من يستهدف العسكريين؟ ولماذا تستمر روؤس قادة الضباط والجيش في السقوط؟

الأربعاء 02 يناير-كانون الثاني 2013 الساعة 06 مساءً / مأرب برس - أحمد الصباحي
عدد القراءات 5868
في الـ25 من ديسمبر الماضي، أوقف العقيد سمير الغرباني سيارته أمام ورشة مكانيكية في منطقة "حزيز" جنوب صنعاء، وقبل أن يطلب عامل الورشة ليتفقد إطارات السيارة، كانت رصاصة الغدر تخترق أذنه اليسرى لتستقر في الدماغ..
وظل العقيد في الحرس الجمهوري منذ ظهيرة ذلك التأريخ في حالة موت بعد أن كشفت الأشعة المقطعية عن وجود شظايا في دماغه، الرصاصة كانت من نوع خاص، لا ينفجر إلا داخل الهدف.
ظل العقيد الغرباني في حالة وفاة حتى ظهر الجمعة 28 ديسمبر مات حينها ولم يكن قد نطق بكلمة واحدة منذ يوم الحادث.
كان والده المتقاعد من الجيش قد أصيب بالذهول من الحادثة، قابلناه بعد مغرب الجمعة، ظهر أنه أصبح مطمئنا أن ولده مات مظلوما وليس ظالم "مات غدرا وبطريقة حقيرة" بحسرة يقول والد العقيد سمير الغرباني.
لم يكن العقيد في الحرس الجمهوري سمير الغرباني الأول في قائمة الاغتيالات فقد أغرقت جريمة الاغتيالات بأسلوبها الوحشي معا قتل كبار قادة الجيش وعقوله المدبرة.
قبل اغتيال الغرباني بساعة سقط العميد فضل الردفاني في منطقة باب اليمن مغطىً بدمائه بعد مرور دراجة نارية بجواره. ’’الدارجة النارية نفسها والمسدس الكاتم للصوت نفسه قد يكونان هما الذين قتلا الغرباني’’. يقول أحد شهود العيان لحادثة سقوط الردفاني.
مؤخرا تزايدت حوادث الاغتيالات لضباط الجيش والمخابرات باليمن، ما أدى إلى قلق في الأوساط الشعبية والسياسية في البلد. حتى أصبحت ظاهرة يومية لافتة للنظر خصوصا أنها جرت في صنعاء وحضرموت وغيرها من المدن و استخدم منفذوها الدراجات النارية نظرا لسهولة حركتها وفقدان أثرها في الأزقة والشوارع الضيقة.
وطبقاً لإحصاءات رسمية، أكثر من 74 ضابطا في الجيش تم اغتيالهم في حوادث متشابهة وبنفس الآلية والطريقة المعتادة خلال عام 2012م. أغلب عمليات الاغتيال تمت بواسطة دراجات نارية ودخلت المسدسات كاتمة للصوت مؤخرا، ومع ذلك لا يزال هذا الملف غامضا فوزارة الدفاع تكتفي بالتعبير عن "التعازي لأسر الشهداء وتؤكد بأن جهات الاختصاص ستقوم بملاحقة القتلة وتقديمهم للعدالة ولن تذهب دماء الشهداء هدرا" ورغم ذلك تستمر رؤوس الضباط وقادة الجيش في السقوط واحدا تلو الآخر.
من يستهدف العسكريين؟ إنه سؤال محير يقول المحامي خالد الآنسي، ويضيف موضحا: "من يستهدفهم هو طرف يستعد لخوض معركة عسكرية لا سياسية ولذلك يستهدف العسكريين".
في هذا التحقيق تحاول "مأرب برس" أن تتتبع بعض تفاصيل الاغتيالات وأسبابها والجهات التي يمكن أن تقوم وراءها، سياسيون ومحللون وخبراء وقانونيون ومصادر عسكرية خاصة تحدثت لنا في هذا التحقيق.. إلى التفاصيل.
قتلى لا يعرف قاتلهم
كان لا بد من البحث عن الأسباب التي جعلت الحوادث الأمنية في تزايد مستمر، فعمليات الاغتيال لقادة الجيش تتم في وضح النهر وفي العاصمة صنعاء ومدن أخرى، لدرجة أن اغتيال العميد الردفاني كان بجوار أكبر مؤسسة للجيش "وزارة الدفاع" في منطقة باب اليمن.
