رفقة محمد بن زايد.. شاهد ثاني ظهور لطارق صالح عقب إصابته بحادث مروري في الساحل الغربي حزب الإصلاح يعلق على إشهار التكتل الوطني للمكونات السياسية تونس تحقق نجاحاً كبيراً في تصدير الذهب الأخضر إسرائيل تدك أكثر من 40 ألف وحدة سكنية في جنوب لبنان وتجعلها ركاما وانقاضا عاجل: أمريكا تحبس أنفاسها وتتحصن مع تفاقم التوترات وترامب يعلن واثق من الفوز وايلون ماسك يحذر من هزيمة المرشح الجمهوري واخر انتخابات في تاريخ أمريكا لأول مرة في تاريخها… التعديلات الدستورية الجديدة في قطر وتجربتها الديمقراطية عثمان مجلي يصارح الخارجية البريطانية: الجميع يدفع ثمن منع الشرعية من تحرير ميناء الحديدة بحضور دبلوماسي ومباركة رئاسية .. عدن تشهد ميلاد أكبر تكتل وطني للمكونات السياسية يضع في طليعة أهدافه استعادة الدولة وإقتلاع الإنقلاب وحل القضية الجنوبية مجلس القضاء الأعلى بعدن يصدر قرارات عقابية بحق إثنين من القضاة مقتل امرأة في قعطبة بالضالع برصاص الحوثيين
مع هيمنة النسبية على الحياة في الولايات المتحدة الأمريكية، احتج البعض على عرض المجلات الإباحية في الأسواق، وبيعها للقُصّر، بينما لم ير آخرون بها بأسًا، فوقع القضاء في حيرة، وانتهى إلى أن معيار تحديد الإباحية يرجع لكل جماعة محلية أو ولاية على حدة، فترتّب على تحديد المعايير وفق النسبية مشكلة أخرى، فالقادم من نيويورك التي تسمح بذلك إلى نيوجيرسي التي تمنعه، كيف سيتعامل معه القانون؟ هل سيحاكِم القانون والدَ القاصر باعتبارها مخالفة لقوانين نيوجرسي المانعة؟ أم سيعفو لأنه اشتراها من نيويورك المُبيحة؟
إن هذه الحادثة تشير إلى ضرورة وجود مرجعية نهائية تحدد معايير الحسن والقبيح، وهي الفكرة المركزية التي تصيغ الأفكار، وترتكز عليها النظرة إلى الكون في مجتمع ما، وإليها يرُدُّ كل أفكاره، ويؤسس عليها أنظمته الحياتية، سياسية كانت أو اجتماعية أو اقتصادية. فالمرجعية النهائية سابقة على كل عقد اجتماعي، تُستمد من النسق الحضاري والقيمي للمجتمع، وليست نتاج التجربة أو قوانين العقل والماد، لكن النسبية كما اتضح من المثال غير صالحة، وأي تحديد للمرجعية النهائية على أساس العقد الاجتماعي منفردًا سيحدث فيها الشيء نفسه، فماذا لو انضم ابن مجتمع ما إلى مجتمع آخر؟ كيف سيحدد مرجعيته النهائية؟ هل ستكون وفقا للمجتمع، الذي أتى منه؟ أم المجتمع الذي ذهب إليه؟
وماذا لو قُسِّم هذا المجتمع أو الدولة، أو صار لكل من شطريه حكمٌ ذاتي، هل ستختلف المرجعية النهائية لكل منهما؟ وماذا لو كانت بيوت العائلة الواحدة موزعة في الشطرين؟ هل سيجعل كل منهم مرجعيته النهائية باعتبار الجغرافيا؟ أم التراث والقيم التي نشأ عليها مع عائلته؟
