توهيب عبدالرحمن الدبعي
بقلم/ د.عبدالمنعم الشيباني
نشر منذ: 16 سنة و 4 أشهر و 7 أيام
الجمعة 27 يونيو-حزيران 2008 08:46 م
مأرب برس – خاص
توهيب عبدالرحمن الدبعي من منبر الخطابة والدعوة إلى منبر الشعر والغزل.
لئن أجرب القصيدة بعطر المرأة والبخور أربح لي من السياسة تجارة الخل.
الخطيب ليس مخلوقاً غريباً عن سائر الناس والحب عندي لغز ومخلوق في آن واحد من الثلج والنار
بزغ نجم الشاب الوسيم توهيب عبدالرحمن إسماعيل الدبعي في عام 2000 ميلادية كخطيب مفوه مسقع يأخذ بآلباب الناس على منبر الجمعة في مسجد التوبة شارع التحرير بتعز.خطيب شاب مؤهل لاعتلاء المنبر ليس مظهره الحسن وجماله الخلقي فحسب بل فصاحته وبلاغته وامتلاكه ناصية البلاغة وأسرار الكلام كداعية شاب تربى على مائدة الإصلاح منهج حركي ودعوي (منهج الإعتدال والوسطية ومنهج الدعوة بالموعظة الحسنة على مائدة القرآن والسنة النبوية).

حاوره عبد المنعم الشيباني


وللإصلاح رجاله وشبابه في الدعوة يختارهم الإصلاح أحياناً والأغلب أنهم يختارونه. وجاء الدهر بتحديات جديدة للمسلمين وانحسرت أمجاد الأمة وضاعت الأندلس وتركستان والبلقان وفلسطين وسقطت بغداد وجاء دور المجوس والروم يقتسمون فيئة المسلمين فانتفض المسلمون يدعون إلى النهضة والصحوة وكان منبر الجمعة مركز الخطاب الدعوي والتنويري نحو إعادة أمجاد الإسلام وجاء توهيب الدبعي خطيباً سياسياً لا مثيل له يهز العواطف ويحرك المشاعر منطلقاً في خطبته المنبرية إلى خطابين خطابٌ يوجهه إلى حكام المسلمين وخطابٌ إلى شعوب المسلمين. وللداعية الخطيب توهيب شعبيةٌ في قلوب الناس والمشتاقين إلى إعادة مجد الإسلام وعواصمه المسلوبه إلى سيرتها الأولى واشتهر توهيب باستعمال كافة ضروب البلاغة والسجع في خطبته السياسية التي يحمل فيها المسؤولين أوزار ما آل إليه الوضع اليوم من غلاء وفقر وانهيار للأوضاع وسقوط لدعائم الأخلاق وزاد نجم توهيب تآلقاً ورشحه الإصلاح للإنتخابات النيابية في عام 2002 وكانت صورة المرشج توهيب من أجمل صور المرشحين في الجمهورية وتعهد له الناس بالنصرة والتصويت لصاحه وانتصر توهيب في دائرته الإنتخابية ثم سرقت بعد ذلك واضطر الإصلاح كعادته أن يعض على جراحه وأن يلملم أحزانه الدعوية قائلاً للناس ((إن دعوتنا لاتنتهي بضياع دائرة أو دائرتين ولا بإسقاط مرشح من بيننا))، وربما ظن بعض الناس أن توهيب سيتراجع وسينتكس ولكنه زارهم في الجمعة التي تلت يقول لهم ما قاله الإصلاح وعظمت صورة توهيب في عيون أنصاره والموالين لمنهجه ودعوته ولم تزل أعظم وأجمل.


تلك مقدمةٌ منبرية وأما المقدمة الغزلية نبدأها بهذا السؤال هل يعرف جمهور المصلين وعشاق الخطيب المسقع والداعية الشاب المجاهد توهيب أنه شاعرٌ يقول الغزل وما الغرابة في هذا السؤال؟ وهل هناك تعارض بين منبر الخطابة ومنبر الشعر؟ كيف يمكن أن نفهم أن يكون توهيب هنا عبدالحميد كشك وهناك جميل بثينة أو عمربن ربيعة؟ وماهي حدود الداعية الخطيب؟ وهل تخدش القصيدة الغزلية وقار الخطبة المنبرية؟ ألم يذكر التاريخ أن من أعلام الأمة التابعين كابن القيم رحمه الله صاحب النونية المشهورة في وصف الحور العين أنه كان شاعراً؟ ولكننا في الأخير أمام ظاهرة واقعية تجلجل بين منبرين وعاطفتين وقصيدتين ومحبوبتين…. فإلى الأسئلة:


*:نريد أن نعرف من توهيب عبد الرحمن الدبعي أي نوع من الحب يسكنه وليخبرنا عن ليلاه أو عبلاه؟


ليلاي ليست هي المرأة في صيغة المفرد الذي لا جمع له في لفظه بل هي النساء في صيغة الجمع الذي لا مفرد له في لفظه وعندما أكتب عن حبي أكتب عن حب العالم كله وكل كلمة أقولها تحمل في طياتها الإنسانية كلها والحب لا يسكنني بل أنا الذي أسكن الحب وكل أيامي تجوال في حجرات قصره لأعرف سره الذي يجعلنا مرة في جنة حالمة وأخرى يرمينا في مياه نائمة وساعة يلملم سعادة الكون وينثرها عبيرا في أجواء سمائك وساعة يجمع آلام الكرة الأرضية ويرميها لتزحف على صدرك ، سرالحب الذي من نأى عنه غوى ومن دنا منه اكتوى.. حديقة الأزهار ، الغيم والأمطارْ وهو سكون الكون والموج والإعصارْ وهو الفارس الأوفى والقائد الغدارْ وهو السلم والحرب و النور والنارْ، الحقيقة والوهم والأمن والأخطارْ والطهر والأوزارْ إنه عجائب الدنيا وسرية الأسرارْ.


من الناس من يخلق من الحب أستاذا نبيلا وإماما للفضيلة ومنهم من يحوله إلى ذئب عاوي وثعلب ماكر ووحش ضار، الحب عندي لغز ومخلوق في آن واحد من الثلج والنار وقد خاطبته ذات مرة في صورته البائسة عندما يقف واجما أمام مخالب الذئاب عاجزا كل العجز أن ينقذ حمامة من تحت مخالب وحش كاسر وقلت:


أيها الحب أجبني من أبوك؟


وإلى أي القبائل نسبوك؟


كم غزال وثقت فيك تخيبْ


وذئاب مكرت تحت دهائك وتصيبْ


أنت سلوى أنت بلوى


أم عدو أم حبيب؟


أنت لا تحمل قلبا


أنت حطمت القلوبْ


أنت دهماء الدروبْ


أنت آهات الصدور


أنت غيث من سحابات الكروبْ


أنت غاباتُ وظلماء الغروبْ


أنت عاص لا يتوبْ


أنت عبد آبق لا لن يئوبْ


أنت جنات المآسي واللغوبْ


بئس قوم مدحوكْ


وعليهم ملكا قد توجوكْ


للغواني..فوق أطباق الهدايا


...لقلوب باسمات وهبوكْ


وعلى طهر صباها نحروكْ


خدعوها إنهم لم يخدعوكْ


خاب ظني فيك يا حبُّ


وهم مَنْ خيبوكْ


كنتَ أطهر من بياض الطهر


لكن دنسوكْ


أنت من أشعل نيران النوى


أنت من قرح أجفان الهوى


أنت من حرَّق أكباد الصبايا


بجحيم الغدر دوما وكوا


أنت من أدميت أعماق الجوى


فلماذا صدقوكْ؟


وأراهم يعبدوك؟


إنني أعلن حربي أيها الحب عليكْ


وكفاني كلما عذبتني أصغي إليكْ


فوداعا أيها الحب فدع قلبي


وسلِّم من عنادي مقلتيكْ


ارتحل لا تنتظر مني سلامي


أو تحياتي لألقيها عليكْ


أنت صيرت عذارى الحسن


أسرى قدميكْ


لست أنت الحب لا عهد لديكْ


إنما الحب فتاة ووفاءْ


خنجر الغدر رماها بيديكْ


بعد أن باتت تقبل بأمان راحتيكْ


وصلاة الحب من أعماقها


تتلو عليكْ


أنت من أتعب أهل العشق


أم هم أتعبوكْ..؟؟


أنت من عذب


أم هم عذبوكْ..؟


لست أدري


أيها الحب أجبني


من أبوك..؟


قد تكون لي قصتي الخاصة في قصيدتي فأنا جزء من أرضي ومجتمعي لكنني أكتب حينما أكتب للحب كله وخصوصيات الشاعر عندما تصطدم بالورق تتعدى ذاتها وتصبح فضيحة يقرؤها العالم.