يقول المحامي هاشم عضلات بعد أن أكد أنهم كرجال قانون لا يمكن أن يخوضوا في تخرصات مؤلمة تقض مضجع الأمن في البلاد: "يمكن القول أن شواهد الواقع لا تدل على أن ما يحدث تعتبر وقائع جنائية، ولكن يمكن عزوها على أنها اغتيالات سياسية وتصفية حسابات سياسية مرتبطة بالوضع القائم في البلد من تغيير وبناء نظام جديد على أنقاض نظام سابق"
يضيف عضلات: "هيكلة الجيش ملف حساس ظل تردد القيادة السياسية الجديدة يحوم حوله قرابة العام، الأمر الذي يعني أنه كان المفصل الحقيقي للتغيير".
هاشم عضلات الذي أسس منذ أشهر منظمة روابط للدعم القانوني تولي اهتماما بالغا في الملف الأمني أوضح "أن وراء مثل هذه الجرائم نوازع سياسية ومصالح رخيصة لأنفس وحشية تستسيغ القتل وتريد أن تحقق من وراءه مآرب شيطانية". منوها أن صمت الجهات الرسمية والدوائر السياسية لما يحدث من عمليات متكررة يدل على "حالة من حالات الإحباط والاستسلام أمام واقع اختلط فيه الحابل بالنابل، إضافة إلى افتقار تلك الجهات لملكات ومهارات إدارة الأزمات والتصرف الحكيم تجاه ما يُعتمل داخل البلد".
في السياق نفسه يرى القاضي حمود الهتار وزير الأوقاف السابق أن "هذه الاغتيالات تُنذر بخطر قادم يجب على الدولة اتخاذ الإجراءات الكفيلة بإجراء التحقيق لها وكشف ملابساتها وإعلانها للرأي العام مع تقديم المسؤولين للعدالة". الهتار بدا محترزا في رده على أسئلة المحرر قال أيضا أن "سلطة الوفاق عاجزة عن حماية نفسها فكيف ستحمي الآخرين". إلا أنه طالب السلطة نفسها "قبل أن تصدر البيانات والمسؤولية على الجماعات الإرهابية دون أن تجري تحقيق فيها، أن تعمل على إجراءات تحقيق في هذا الموضوع قبل إصدار التهمة على أحد".

واختتم بالقول أن "على السلطة إما أن تبادر إلى إجراء التحقيق وكشف ملابسات الاغتيالات، وإلا فعلى المسؤولين أن يقدموا استقالاتهم".
  "قاعدة" الاغتيالات
فور سماعك بنبأ اغتيال ضابط كبير في الجيش، تطير الاتهامات صوب جماعة تنظيم القاعدة فهي المتهم الوحيد الذي يمكن أن تستطيع كل القوى أن ترمي بالملامة عليها؛ إذ أن هناك ما يعزز تلك الاتهامات خصوصا بعد تلقي القاعدة لضربات موجعة من قبل الجيش في أبين ما أدى إلى خروجها من المناطق التي كانت تسطير عليها، إضافة إلى الضربات المستمرة التي تتم بواسطة الطائرات الأمريكية بدون طيار التي تستهدف أفراد وقيادات في التنظيم.
حسب الكاتب المتخصص بشؤون القاعدة عبدالرزاق الجمل: "فليست القاعدة هي وحدها من تنفذ تلك العمليات فقد يكون هناك أكثر من جهة تقوم بتنفيذها".
"قد يكون للمتضررين من هيكلة الجيش دور كبير في مثل هذه العمليات" يقول الجمل.
وعن عدم تبني القاعدة لمثل هذه العمليات أوضح الجمل: "أن احتمال وقوف القاعدة وراء تلك العمليات هو الأقرب، ويذهب إلى أن عدم تبني القاعدة لها، إن كانت على صلة بها، يعود إلى رغبتها في استثمار الاتهامات التي يوجهها كل طرف للطرف الآخر بالوقوف وراء تلك العمليات، مع تأكيده على أن جهات أخرى قد تكون داخلة على خط العمليات لحسابات خاصة، بدليل أن القاعدة ـ كما يقول الجمل ـ تواصلت معه وأبلغته أنها لا تقف خلف عملية اغتيال الدبلوماسي السعودي خالد شبيكان العنزي، وأن نائب مدير أمن منطقة القطن قتل بطريقة بشعة، والقاعدة لا تمثل بجثث القتلى ولا تمارس عمليات التعذيب... ويعلل الجمل" القاعدة لو تبنت العمليات ستقلص من عدد الجهات المتهمة، فبدون تبنيها جعلت كل الجهات متهمة.
