القاعدة .. وعلماء السوء.. آخر أوراق النظام
بقلم/ عادل عبد المغني
نشر منذ: 13 سنة و 3 أسابيع و 5 أيام
الخميس 06 أكتوبر-تشرين الأول 2011 07:34 م

كما تتساقط أوراق الأشجار في فصل الربيع، تتساقط أوراق الدكتاتوريات العربية المستبدة في ربيعنا العربي الجميل الذي ينتهي بسقوط مدوي للزعامات الورقية.

ولان فصل الربيع يمثل - وفق علم المناخ - المرحلة الانتقالية بين فصلي الشتاء والصيف، فلا بأس إذن إن طال ربيعنا اليمني نظرا للشتاء الطويل الذي عشناه على مدى 33 عاما ببرده القارس وليله الطويل والمظلم. وهو الشتاء الذي شهد انتشارا واسعا لخفافيش الظلام ونموا للأوراق المغلفة التي تتغذي عليها الحشرات الطفيلية وتستمد منها البقاء.

وكي لا نبحر بعيدا بالحديث عن المناخ، يؤكد فقهاء السياسية أن نظام صالح اغرق البلد طيلة فترة حكمه بأزمات عدة ومخططات يرتقي بعضها إلى مستوى المدمرة لليمن، إلا انه لم يتردد في إدارتها طالما وهو وحده من يتحكم بخيوطها وتوظيفها بما يخدم مصالحه الشخصية ويحافظ على بقاءه في سدة الحكم.

ومنذ سنوات حكمه الأولى كان الرجل يزج بخصومه من رجال القبائل اليمنية في أتون الحروب المستمرة باستمرار تمويله لكلا الطرفين وإمدادهما بالسلاح والعتاد. مثلما كان يشعل الخلافات ويذكيها بين فرقاءه السياسيين، ناهيك عن اللعب بأوتار المناطقية والمذهبية والطائفية التي لم يكن لها وجود بين اليمنيين.

إقليما فرط صالح بمساحات شاسعة من الأرض اليمنية لصالح السعودية دون أي مقابل سوى ضمان دعمها لبقائه رئيسا أو مندوبا ساميا للرياض في صنعاء. وقبل بروز ورقة الإرهاب كان الرجل يستجدي رضا المجتمع الدولي بامتيازات نفطية وعقود بيع مجحفة بحق البلد ابرمها مع شركات أمريكية وأوروبية.

أوراق يابسة في طريق الثورة

كل هذه الأوراق وغيرها العديد استحضرها صالح في مواجهة الثورة الشعبية، لكنها لم تمكث طويلا أمام الربيع اليمني الذي أظهرها يابسة لا تقوى على الصمود أمام عزيمة شباب اليمن وكل قواه الحية.

ومنذ اندلاع شرارة الثورة الشعبية لوح صالح بورقة انفصال الجنوب وعودة صعدة إلى ما قبل ثورة سبتمبر، فبدت اليمن شمالا وجنوبا أكثر وحدة وتناغما وانسجام تحت ظلال الثورة، وخرج أبناء عدن ومختلف المحافظات الجنوبية بالأعلام الوطنية والشعارات الوحدوية المساندة للثوار في صنعاء واب وتعز، وكذلك الحال بصعدة وأبناءها الأكثر وطنية وغيرة على تراب البلد من بائعيه.

حاول النظام إعلاء نبرة المناطقية بين أبناء الشمال فأعلن رجال القبائل انضمامهم إلى ثورة الشباب، وهدد بالجيش فتعهد بحماية ساحات التغيير والحرية والكرامة.

سلم مدن أبين ومديرياتها إلى القاعدة المصطنعين فأتى جيش الثورة لدحرهم وتحرير اللواء 25 ميكا الذي ضحى به صالح لتحقيق أهدافه وجعله طيلة ما يزيد عن ثلاثة أشهر محاصرا دون ماء أو غذاء بانتظار الموت.

أعد لحرب أهلية وسلح جموع البلاطجة، فكانت صدور شباب الثورة ابلغ تأكيد على سلمية ثورتهم حين واجهوا بها رصاصات القناصة وقذائف (الار بي جي) ومضاد الطيران.

مكابرة

كما لو انه لم يتعظ بعد من دروس التاريخ بشقيه القديم والحديث، يبدو ان صالح لا زال يراهن على العودة بالزمن إلى ما قبل الربيع العربي. ومع انه يعلم يقينا أن الثورات لا تهزم ولم يسبق على مر التاريخ ان عاد مارد الثورة الى قمقمه قبل الهدف الذي خرج من اجله، إلا انه يحاول مكابرا البقاء في دار الرئاسة ما استطاع من الأيام حتى ولو كان هذا البقاء باهتا وخاليا من كل ما يمت صلة للمنصب الرئاسي سواء فيما يتعلق بالبروتكولات المتعارف عليها أو اتيكيت التعامل من قبل زعماء الإقليم والعالم، ناهيك عن ما يعتمل في الداخل إزاءه.