* :هل يجد الداعية والخطيب توهيب تعارضاً بين الخطبة المنبرية وبين قصيدة الغزل بعطر المرأة كما تصورها القصيدة؟ وكيف يستطيع إقناع الجمهور في مسجد الجمعة أن الذي يحدث الناس حديث الدين والدنيا هو أيضاً عاشقٌ من نوع آخر وشاعرٌ وجدانيٌ غزلي؟


إن النظر إلى الخطيب أنه مخلوق غريب ليس كالناس في شعورهم وأشواقهم وحنينهم وانفعالاتهم نظر قاصر وفيروس من فيروسات الجاهلية التي كانت تريد من النبي أن يكون من عالم الملائك وليس أنسانا يفرح ويترح ويغيب ويشتاق ويحب الجمال { وَلَا أَن تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ إِلَّا مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ }(52)الأحزاب، ويتزوج وينفعل عند الخلاف الأسري ويحاول مراضاة الزوجة {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}(1)التحريم ، ويمشي في الأسواق ....الخ ، كانوا ينكرون أن يكون القدوة إنسانا مثلهم حتى سيره في الأسواق يرونه منقصة من قدره ومن خوارم المروءة{وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ لَوْلَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيرًا}(7)الفرقان، {وَما أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاقِ وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرًا}(20)الفرقان، وأبطل الله جل جلاله هذه الأفكار ... وأنا إنسان من جملة الناس والقدوة المؤثرة هي أن يكون الداعية والخطيب مثل الناس فإذا كان جامد المشاعر ميت الأحاسيس فضاً مع الجنس اللطيف فهو مريض ولا يصلح أن يكون في موطن القدوة ،بهذا المنهج الإلهي أقنع جمهوري بأنه لا تعارض بين خطبة الجمعة وقصيدة الغزل فرسول الله عليه الصلاة والسلام كان الخطيب والقائد والعابد وكان يسمع الشعر ومنه الغزل كما في قصيدة بانت سعاد بل منح صاحبها بردته جائزة ولا أظن الجمهور يفضل موروثات الجاهلية على منهج الله الذي ارتضاه لرسله ، نعم هناك طائفة يسقط قدر الخطيب في نظرها إذا قال كلاما في الحب الطاهر والتغزل العفيف ، إن قبول منهج الله وفطرته التي فطر الناس عليها خيرا لهذه الطائفة من هذه التصورات التي يرونها من تمام الاستقامة على الدين وهي من موروثات الجاهلية.


كما أنوه الجمهور الكريم أنْ لا يربط شعري بجغرافية جسد المرأة ويجعله حصريا عليها وإن كانت المرأة قارة يسافر إليها كل العشاق لكنها ليست العالم كله وليست الحب كله ، الحب عند الشاعر يعانق الكون كله ، الحب موجود في التراب والهواء والليل والماء وفي براءة الأطفال وحماس الشباب وفي ثورات الأحرار ، المرأة ميناء واحد يزودك بالعطر والبخور من بين مئات المواني ومن أسوأ الأمور أن يقف البحار في ميناء واحد لأنه مقبرة للطموح.


 :ربما ولج بعض الشعراء إلى القصيدة من باب الوصف أو الفخر أو الرثاء أو الحماسة وولجتها أنت من باب الغزل هل لك أن تشرح لنا سر ذلك؟


لأن المرأة هي الهم الجميل الذي ينام معك على الوسادة وهي مدرسة الليل وسكونه الذي يعلمك فن التعامل مع ضجيج وضوضاء النهار ، لكنني لا أعتقد المرأة عندما أكتب في الغزل أنها تلك الجارية التي تنتظرني في مقصورة الحريم بل المرأة عندي هي أرض الثورة وخطة التحرر ووسيلة التحرير ، إنها تعلمك الرحمة التي ينتظرها منك المعذبون في الأرض والتي تواجه بها قسوة الطغاة واستبداد القياصرة ، كما أن الولوج من باب الحب والمرأة تحرير للمرأة من استبداد العادات وإنقاذا لها من أنياب التقاليد القبلية ، يجب أن نكف عن اعتبار جسد المرأة ميدانا نجرب فيه شهامتنا ونثبت عنده رجولتنا فالمرأة ليست تحت رجولتنا بل وراء صناعتها فوراء كل رجل عظيم امرأة.