وعن مسألة المسدسات الكاتمة للصوت والدراجات النارية التي تستخدم في عمليات الاغتيال اعتبر الجمل إلى أن " دخول فكرة المسدسات كاتمة للصوت على خط العمليات يمثل خطرا كبير جدا، فالفكرة كانت حصرية على فرع القاعدة في العراق، ونجحت القاعدة هناك في هذا المجال".
لكنه نوه "أن دخولها إلى اليمن يمثل مرحلة جديدة من عمليات الاغتيال، وسيزداد الأمر تعقيدا، مما سيسهل للمنفذين للعمليات لأنه بدون صوت فالردفاني سقط على الأرض من دون أن يعلم أحد بما حدث بعد مرور الدراجة النارية من جواره".
وزاد الجمل بقوله: "قد يكون هناك متعاطفون مع القاعدة يقومون بعمليات دون تنسيق مع القيادة العسكرية أو مع أمراء التنظيم في المحافظات التي يتواجدون فيها، وقبل فترة كانت هناك كلمة بعنوان "المجاهدون في المدن"للقيادى حارث النظاري دعا فيها من يتعاطفون معهم أو من يؤمنون بمنهجهم ولا يستطيعون اللحاق بهم إلى القيام بعمليات في المناطق التي يتواجدون فيها".
وتوصل الجمل إلى قاعدة جديدة للصراع مع القاعدة مفادها: "لسان حال القاعدة، عندكم طائرات بدون طيار، وعندنا مسدسات بدون صوت" واختتم بالقول: "أن القاعدة اصبحت لها قدرة على الإضرار بخصومها أكبر من قدرة أعداءها على الإضرار بها مقارنة بحجم قوتها بقوة الخصوم".
رشاد محمد سعيد الملقب ب"أبو الفداء" القيادي السابق في تنظيم القاعدة والمقرب من زعيم القاعدة أسامة بن لادن، يتفق مع الجمل في مسالة القاعدة "إذ يرى أن القاعدة قد تلجئ إلى عدم التبني للأعمال التي تنفذها لإرباك المتابع والخصم في آن واحد".
وأوضح رشاد أن الاستهداف يتم بشكل واضح " لكل من عمل أو مارس عملا عسكريا أو أمنيا في إطار مكافحة الإرهاب".
فالأمن السياسي حسب رشاد" أكثر استهدافا لأنهم الهدف الأول للقاعدة، كون الفترة السابقة حملت في طياتها الكثير من المشاكل والمظالم التي تدعو للخصومات مثل الاعتقالات والسلب للحقوق".
أما فكرة الدراجات النارية والمسدسات الكاتمة للصوت فهي مجرد وسيلة عند رشاد "والوسيلة لم تعد حكرا على أحد ففي التسعينات كانت "الهيلكس" هي الوسيلة للاغتيال، والآن الدراجات النارية".
لكن رشاد لم يستبعد أن تكون أطرافا أخرى سواء داخلية أو خارجية ضالعة في مثل هذه العمليات، فأمريكا تدخل بالاغتيالات عبر الطائرات بدون طيار وكل قتل خارج القانون هو اغتيال".
وعن فرضية أن الاغتيالات تتم من طرف واحد أكد رشاد: "أن هذا الكلام غير دقيق وهو هروب من حل المشكلة وتحمل المسؤولية وتحميل الغير، فالواقع واضح وجلي على أن الاغتيالات مشارك فيها أطراف متعددة محلية وخارجية نتاج صراعات محلية".
صراعات الهيمنة
كل الجهات الرسمية ترفض التعليق على هذا الملف الشائك، تواصلنا مع وزارة الداخلية وتعذر حصولنا على أي معلومة من قبلهم، الداخلية تعتذر وترمي بالمسؤولية على الأمن السياسي.. في دردشة مفتوحة مع الزميل عبدالله غراب مراسل قناة " بي بي سي" قال أنه طلب من مسؤول أمني كبير الظهور على القناة للتوضيح حول هذه العمليات، المصدر الأمني بدا واضحا أنه يعرف ما يدور بخصوص هذا الملف إلا أنه رفض الظهور، قال ساخرا: هل تريد أن يرسلوا لي "دراجة نارية" ومسدس كاتم للصوت".