ولان الأمر كذلك فما زال الرجل مستمر في المناورة واستخدام كل الوسائل لإرضاء الخارج ودفعه للصمت إزاء رغبته الجامحة في التشبث بالسلطة، ليعمد مجددا إلى ورقة القاعدة التي يعود صالح لاستثمارها من خلال مقتل أنور العولقي الذي تعده واشنطن ابرز القيادة المطلوبة في تنظيم القاعدة.

ومع أن المخابرات الأمريكية هي من نفذت عملية اغتيال العولقي دون علم مسبق للأجهزة الأمنية اليمنية في انتهاك متكرر للسيادة اليمنية ودستور البلد، إلا أن بقايا النظام سارعت إلى الاحتفاء باستباحة الأراضي اليمنية من قبل سلاح الجو الأمريكي، والادعاء بان أجهزة الأمن اليمنية هي من خططت لهذه العملية، قبل أن يتم فضحها من قبل مسئولين أمريكيين أكدوا ان الاستخبارات الأمريكية هي من نفذت الهجوم بطائرات أمريكية دون طيار، ليعود بوق السلطة عبده الجندي بتبرير أكثر سخافة بالقول انه لولا رضا السلطات اليمنية وتسهيلاتها لما تمت العملية.

والواضح ان صالح لم يكن يرغب في اغتيال العولقي نظرا لما يمثله من ثقل "قاعدي" في نظر الأمريكان الذين يتعاملون مع ما يجري في اليمن من زاوية الإرهاب فقط ، لكن حين اغتيل العولقي لم يتردد النظام في محاولة توظيف الحادثة وتذكير واشنطن بشراكتها الجادة مع صنعاء بهدف ثنيها عن دعوة صالح لنقل السلطة، غير ان المجتمع الدولي أدرك مؤخرا لعبة "صالح والقاعدة" وهو ما بدا واضحا من حديث صحيفة الاندبندنت البريطانية التي قالت في افتتاحيتها الصادرة الاحد أن صالح خسر بمقتل الأمام العولقي الوزة التي تبيض له ذهباً.

 ورقة العلماء وفتوى السنوات العجاف

بعد أن هوت كل أوراق صالح على الأرض اتجه الرجل صوب السماء للبحث عن دين جديد يتيح له إبادة معارضيه، فولى وجهه صوب من يطلق عليهم اصطلاحا علماء ليفتوه في ما يراه من سنوات عجاف تنتظره وتهدد سنواته السمان السابقات. وهي بلا شك آخر أوراق النظام لكنها أخطرها على الإطلاق كونها تحاول شرعنه القتل وسفك الدماء.

وما يمكن وصفه بجرس الإنذار لموجة عنف يعد لها صالح هو بيان رأي العلماء الذي طلبه الرجل لتوضيح كيفية التعامل مع خصومه سواء المتظاهرين الشباب أو من يقفون ورائهم، لتأتي الفتوى أشبه ببيان حرب حرم فيه "علماء السوء" الخروج بمظاهرات على ولي الأمر، ووصفوا خصومه المسلحين بالبغاة وجنود السلطة المقاتلين بالمجاهدين في سبيل الله، الأمر الذي آثار حفيظة اليمنيين وأشعل حرب فتاوى واتهامات متبادلة بين علماء اليمن الذين أراد لهم صالح أن يظهروا كفريقين مختلفين.

ويبدو أن صالح يريد أن يصبغ حربه المرتقبة على معارضيه برداء ديني يرفع من معنويات مقاتليه ويحمل من أفتوا بالمقدمات فاتورة النتائج.

وتعيد هذه الفتاوى بذاكرة اليمنيين إلى حرب صيف 94م التي سبقتها فتوى دينية طلبها صالح من العلماء فاندفع البعض منهم الى الدعوة للجهاد في سبيل وحدة اليمنيين ومقاتلة "الشيوعيين" الذين أرادوا شق صف المسلمين، فوقعت الواقعة، التي لا زالت أثارها كارثية على اليمن حتى اليوم وسط مخاوف اليمنيين من حرب جديدة تحت راية الدين يحاول صالح أن تكون هذه المرة أشمل وأعم ، كي لا تبقي ولن تذر.