* :عرفناك خطيباً سياسياً فيلسوفاً ساخراً فما هي فلسفة الشاعر توهيب في القصيدة الغزلية؟ و ما هو البحر الشعري عند توهيب شاعر الحب والغزل؟ وما أسرار هذا البحر؟


السياسة أسلاك شائكة وكهف مظلم مليء بأشباح الغدر والخيانة والنفاق إنها منجم القسوة المظلم الذي تتبدد في أغوار دهاليزه أشعة الشفقة وأنوار الرحمة والعطف، ولا فرق بين السياسي والجلاد إلا أن هذا يجلد الأفراد وذاك يجلد الأمم والشعوب ، وأكبر السياسيين في أعرافنا وأعظمهم في نظرنا ذلك الذي نقرأ صفحات تاريخه فنرى حروفها أشلاء القتلى ونقطها قطرات الدماء ، والسياسي هو من عرفت أمته أنه لا يوجد بين أبنائها من هو أقسى منه قلبا ولا أعظم منه كيدا، بين جنبيه قلب متحجر لا يقلقه بؤس البائسين ولا تزعجه نكبات المنكوبين ، هذه هي السياسة وذلك هو مناخها إنها أشبه بتجارة الخل من هنا أحسست بحاجتي إلى زيارة مملكة الحب وأن أجرب تجارة العطر والبخور فهي أربح من التعامل مع تجار الخل ، احتاج إلى الراحة من الأسلاك الشائكة والنوم قليلا على أهداب المرأة حيث الهدوء والاطمئنان وأتعلم من الجنس اللطيف الرقة والرحمة واللطف حتى إذا كنت يوما سياسيا أشفق على غيري والسياسي الذي وصفه الأدباء سابقا لو رشف من بحر الحب رشفة وقرأ من شفق الحسن على خد الطفلة الحوراء كلمة لما كان مستبدا هذه فلسفتي في القصيدة الغزلية أتعلم السباحة في بحر الحب والمرأة الهادئ لأنقذ الغرقى في بحار السياسة الهائجة.


* :ماذا تعني لك هذه المفردات:- المرأة.. الأمة.. وكيف يوازن توهيب بينهما خطيباً وشاعراً؟


المرأة هي القصيدة التي جاءت.. والقصيدة التي لم أكتبها بعد هي المرأة المفقودة التي لم أجدها.


والأمة هي قبلة قصائدي التي أتوجه إليها بصلوات الحب من على مئذنة المرأة لتسكن هذه الأمة من اضطرابها المفتعل والمرأة والحب سكنها {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا }(189)الأعراف


* :زرت الكثير من البلدان خارج اليمن حدثنا عن شجون الدعوة والحب والقصيدة والجمال في تلك البلدان.


السفر لغة جديدة ولذيذة تزيد لغة الشعر التقليدية بهاءً وعندما يصبح المركب في البحر لك سريرا ومقعد الطائرة في السماء لك وطنا يكبر القلب ويمتلئ بصور الكون حتى يزدحم ويصبح كمدينة في قلب الصين..ومن أمنياتي على ربي أن أزور الكرة الأرضية أريد بعد الانصهار بشموس الشرق الأوسط أن أتجمد في أحد القطبين لأذوب مرة أخرى تحت شموس جديدة وأخلق خلقا جديدا وأنشأ نشأة أخرى أحب التغيير وأكره الجمود وأمل الوطن الواحد ما دامت أرض الله واسعة وقد وعد بالسعة المطلقة لمن هاجر { يَجِدْ فِي الأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً } (100)النساء،وحض على ذلك{ أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا }(97)النساء ، أفضل أن أكون الشاعر والخطيب العصفور وليس الخطيب والشاعر الشجرة لأنها لا تستطيع أن تحرك جذورها وتغير وطنها بخلاف العصفور يستطيع أن يكون له كل يوم وطن جديد...وتلك المناظر والبلدان أثرت علي كثيرا في تغيير نمط حياتي كلها خطيبا وحينما أكتب الشعر ... مئات الصور البديعة ، أصوات ولغات لم تألفها أذناي،ذحل البواخر أناقة الفنادق،ثم جلسة في استراحة تحس فيها بضجر المقهى وتقرأ الحزن على كأس الشاي وأشواق الأهل والأحباب حينما تعصف رياحها العاتية بوجدانك هذه الأجواء تخلق قصيدة لا تنتمي إلى وطن معين وشعرا لا جنسية له ولا ينتمي إلا لدولة واحدة هي دولة الإنسان...ومثلها الخطبة تكبر كلما كبر القلب في رحلات السفر فقبلها كان الحديث لا يتجاوز مسألة أربعة أمتار على الشارع الرئيسي لم يتحصل عليها بائع البطاطس في بلده لإعالة أهله في شعوب لم تصطلح مع حكامها إلى ساعة كتابة هذا الخبر وبعد السفر كبر الخطاب ليتجاوز مشكلة الأمتار الأربعة ليصبح بحجم سور الصين العظيم ويتجاوز الشارع التجاري الوحيد في البلدة التي يسكنها ثلاثة ملايين إلى نهر الدانوب الذي يعلوه جسر العبور والذي تمتع ناظريك من على صهوته بالعاصمة الهنغارية - بودا بست - عروس أوربا وهي ترتدي أجمل حلة حضارية.... ومن الحديث عن الشارع في بلدي إلى الحديث عن الحضارة في هوليود وباريس ودعوة الأمة إلى إطلاق سراح ذاتها الحضارية السجينة في قصور الطغاة.


