آخر الاخبار
اليمنيون في زوايا الساعة السليمانية
بقلم/ نجيب شجاع الدين
نشر منذ: 17 سنة و أسبوعين و يومين
السبت 08 ديسمبر-كانون الأول 2007 04:58 م

القات.. نبات يسميه اليمنيون (إكسير الحياة)، ويقال له بالإنجليزية (كاثا ايدوليس فورسكال)، ويدعى باسم آخر "شاي العرب" يزرع في الهضبة العليا من المناطق اليمنية على ارتفاع 800 متر من سطح البحر، وهي شجرة معمرة دائمة الخضرة صيفاً وشتاءً وتحتمل البرد والرياح.

وقد سرى اعتقاد في أوساط المجتمع اليمني أن لهذه النبتة تأثيرات سحرية مباشرة على المخزن، وتعزز بدورها من كفاءة الفرد الذهنية والشعور بالتفاؤل، حيث تبدو جميع المشاكل سهلة الحل، ويشعر الإنسان الماضغ للقات بالرغبة في العمل.

وعلى ذكر سهولة الحل.. كثيرة هي الآثار الناجمة عن القات في مختلف مجالات الحياة اليم نية.. ورغم الحلول المتعددة المعمول بها لاحتواء شيطان الظاهرة، فإن اليمنيين لم يجدوا الحل الأنسب لمشكلة القات الأزلية سوى المشكلة نفسها، وأي حياة بدون قات!!

في هذا التحقيق انطلقنا لمعرفة أسباب تناول القات في أوساط المجتمع، وبالذات عند أهم شريحة وهم الشباب الذين تختلف آراؤهم نحو الظاهرة.

أولاً الموطن الأصلي

يرجح كثير من المؤرخين الذين كتبوا عن القات أن موطنه الأصلي هو الحبشة، ويعود فضل اكتشافه إلى الأسطورة القائلة: " في أحد الأيام، لاحظ أحد رعاة الماعز أن إحداها يزداد نشاطها دون سبب ظاهر، وأنها تأخذ في القفز والجري بصورة طبيعية، وأخذ يدرس هذه الظاهرة فاكتشف أن العنزة يبدو عليها النشاط بعد تناولها وجبة من أرواق هذا النبات.. فجرب الراعي النبات، فوجد أنه يصبح منطلقاً بعد تناوله، وسارع بالرجوع إلى بلدته، وكان أول من لقيه بعد ذلك أحد الشعراء فشاركه اكتشافه، ومضى الشاعر إلى التلال فاستيقن من صدق رواية الراعي بعد أن جرب أوراق النبات بنفسه".

وأما حادثة تاريخ دخول القات إلى اليمن فأغلب الظن أنه دخل مع حملة الحبشة على اليمن في عام 525م.

وهناك قصة أخرى لطيفة عن اكتشاف القات ودخوله اليمن، تقول القصة: "إن الذي أدخل القات إلى اليمن متصوف حضرمي يدعى إبراهيم أبو زربين، سافر إلى بلاد الحبشة، وفي يوم من الأيام أثناء تجواله رأى قطيعاً من الماعز مستسلماً لنوم عميق، وفي فم كل شاة بقايا ورق أخضر من أشجار مجاورة، فجرب الشيخ إبراهيم هذا النبات وكان هو القات، فاستعذبه وقرر نقله إلى بلاده".

بعد الظهر

استناداً إلى الرواية الأولى فإنه مر حتى اليوم 1482 عاماً واليمنيون تلوك أفواههم أغصان القات في دواوين ألف ليلة وليلة.. وحتى اليوم لم يخرج أحد منهم عن إطار الساعة السليمانية، وما يزال المغني يردد "وأنت بالعود تتهنى وطعم المثاني".

ولمعرفة أسباب انتشار تناول القات، وما الذي يدفع المجتمع اليمني لتعاطي أوراقه بكل هذا الحب والشغف؟!

المبرر الأول لإدمان الغالبية تعاطي القات.. لأنه يعطي القوة والنشاط للعمل والإنتاج، وتأدية المهام المنوطة بهم بشكل أسرع.

ولكن.. هذا الرأي غير مقنع البتة، ففي ظل الأحوال الاقتصادية الصعبة التي نعيشها، وبحساب الدخل الشهري للفرد وقدرته الشرائية على تأمين ثمن القات لأسبوعين فقط..

ألا يلاحظ الفرد بأنه يعمل من أجل القات ويتناوله من أجل أن يعمل ولا شيء غيره!!، ويرى آخرون أنهم يمضغون القات للقضاء على الوقت والهروب من الملل، وهناك من يقول إنه يمضغ القات لقتل الوقت والهروب من الملل.. ويعتبر آخرون القات الوسيلة الوحيدة للاجتماع بالناس وبالأهل والأصدقاء، وقضاء فترة من الوقت رغم أنها طويلة في تبادل النكات والقصص الجميلة، كما تدور في هذه المجالس مناقشات أدبية وأحياناً تتنوع موضوعاتها من أخبار الساعة إلى المشاكل الاقتصادية والاجتماعية.. الخ، بينما يرجع البعض أسباب مضغ القات لتجنب النوم بعد الظهر.

