحتاج الشعب من العقود ليتم محاسبة ومحاكمة من تورطوا بجرائم في حق هذا الوطن وفي حق أبنائه؟ وكم سيحتاج من الأعوام حتى يتم هيكلة الجيش وإقالة كل من يرفضهم الشعب من كل الأطراف؟.

فكفى اللعب بعواطف الناس ودغدغة مشاعرهم بانتصار الثورة , وبتحقيق الهدف الأول , فكيف حققنا الهدف الأول وصالح يمسك بكل خيوط اللعبة ويدير البلد من وراء الستار ويتحرك تحت الحراسات المشددة ويلقي الخطابات وكأنه زعيم دولة عظمى؟ وكأنها لم تقم ثورة ضده وضد نظامه , ويوجه , ويعط التوجيهات لقادة الألوية العسكرية , والأجهزة الأمنية , فلماذا نكذب على بعضنا البعض؟ أو نوهم أنفسنا بأننا حققنا الهدف الأول , أو بأننا أنجزنا تغييرا يذكر , أو انتصارا محقق , إنه قمة الوهم ! ويجب أن نعترف أننا وصلنا إلى مرحلة انسداد الأفق , أو مرحلة العجز عن فعل أي فعل ثوري يحدث تغييرا حقيقيا , أو لنسلم بمقولة أن هناك قوى سطت على الثورة وقيدت تحركاتها , وهي الآن تحاول إعادة إنتاج النظام بالصورة التي تتناسب مع أهدافها وتوجهاتها وبعيدا عن الساحات.