القاعدة لم تتبنى حتى اللحظة .. وأمريكا قد تكون خلف الستار لإعادة أسبانيا الى حربها .. والدولة الفارسية تريد تخفيف الضغط على الحوثيين

الأحد 29 يوليو-تموز 2007 الساعة 09 صباحاً / مارب برس - عارف ابو حاتم - القدس العربي
عدد القراءات 7102

تضاربت الأنباء حول الفاعل الحقيقي في احداث مأرب. ثم جاء ما يشبه الإفصاح عن طبيعة الفعل، دون تحديد هوية الفاعل. وبعد تامل في طبيعة ما جري، والظروف الزمانية والمكانية للحادثة، تجلت احتمالات ثلاثة، علَّ في احدها تكمن صورة الفاعل/القاتل.

بعد يوم واحد من الحادثة، كشف رئيس الجمهورية عن معلومات اولية تشير الي ان الفاعل يحمل جنسية عربية وليس يمنيا. وفي مساء اليوم التالي كانت قوات امن كثيفة تحاصر منزل المصري احمد بسيوني دويدار، غرب العاصمة، لعدة ساعات انتهت بمقلته. غير ان الامن قال ان دويدار قاوم بشدة واستخدم اسلحة خفيفة، ورمي الامن بثلاث قنابل، في حين انفجرت الرابعة بيده وقتلته. الا ان الاعلام (غير الرسمي) نقل عن شهود عيان قولهم عدم مقاومة دويدار اطلاقاً، بل طلب منهم السماح لزوجته اليمنية وطفليها بالخروج من الشقة، فامتنع الامن، ثم سُمح لها في ساعة متاخرة من الليل، فيما رفض الامن خروج دويدار حياً.

ويذهب الاعلام (غير الرسمي) الي ان الامن اراد بذلك تغطية فشله، في تامين سلامة الطريق وعدم التوصل الي هوية الفاعل الحقيقي، باعتبار ان دويدار رجل عجوز، هادئ، يعمل محاسباً في شركة العودي للتناوير (المواقد الحديدية)، وفصل منها قبل شهر ونصف شهر من مقتله، وعمل محاسباً في اكثر من شركة اهلية يمنية، وقضي اربع سنوات (94 ـ 98) موجهاً مالياً وادارياً في وزارة التربية والتعليم، ورجل مثل دويدار ـ براي الاعلام ـ يمكن احضاره باتصال هاتفي.

اليمن والارهاب

كان اول ظهور علني للارهاب في اليمن عند اختطاف 5 سياح بريطانيين علي يد الجهادي ابو الحسن المحضار، زعيم جيش عدن ابين الاسلامي ، في العام 1997 وتلت ذلك محاولة فاشلة نفذها الارهابي الاسباني نبيل نايكي بتفجير عبوات ناسفة في عدن، لياتي بعدها الانتصار الكبير لتنظيم القاعدة في اليمن المتمثل في تفجير المدمرة الامريكية (يو. اس. اس. كول) في الـ10 من تشرين الاول (اكتوبر) 2000 بزورق مطاطي في ميناء عدن وقتل فيها 17 بحاراً امريكياً، واتلاف جزء كبير من المدمرة، وتكبيد الاقتصاد الوطني ملايين الدولارات، نتيجة رفض شركات الملاحة العالمية التوقف في الموانئ اليمنية للاستراحة او التزود بالوقود، وفرضها الرسوم باهظة الثمن علي الشركات التي تطلب ذلك، علاوة علي تشوه كبير اصاب سمعة اليمن دولياً (هذا بصرف النظر عن مطالب الجانب الامريكي ازاء صمته علي دماء رعاياه التي اهرقت وتلك المطالب لم تفصح عنها واشنطن حتي الآن).

وفي الـ6 من تشرين الاول (اكتوبر) 2002 حقق القاعدة انتصاراً آخر باستهداف ناقلة النفط الفرنسية ليمبورج في ميناء المكلا (شرق اليمن) لتفاقم بذلك خسائر اليمن واقتصادها الوطني.

ومنذ ذلك الحين وحتي استهداف فوج سياحي اسباني في الـ2 من تموز (يوليو) الجاري قرب معبد اوام بمحافظة مأرب الاثرية (شرق اليمن) لم يحقق تنظيم القاعدة اي انتصار في الاراضي اليمنية، وذاك سبب يعود فضله لاحكام الامن سيطرته علي تلك العناصر، واختراقها في كثير من الحالات.

وما بين احداث مأرب وتفجير ليمبورج لم يقم الارهابيون باية عمليات جماعية، خلال السنوات الخمس الماضية، رغم قتل السياسي جار الله عمر، الامين العام المساعد للحزب الاشتراكي اليمني في الـ28 من كانون الاول (ديسمبر) 2002، علي يد المتطرف المحكوم بالاعدام علي السعواني، وبعدها بيومين فقط قام متطرف آخر يدعي عابد كامل بقتل ثلاثة اطباء امريكيين بمستشفي جبلة وسط اليمن، وهاتان عمليتان فرديتان. وفي 15 ايلول (سبتمبر) الماضي ـ قُبيل الانتخابات الرئاسية بـ5 ايام ـ تعرضت منشأتان نفطيتان لمحاولة تفجير فاشلة، من قبل تنظيم القاعدة ، غير ان المعارضة اليمنية شككت في صحة الحادثة.