ويشير غيرهم إلى أن القات يهدئ الأعصاب وبه دواء لعدة أمراض، مثل السكري، وتتفق الغالبية أنها تخزن لأن القات ليس محرماً كالحشيش وغيره، ولولاه لانتقل الناس للمحرمات.. وآخر كلام "إننا نمضغ القات ولا نعطي أسباباً لذلك".

إكسير النجاح والانحراف

القات بالنسبة للشباب ورقة لا بد منها لفهم واستيعاب أوراق أخرى بين أيديهم، وأغلب الشباب يربط بين القات والتفوق، وأن الأول هو طريق العبور إلى الأخير.

ويؤكد الشاب أنور السياغي قائلاً: "لولا القات لما استطعت المذاكرة أو الحصول على نتائج مشرفة في الدراسة، والسبب أن القات يجعلك كثير التركيز ومنشغلاً بالكتاب فقط، كذلك القات يحد من كثرة الخروج والدخول التي تضيع الوقت بلا فائدة.

في حين يرى الطالب أحمد الوصابي أنه الخطر الأول الذي يهدد الشباب، والسبب أن القات يجعل الشباب بلا كرامة كما يقول، فتجده يبحث لساعات طويلة عن (علاقية) تناسب مستواه المادي، ويتوسل لهذا وذاك من أجل القات. وليس هذا فقط، بل قد يضطر إلى السرقة، وعلى سبيل المثال في الحي الذي أسكن فيه قام أحد الشباب بسرقة بعض أدوات منزله وبيعها من أجل تلك الأوراق.. وآخر اعتدى على والده بالضرب لأنه رفض إعطاءه حق التخزينة.

مأساة

يقدر حجم الإنفاق الشعبي على تناول القات بنحو 250 مليار ريال سنوياً، فيما تصل الساعات المهدرة جراء تعاطيه إلى نحو 20 مليون ساعة عمل في اليوم، أي 600 مليون ساعة في الشهر، أو 7.2 مليار ساعة في السنة.

وقال الدكتور إبراهيم الأشول نائب مدير المركز الوطني للأورام لـ "الغد" إن القات أحد أهم الأسباب الرئيسية لانتشار مرض السرطان في اليمن، وتوقع أنه يقتل أكثر من 5 آلاف شخص سنوياً.

من جانبه ذكر مسؤول في الإدارة العامة للبحوث الزراعية ووقاية النبات أن 90 في المئة من المبيدات المستخدمة في اليمن تذهب لرش شجرة القات.

إلى ذلك قدر تقرير حديث لمنظمة الصحة العالمية عدد من يصيبهم السرطان في اليمن بـ 207 آلاف شخص سنوياً، وأوضح بأن سرطانات الجهاز الهضمي تمثل في اليمن ما نسبته 8.13 في المئة، يليه سرطان الفم واللثة 7.10 في المئة، وهذا نوع من السرطانات ينتشر في الحديدة بشكل خاص، ثم سرطان الغدد اللمفاوية بنسبة 5.10 في المئة، وتمثل نسبة سرطان الدم 9.8 في المئة.

كما كشفت دراسة علمية حديثة حول المبيدات في اليمن عن وجود (118) نوعاً من المبيدات التي يتم استخدامها من قبل مزارعي شجرة القات، وأكدت الدراسة أن كمية المبيدات المستوردة خلال عام واحد فقط بلغت (1846.09) طن، مشيرة إلى أن معظم المبيدات المستوردة من نوع المركبات العضوية الفسفورية والكارباما نسبة ذات الطابع السمي، كونها مواداً مسرطنة تحتوي على تسعة أنواع من المبيدات.

وفي سياق متصل أوضحت دراسة أخرى لطلاب كلية الصيدلة بجامعة عدن حول المبيدات التي تستعمل في زراعة القات في خمس محافظات هي (الضالع، تعز، لحج، إب، صنعاء) أن هناك 147 نوعاً من المبيدات يتم استخدامها من قبل مزارعي القات.

وأشارت الدراسة إلى أن (53.04) في المئة من المزارعين الذين خضعوا للدراسة في المحافظات السابقة باستثناء الضالع يستخدمون مبيد "جيموثاث" في حين يستخدم (92.2) في المئة من مزارعي القات في الضالع مبيد "مونوكروتوف" بسبب عدم اتباع الشروط الضرورية ما بين فترة عملية الرش وعملية القطف، ثم الخزن والتداول للقات.

وبحسب الدراسة فقد سجلت (279) حالة تسمم بين الجنسين في مستشفيات 6 محافظات شملتها الدراسة التي خلصت إلى احتمال حدوث ضرر حاد لتعاطي مخلفات المبيدات خلال يوم أو عدة أيام.

وحذرت الدراسة من خطورة التأثيرات الضارة على المدى الطويل، والناتجة عن استمرار التعرض لكميات صغيرة من المبيدات يومياً لعدة سنوات، حيث يؤدي إلى أمراض مزمنة، منها الأمراض السرطانية والتغيرات السلوكية والوراثية وأمراض الكبد والكلى.

 * الغد

 * الغد