هو الأمر نفسه الذي عانينا منه في سياق بحثنا عن نتائج واقعيه من المصادر الرسمية إلا أن كل الجهود باءت بالفشل. مصدر أمني فقط وافق على التصريح بشرط عدم ذكر اسمه وصفته "فالوضع أخطر مما تتصور" قال المصدر واصفا حجم الخطر.
بشرح تحليلي بدأ المصدر الأمني بالقول: " أنت تعلم أننا نمر بمرحلة خطيرة مثل ما حدث في التسعينات، في دراستنا تعلمنا ان الاغتيالات وحرب العصابات تظهر عند انهزام قوة عسكرية ما، فعند انهزام هذه القوة العسكرية تظهر العصابات لتنفيذ عمليات الاغتيال للشخصيات والعقول المدبرة التي تمتلك أسرار النظام الساقط". ويتوغل المصدر أكثر: "اغتيال الشخصيات والعقول المدبرة يعود لسببين، الأول: أنهم عندهم أسرار عسكرية لما كان يقوم به النظام السابق فتم تصفيتهم، وإما أنهم كانوا على رأس هيكلة الجيش اليمني بصورة متطورة فخافت بعض الأطراف منهم". سألناه لماذا الخوف: يتكئ الرجل الخمسيني على وسادة وهو يرمي أغصان القات، يسكت قليلاً ثم يعاود الكلام: "يبدو أن هؤلاء تقدموا برؤية معينة جادة في موضوع هيكلة الجيش كان فيها إضرار بتلك القوى، وعندما طُلب منهم عدم تسليم تلك الملفات وهذه الرؤية تم قنصهم قبل أن يشرعوا في التنفيذ".
المصدر الأمني نفسه نفى أن يكون للقاعدة أي ضلوع في مثل هذه العمليات "والسبب أن القاعدة تتبنا أي عملية تقوم بتنفيذها سواء كانت صغيرة أو كبيرة". واستبعد المصدر الأمني أن تكون لجماعتي الحوثي والحراك الجنوبي ضلوع في الأمر "فلا يمكن القيام بها إلا قوة ضاربة فالعمليات تنم عن تخطيط وتكتيك وحماية دقيقة..عليك أن تمسك الطرف الأقوى والمستفيد وتوجه صوبه الاتهامات".
بعيدا عن ذلك يرى الرائد محمد رفيق فهو يعتقد أن "الذي يحدث لا يمكن قراءته بعيدا أن يكون تصفيات سياسية داخلية على أساس الإجهاز على الساحة لقادة جدد منتمين للأحزاب السياسية" يدلل على ذلك - حسب رفيق- "أن اللجنة العسكرية تم اختيارها بعناية لتمثل الأحزاب السياسية".
قال رفيق متخوفا: "هناك محاولة للسيطرة على الجيش من قبل الأحزاب وثنيه عن استقلاليته التي من المفترض أن تكون الجيوش".
ونفى رفيق أن يكون للقاعدة مشاركة فعلية في مثل هذه الاغتيالات فهي "لا تمتلك القدرة بهذا الحجم". ويضيف: "القاعدة يا أخي ليست سوى مجرد شماعة، تلقي عيها الدولة عجزها على حماية أبناءها".
الجنوب والأمن السياسي
في ظل هذا الوضع ومع ندرة المعلومات في ملف شائك وحساس مثل ملف الاغتيالات، يسري اعتقاد عند أكثر المتابعين أن من يتم تصفيتهم أغلبهم من ضباط الأمن السياسي ومن أبناء الجنوب، لا أحد يستطيع أن يؤكد هذا أو ذاك. إلا أن المحلل العسكري الخبير محسن خصروف يعتقد خلاف ذلك: "فالاغتيالات لم تستهدف العسكريين بشكل عشوائي، المستهدفون كانوا مختارين بعناية شديدة وهم في الغالب من يناضلون على الحفاظ على ما بقي من كيان الدولة المتداعي".
ويتابع بالقول أن "القتلة هم طرف واحد يقتل بلا حدود ومستعد للقتل بلا حدود للوصول إلى أهدافه التدميرية، وهو يخترق الكثير من الأجهزة الأمنية والحزبية". فمنفذو العمليات حسب خصروف " لا يؤمنون بالشطرية ويقتلون كل من يؤمن بالوحدة من أي مكان كان، القتلة ليسوا مناطقيين.. إنهم يقتلون دعاة الوحدة والسلام سواء كانوا في الشمال أو الجنوب".