الاحتمال الاول: ما ذهب اليه الاعلام سيذهب بنا الي مكان قصي، في المهمة نفسها، مهمة البحث عن فاعل قتل ارواحا بريئة، واضر باقتصاد وطن.

العنوان العريض لهذه المهمة هو: ما حدث، هل هو استهداف رعايا اسبان، ام اسبانيا الدولة والسياسة؟! .

يعد خوسيه ازنار رئيس الوزراء الاسباني السابق، ذو التوجه الليبرالي، اهم حلفاء امريكا في الاتحاد الاوروبي، وشريكها في حربها ثم احتلالها للعراق.

في الـ11 من آذار (مارس) 2004 استنفرت اسبانيا رجال امنها ومخابراتها واطبائها ومستشفياتها، عقب نجاح تنظيم القاعدة في تفجير عشر محطات قطار في عملية ارهابية وسط العاصمة مدريد، راح ضحيتها 201 شخص واصيب 1500 آخرون، ينتمون الي 11 دولة.

وما وصف حينها بسوء تعامل حكومة ازنار مع الاحداث، قلب الطاولة في وجهه، وجلب عليه غضبا شعبيا عارما، توج باسقاطه من رئاسة الحكومة، في الانتخابات الاسبانية، التي جرت بعد شهر واحد من التفجيرات، وجاءت الي السلطة بنقيضه اليساري خوسيه ثاباتيرو ، زعيم الحزب الاشتراكي الاسباني، وهذا رجل غير راضٍ عن سياسة حكومة بلاده التابعة للولايات المتحدة، فكان اول قراراته سحب قوات بلاده من العراق، ليزداد الانكسار الامريكي هناك، اذ خسرت ضلعاً اوروبياً هاماً في بلاد الرافدين.

(مع الاشارة ـ وليس الحديث ـ الي ان حزب اليمين الليبرالي الاسباني المعادي للعرب وقضاياهم، وتعدي ذلك الي حرب واحتلال بلد عربي، قد جاء الي السلطة منذ السبعينيات، بدعم ومال عربي، وتم بناء الاقتصاد الاسباني (ثامن اقوي اقتصاد في العالم) باموال عربية تجاوزت الـ100 مليار دولار، كل ذلك من اجل تعزيز حضور توجه اليمين الليبرالي، واقصاء اليسار، كجزء من مهمة غبية للعرب في الحرب الباردة).

خسارة واشنطن لحليفها الهام في اوروبا، دفعتها الي الضغط علي مدريد للعودة الي صف الولايات المتحدة في حربها علي الارهاب في العالمين العربي والاسلامي، وتمثل الضغط الامريكي باكثر من وجه، منها التخطيط لاستهداف سياح اسبان في غير مكان عربي، وبدءاً من اليمن، البلد الاضعف امناً، او لنقل: الاقل خبرةً وقدرةً علي مكافحة الارهاب. وهنا لا يستبعد ان تكون واشنطن فاعل اسندته ايد عربية، سواء كانت ايادي رسمية، ام ايدي شبان اسلاميين متحمسين لقضايا دينهم (مع العلم انها ليست المرة الاولي التي تستخدم فيها واشنطن الاسلاميين الجهاديين، فقد سبق وان استخدمتهم في حربها علي السوفييت في ارض افغانستان).

قوة الانفجار الذي اودي بحياة سبعة سياح اسبان، ويمنيين اثنين، ادت ايضاً الي مصرع اجابة مهمة، لسؤال جوهري: كيف تمكنت قوات الامن اليمنية، من تحديد هوية احد المخططين للجريمة (بسيوني دويدار) قبل تحديد نوع السيارة المفخخة!؟

وذاك سؤال ولد في اذهان الموجهين اصابع الاتهام لواشنطن، فكان ارضية لفرضية منطقية قادت الي استنتاج غير قاطع.

الاحتمال الثاني: راي آخر يشير الي تورط تنظيم القاعدة، بحسب الرؤية الرسمية (رغم عدم تبني القاعدة للحادث، حتي الآن). وما يدفع نحو صحة هذا الراي هو حديث القاعدة في اكثر من مناسبة، عن وجود العشرات من الاديرة (الدِّير اصغر من كنيسة) في العاصمة صنعاء تتخذ للتبشير بالمسيحية، وان المشرفين عليها اسبان.