* :يقولون وراء كل قصيدة شعر قصة أو حكاية. فكم قصةً تختبئ وراء القصيدة لدى توهيب؟


قصة واحدة هي الوطن وحكاية جميلة هي الحب والمرأة والثورة والبحث عن الذات ، ذاتي وذات شعبي التي أضاعها الزمان في متاهات المكان حيث لا نحن أحياء ولا موتى ولا أهل البلاد ولا أجانب تهوي المصائب فوقنا وتسوقنا من كل جانب وكأنما هي نفسها ابتليت بنا وكأنما نحن المصائب.


 :من يكتب الآخر أنت أم القصيدة؟ وهل تنازعك القصيدة خطبة الجمعة؟


الخطبة تصهرني وتشكلني حتى تصنع مني صفحة بيضاء لتكتب القصيدة نفسها عليها ، وقلبي كما هو بيت للحب هو أيضا وطن للمعذبين في الأرض، والقصيدة الشعرية هي إشعال عود ثقاب في أشجار الغابة اليابسة وعملية انقلابية يخطط لها وينفذها خطيب ثائر والغرض من وراء ذلك تغيير صورة الكون.


* :ماذا أعددت للشعراء؟ وهل تريد أن تقول ما لم يقله الشعراء؟ أم أنك متبع ولست بمبتدع؟


لا أقول أنني أريد أن أقول ما لم يقله الشعراء بل أريد أن أعمل ما لم يعمله الشعراء وهذا ما أعددته لهم ولذا يمكنك القول أنني متبع في القول مبتدع في العمل وتحديد الهدف.


:اختر للجمهور قصيدة تعز عليك تتويجاً لهذا اللقاء.


إنها أعز قصيدة عندي لأنني قلتها في المرأة. المرأة التي كانت السر وراء تكوين شخصيتي وصقل مواهبي إنها زوجتي العزيزة أم البراء ومحمد ذكرى عبد الرحمن الدبعي أذكر اسمها فخرا على سنة أبي القاسم الذي عندما سئل عن أحب الناس إليه قال: عائشة وقال لها: أنا خير لك من أبي زرع لأم زرع ، والقصيدة قلتها بعد فراقها عند عودتي إلى الديار من موطن الدراسة لقضاء أعمالي المتعلقة تاركا الزوجة مرابطة في بلد الدراسة في ماليزيا بجوار الأبناء وصمدت قرابة الثلاثة الأشهر لوحدها هناك ولو كنت مكانها لعجزت أن أقوم بما قامت به في بلد الغربة، ولن أعلق على القصيدة فهي التي كتبت نفسها والكفيلة ببيان أجوائها:


لولاك ما كان الهوى لولاكِ


أنت الهوى والعشق أنت ملاكي


طوفت في بحر الجمال سفينتي


تختال لكن صادها مرساكِ


أمسي وأصبح والفؤاد متيم


سئم الوجود وسحره إلاك


وكأنما الخلاق جل جلاله


من نسمة الفجر العليل براكِ


يا كوثر الظمآن من نار الهوى


يا رقية القلب العليل الشاكي


يا زهرة من جنة الخلد احتوت


حسن الحسان ورقة الأملاكِ


ما البدر في قلب السماء وحسنه


لو شاهد العذال بعض حلاكِ


ما الفجر ما ظل الغيوم وما الندى


الحسن منكِ وكلهم أسراكِ


مهما يقول العاشقون عن الهوى


فأنا بكل لغاتهم أهواكِ


يا دوحة الريحان يا فينوستي


روحي وروح العالمين فداكِ


بادلتها قُبَل الوداع ولوحتْ


بالكف نحوي والعيون بواكي


روحي فدا خديك يا نبع الوفا


ما أمطرت دمعَ النوى عيناكِ


فارقتُ طيفك ثم ضاجعتُ الأسى


فمتى يكحل أعيني مرآكِ


أعماق روحي بادلت عيني البكا


ومناي في دنيا الهوى لقياكِ


من لي وأشواقي وسهدي والنوى


من لي إذا هجع الأنامُ سواكِ


ولكمْ سهرتُ مع الحنين كأنما


يتلو على أذني لحن خطاكِ


وأهيم في ليل الغرام ومنيتي


أروي ظما وجدي بلثم لماكِ


أدعو الذي فطر القلوب على الهوى


أن يجمع القلبين تحت دفاكِ