مساجدٌ للفتنة
بقلم/ منصور النقاش
نشر منذ: 11 سنة و أسبوعين
الثلاثاء 22 أكتوبر-تشرين الأول 2013 03:57 م

كنت أهم بدخول الجامع لأداء صلاة الجمعة  عندما سمعت صراخ خطيب المسجد  وهو  يشن حملة شعواء على الشيعة والإثنى عشرية وفرقها التي ذكرها جميعاً (ونسيتها)  و بصوته المتهدج  يتحدث عما يحدث لنساء الشام من هتك العرض وسلب الروح  والكرامة من قبل تلك الفرق

انتظرت برهة وأنا أستمع إليه قبل دخولي عله يغير مجرى خطبته , لكنه لم يحول الحديث مواصلاً ومنتقلاً بهجومه من شيعة سورياً إلى شيعة اليمن أصحاب المذاهب الزيدية والإسماعيلية وبقية الفرق الشيعية والخطر المحدق بالمجتمع اليمني من قبلهم مذكراً جمهوره المصلين بالعفة المستباحة والكرامة التي تهرق على يد المجوس الأشرار في سوريا الله

وسوريا على ما هي عليه من بلاء لا يخفى على أحد ستظل هاجسا مؤلماً في وجدان كل عربي ..مع العلم أن" كل عربي" لن يقدم لها شيئاً باستثناء الشجب والتنديد

لم أدخل المسجد ولم أصلى الجمعة ذهبت للبيت وصليت الظهر وحيداً لربي

وضل صراخ الخطيب عبر مكبرات الصوت يدوي في الأرجاء ,وما دفعني لكتابة هذا الموضوع هو خبر قرأته قبل أيام قليلة يتحدث عن اختفاء اختفاء 278 فتاة بأمانة العاصمة منذ مطّلع العام 2012م ترى ما مصيرهن ؟ ألا يكون ذات مصير (حرائر سوريا ) لا سمح الله ؟

وخبر أخر تحدث به أكثر من جهة (غير حكومية ) عن إختفاء سبعون طفلاً في اليمن خلال العام 2013 م

ولو راجعنا المشهد الإخباري في اليمن سنجد أن أبرز العنوانين تتحدث عن سلسلة لا تنتهي من الإغتيالات والتصفيات وتخريب المنشآت الخدمية العامة

لم يذكر ذلك إمام المسجد لم يتحدث عن أي شيء يهم المواطن اليمني , لم يتساءل إن كان تم بيع تلك الفتيات بيع الرقيق أو أنه تم تشريحهن وبيع أعضائهن من قبل عصابات تتاجر بالأعضاء في اليمن

لم يتساءل الإمام عن مصير أؤلئك الأطفال ؟ لأن مرتكبي تلك الجرائم ليسو طرفاً في صراعه

لم يكلف نفسه بتوبيخ الدولة والأجهزة الأمنية على تقصيرهم تجاه المواطن وحمايته . لم يهمس في أذن المنصتين له

بضرورة مواجهة تلك الحملة التي تستهدف المجتمع وتسعى الى تحويل المجتمع اليمني المسالم الى مجتمع يخاف الخروج من منزله

 ولم ينقطع سيل دعائة وحربه على الأشرار مصدر الخطر الوحيد على الأمة الإسلامية وفي السياق

تحدث بنبرة سيئة عن الإسماعليين والزيديين كأنهم مصاصي دماء ليؤجج من نار فتنة يخشاها الجميع بما في ذلك أصحاب المذهب الزيدي والإسماعيلي الذين يحافظون على السلم الإجتماعي وحسن التعايش أكثر منه

هذا الخطيب بفكره المنغلق لم يدرك أننا مجمتع لدينا ما يكفينا من المشاكل ولا رغبة لنا بالمزيد .

لم يدرك أيضاً أن هناك أجيالا  لم تكن طرفاً بهذه الخلافات ولم تشهدها بل وليس لديها معرفة بماهيتها

 أليس من البؤس أن يحاول أمثال هذا الخطيب الزج بهذه الأجيال في أتون صراعاتهم وخلافاتهم وهم لا يعبأون بأجيال تتشرب هذا الجدل الفكري العقيم بمعاركة التي أوجدت الكراهية وانتقلت الى الأرض كصراع مقيت وهم غارقون باتهامات هي بمثابة الشرر الذي ستغدو ناراً تذكيها أحقاد ماضوية عفا عنها الزمن