فضلاً عن كون القاعدة تنظيما ارهابيا، نصّب نفسه للدفاع عن الاسلام ضد دولٍ غربيةٍ معادية، وحكوماتٍ عربيةٍ موالية، حسب تعريفاتهم المستمرة. لذا لا يستبعد ان يكون القاعدة فاعلاً حقيقياً لاحداث مأرب انتقاما من الحكومة الموالية وممن تصفهم بـ التبشيريين الصليبيين ، وان يكون (القاعدة) نسق للحادثة عن طريق جهادي سابق استوطن اليمن منذ العام 1992، هو المصري احمد اسماعيل بسيوني دويدار، وعمل في اكثر من وظيفة مدنية للتمويه، لصرف الانظار عنه، خاصة اذا اُخذ بالاعتبار تاريخ دويدار المحكوم غيابياً بالسجن المؤبد في القضية رقم (1998م/8) جنايات عسكرية، في جمهورية مصر، وهي القضية المعروفة بـ العائدون من البانيا وكان ترتيبه الرابع من اصل 107 شملهم قرار الاتهام، لكنه ظل متنقلاً بين اكثر من دولة مصطحباً زوجته ارملة خالد عوض مهندس محاولة اغتيال عاطف صدقي رئيس الوزراء المصري الاسبق، حتي استقر به المقام في اليمن، وحيداً، ليتزوج لاحقاً بامراة يمنية، وينجب منها طفلين.

ورغم الذاهبين الي هذا الراي، فان ثمة جهاديين يدافعون عن دويدار ، وبحسب ما نسبته الصحافة الي الدكتور هاني السباعي ـ احد ابرز قادة جماعة الجهاد الاسلامي (مقيم في لندن) ـ فان دويدار اختلف مع جماعته منذ فترة طويلة بسبب رفضه فكرة قتل السياح الاجانب في البلاد الاسلامية، واشتغاله بالفكر والسياسة.

الاحتمال الثالث: احتمال ثالث مهما بدت علامات الضعف فيه الا انه وارد، اذ الاتهام هنا موجه الي الدولة الفارسية ايران ، وهدفها من ذلك تخفيف الضغط الحاصل علي الجماعة الموالية لها في جبال بعض مديريات محافظة صعدة (شمال اليمن).

فبعد تمكن الوساطة القطرية بين الدولة وجماعة المتمردين الحوثيين، من وقف اطلاق النار، وتحقيق خطوات عملية، شعر الحوثيون بان تسليم اسلحتهم المتوسطة والثقيلة للدولة، ونزولهم من التحصينات في قمم الجبال ـ حسب بنود الاتفاق ـ سيجعلهم طُعماً سهل المنال للجيش، لذا لا بد من الالتفاف علي الاتفاق عن طريق المماطلة في التسليم، واضعاف الطرف الآخر (الدولة)، وهذا لا شيء يضعفه ويجلسه علي طاولة الحوار مهزوز القرار، مثلما يضعفه امنه؛ فتم اللجوء الي فتح جبهة تمرد اخري في جبال ابين (شرق اليمن)، عن طريق ضابط متقاعد يدعي سعيد شحتور ، سبق له وان طلب اللجوء السياسي في ايران، ومكث فيها ستة اشهر، غير ان اقتراب اعلان الوساطة القطرية بين الدولة والحوثيين، افشل مشروع شحتور ، وظل عالقاً بين الجبال، دون مقاومة او استسلام!!

ومع بقاء لجنة الوساطة القطرية، والحزبية (اعضاء في مجلسي النواب والشوري اليمنيين) في محافظة صعدة حتي يتم تنفيذ بنود الاتفاق، وشكواها الدائمة من المماطلة، ورضوخ الدولة اكثر من مرة بتمديد مهلة التنفيذ، كررت ايران محاولتها في زعزعة الامن الداخلي لليمن من خلال افتعال احداث مأرب الدامية. وتداعيات الحادثة علي المستويين الرسمي والشعبي، صرفت اذهان كثير من الناس عما يجري في صعدة ، واربك الجهاز الامني للدولة في اكثر من مكان.

وما يعزز القناعة بهذا الاحتمال، هو اشارة رئيس الجمهورية خلال المؤتمر الصحافي في اليوم التالي لاحداث مأرب الي ان الدولة التي فشلت في تحقيق اهدافها في محافظة صعدة، هي من طلبت تدخل الوساطة القطرية ، والآن تريد تخفيف الضغط الحاصل علي جماعتها الموالية في شعاب الجبال، من خلال اشغال الدولة اليمنية باكثر من قضية، ولا يمكن الشك في ان ايران ليست بمنأي عن احداث مأرب، فقد سبق لها ان عبثت بالامن القومي العربي، في غير دولة من العراق الي فلسطين الي مصر ثم السعودية والبحرين واليمن.

وما يدفع نحو هذا الاحتمال هو ارسال الرئيس الايراني احمدي نجاد مساعد وزير خارجية بلاده محمد رضا باقري الي صنعاء بعد اسبوعين من الحادثة، لتسليم الرئيس صالح رسالة لم يفصح عن طبيعتها.