لذلك يؤكد العالم الموسوعي عبد الوهاب المسيري رحمه الله ـ وهو من أبرز من تناول المرجعية النهائية بحثا وتحليلا ـ أنه لا يمكن لأي مجتمع أن يُحدد وجهته واتجاهاته وأولوياته من دون تحديد المرجعية النهائية، ومن دونها سيفتقد المجتمع المعايير التي يمكن أن يحكم بها على ما يحيط به من ظواهر، وما يقع له من أحداث. وليس تحديد المرجعية النهائية مهمًا من أجل تسيير حياة المجتمع وتحديد معايير الحسن والقبيح فحسب، بل هي تحدد للمجتمع أو الأمة العدو من الصديق، فعلى سبيل المثال: في الصراع العربي الإسرائيلي – الذي لم تعد تصلح له كلمة صراع حاليا- المرجعية النهائية وحدها هي التي تحدد، هل الكيان الصهيوني عدو أم لا؟ فلو كانت مرجعيتنا في مواجهة الصهاينة مرجعية اقتصادية، فلا يكون هناك جدوى ومبرر للصراع، طالما كانت هناك علاقات اقتصادية بين العرب والصهاينة، لكن الأمر سيختلف حتما إذا ما كانت المرجعية إسلامية، حيث سيتم التعامل مع الكيان الإسرائيلي على أنه كيان لقيط مُحتل لقطعة من أرض المسلمين، ما يستوجب نصرة كل البقاع الإسلامية للفلسطينيين، باعتبارهم جزءًا من نسيج الأمة الإسلامية. لكن قد يقال، لماذا لا تكون المرجعية النهائية للأمة فكرة أخرى غير الفكرة الإسلامية، العلمانية مثلا أو الليبرالية؟ لأنه كما أكد علماء الاجتماع قامت معظم الحضارات على أساس الدين بشكل أو بآخر، أرنولد توينبي مثلا يقول في مختصر دراسة التاريخ: «إذا ما ألقينا ببصرنا على الحضارات، التي ما برحت قائمة حتى يومنا الحاضر، نجد أنه يكمن وراء كل منها نوع من العقيدة الدينية العالمية، وعلى هذا النحو تصبح العقيدة الدينية جزءًا من نظام الاستيلاد الحضاري».
ويؤكد في كتابه «التحديات الكبرى» على أن أسلوب الحضارة إنما هو التعبير عن ديانتها، وأن الدين هو القوة الروحية التي جعلت كل مجتمع متحضر متماسكًا زمنًا. فكل حضارة تنبش في أصلها ستجد أنه الدين، إما وحيًا من السماء، أو على الأقل التوجه إلى معبود غيبي حتى وإن كان معبودا لا يستحق العبادة، كحال الحضارة الفرعونية التي قامت على أساس ديني، والحضارة البوذية التي كانت التعاليم البوذية هي بذورها. أما العلمانية أو الليبرالية وغيرها، فهي لا تصلح أن تكون فكرة مركزية، لأنها لا تنبع من النسق الحضاري والقيمي للأمة، وليست متوافقة مع منظومة القيم الإيجابية المترسخة في الوجدان العام للمجتمع، وكونت هويته الثقافية، بل إن هذه الاتجاهات قد استوردت الفكرة المركزية من بيئة خارجية مناقضة تماما لتاريخ وثقافة وقيم وهوية أمتنا، وكان ظهورها في أوروبا نتيجة سيطرة الحكم الكهنوتي الثيوقراطي، الذي يختلف تماما عن صورة النظام الإسلامي الذي هو في أصله حكم مدني بمرجعية إسلامية. ثم قد يرد تساؤل آخر، ولماذا الإسلام تحديدًا؟
الجواب أن الحضارة الإسلامية هي الهوية الثقافية التي انتهى إليها الإنسان العربي، وتشبّع بها، وصبغت تاريخه وحياته وتكوينه، بعدما انصهرت فيها جميع الحضارات السابقة، علمًا بأن القول بوجود راية حضارية إسلامية جامعة لكل أبناء الأمة، بمن فيهم غير المسلمين، ليس كلامًا نظريا، وإثارة اللغط حول ذلك هو قضية معاصرة، فخصوصية الأمة العربية بكافة مللها مستمدة من الإسلام الحضاري، فهو بالنسبة للمسلمين مرجعية دينهم، الذي يدينون به لخالقهم، وبالنسبة لغير المسلمين فهو مرجعية الحضارة التي تميزت بها أوطانهم. إن قضية تعيين المرجعية النهائية ليست ترفًا ولا بدعًا من القول، والمجتمع الذي لا يحدد مرجعيته النهائية، حتمًا سيتبنى المرجعية النهائية لغيره، أدرك ذلك أم لم يدركه، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
كاتبة أردنية