هذا المشهد الذي يطفوا اليوم على الواقع الاجتماعي اليمني من قبل سدنة هيكل الوهم ,يشكل في مجمله  امتدادا لصراع الماضي ونموذجاً من منظومة فقهية مأزومة لا تزال تجابه حياتنا بكل قوة, بعقلية خائفة متردية تهرب من واقعها وتغلق أمام الناس الأبواب المفتوحة وتعتسف عقولهم بخطاب ديني مؤدلج منغلق على صراع دموي بدأ من عهد الصحابة ولم ينتهي حتى اللحظة

ألم يصبح الإسلام تهمة سافرة في كل مكان بسبب هذه التداعي العنيف والدعوة إليه

لدينا مجتمع ينادي بدولة مدنية ووحدة وطنية وسلام

أليس من الأولى أن يتركوا للأحياء فرصة للعيش ومواجهة مشاكلهم في الحياة

إنهم يتناسون كل القضايا ويلهبون حناجرهم بتمزيق الطرف الأخر وهم لا يدركون بهذا أنهم يفتحون الباب لما يريده زارعي الفتن

يستميتوا بالدفاع عن افكار عدمية قد شبعت موتاً كأصحابها وذكرها اليوم أشد ضرراً من تناسيها ليدفعوا بالطرف الأخر المرتقب الى حشد قواه المضادة ليصطف كل فريق خلف أجندته وأثقاله وينقسم المجتمع في صراع مذهبي مرير لا ينتهي وحرب يخوضها وليست من شأنه و لا علاقة له بها

ألا يدرك دعاة الفتن أن من قتلوا في هذه الحملات المذهبية أكثر من قتلى الحروب والأمراض في البلدان العربية

ألا يدرك هؤلاء أن ما يحدث في سوريا والعراق ولبنان وو ,سجل طويل من تاريخ الصراع المذهبي العربي هو نتاج لهذه الزروع التي يضعها بعض الفقهاء والخطباء والتي لا تنبت سوى الخراب والتناحر بين الناس

إذا كان مثل هؤلاء الخطباء قد وقعوا في شراك الصراعات المذهبية والطائفية فلاداعي أن يسوقوا الناس إليها

هناك قضايا إجتماعية وإنسانية وترشيدية وتثقيفية وسياسية مهمة لدى الخطباء والوعاظ غير تلك التي يمارسونها اليوم

ولدينا من المشاكل التي تحيط بالشعب اليمني من كل إتجاه هي بحاجة إلى تكاتف العالم والخطيب والمثقف والسياسي لحلها

أليس من الخيانة الإنسانية والدينية والإجتماعية أن تقرأوا سطراً وتتركوا سطرا؟

أن يقرأوا سطر سوريا ويتركوا سطر اليمن ,أن يتحدثوا عن المشاكل الطائفية ويتغافلوا عما يحدث في البلد

نحن بحاجة الى خطباء ينتجون المعرفة ويؤسسون للعقل

فلماذا لا يقدم هؤلاء خطابا يحمي الإنسان من هذه اللوثة ويؤسس لمواطنة حقيقية قائمة على الضوابط الإجتماعية ليس للفرقاء الإٍسلاميين فقط بل وبين الأديان

السؤال الآن  على من تقع مسؤولية ترشيد الخطاب الديني في المساجد ؟

هل هي وزارة الأوقاف أم جمهور العلماء أم وزارة الثقافة أم كل ذلك مجتمعه ؟

لماذا لا يبحث في تأصيلهم العلمي والمعرفي  قبل تسليمهم وجدان الناس وعقولهم ليخاطبوها عبر المنابر في المساجد

هل أصبحت المنابر منابراً للقذف والتسفيه وشق المجتمعات؟

 أصبحت المساجد خطراً غير مدرك و بؤراً للصراع والتوتر والفتن تهدد السلم الإجتماعي والمواطنة .وتشكل خطراً مباشراً على وعي المواطن بل أن خطورتها أكبر وأشد خطراً من أي وسيلة تواصل أخرى ,

فكيف نحد من تغول هذه الذهنيات الخطرة القائمة على المنابر  التي تتكئ على الدين في حربها المفتوحة ,وتخوض بالناس والمجتمع معارك غيرها وتغفل مشاكله ومعاركه الحقيقية ؟

مثل هؤلاء الخطباء من دعاة الفتن وتهييج الناس الذين يزرعون الفتن في أوساط المجتمع يجب أن يتم إبعادهم من المنابر وحجرهم دينياً من هذه المهنة الخطرة.