يزيد في التوضيح عن الفاعلين بشكل أكبر: "إن كل الذين تضررت مصالحهم من استقرار اليمن وتقدم اليمن وأمن اليمن وديمقراطيته وممارسة حقه في التعددية والتداول السلمي للسلطة والعيش الكريم هم من يقف وراء كل عمليات الاغتيال". من أجل ذلك فالمطلوب الآن "تطهير الأجهزة الأمنية من المندسين ووقايتها من الاختراقات التي ليست ببعيدة عن كل ما يجري".
من منظور آخر يرى المحامي خالد الآنسي أن "استهداف ضباط وقيادات الأمن السياسي بالذات دون الأمن القومي مع سبق تلك الاغتيالات؛ يعتبر استهداف سياسي من أطراف معينة، قد يفيد في الإجابة عن ما وراء استهداف الأمن السياسي".
ويتعجب الآنسي: "لا يعقل أن يتم اغتيال العشرات من ضباط الأمن السياسي، ولا يعرف حتى الآن من وراء تلك الاغتيالات".
"بعد كل هذه الاغتيالات إذا لم تستطيع الأمن السياسي والأمن القومي تحديد من ورائها، فما حاجتنا لهذه الأجهزة" يقول خالد. ويضيف: "بدلا عن تصفيتها بالتقسيط قوموا بحلها واحقنوا دماء امن ينتسبون لها".
رؤية أخرى مختلفة
في مثل حالة اليمن التي تمر بها خلال الفترة الانتقالية تضل كل التجاذبات المحلية آخذة به في كل اتجاه، "فالوضع اليمني الهش يعتبر وضعا مثاليا لقوى لها أجندة خارجية خفية في اليمن". هذه القوى حسب سفير اليمن السابق بسوريا عبدالوهاب طواف: " لديها مشروع وأهداف تسعى لتنفيذها في اليمن، فهناك دول إسلامية لها أهداف واضحة المعالم في اليمن وتسعى لتسخير امكانياتها المادية لتحقيق مراميها عن طريق أدوات يمنية".
ويوضح السفير طواف الذي يشغل حاليا مستشار سياسي للواء علي محسن أن "استهداف القادة العسكريين سيحقق لها عدة أشياء أهمها تشتيت جهود الرئيس وتثبيط همته، كما سيزيد من حالة الفرقة بين القيادات العسكرية مما سيسهل لتلك القوى بالتحرك بحرية وأريحيه".
وبنفس سياق نظر تلك الدولة –التي لم يكشف لنا عن اسمها- يرى السفير طواف أن استهداف القادة من ضباط الأمن السياسي يهدف إلى إيجاد حالة من الفرقة والتشتت وحالة من عدم الثقة بين الأمن السياسي والأمن القومي، وفي هذه الحالة تنشأ حالة من عدم الاستقرار وعدم التنسيق بين المؤسستين لمواجهة المخربين في اليمن وإيجاد فجوة أمنية يستطيع من خلالها المحسوبين على تلك الدولة الأجنبية بالتحرك بفاعلية لتنفيذ الأهداف المرسومة".
وبرر السفير عدم ظهور نتائج تحقيقات لتلك الجرائم؛ "أن الأجهزة الأمنية غير موحدة الهدف والقيادة وهناك حالة من الضعف والوهن تسيطر على تلك الأجهزة".
مضيفا من زاوية أخرى: " أن هناك قيادات أمنية وعسكرية سابقة تسهم في خلق حالة من الإحباط وعدم القيام بالواجبات المناطة بهم، حقدا على الرئيس ورفضاً لنجاحه في قيادة اليمن. كما أن هناك حالة من الارتخاء لدى قيادات الأمن و حالة من الفشل، ولا ننسى الوضع المادي الضعيف لكادر الأمن والقوات المسلحة الذي يثبط من معنوياتهم".
وفي الوقت الذي يرى محللون أن هذه الاغتيالات مقصودة وممنهجه وتهدف لإرباك المشهد السياسي في البلاد قبل بدء مؤتمر الحوار الوطني ولمنع خطة هيكلة قوات الجيش التي أعلنها الرئيس هادي أواسط شهر ديسمبر للعام الماضي، يرمي السكرتير الصحفي للرئيس السابق أحمد الصوفي بالتهمة على المصالح الدولية التي أوضح الصوفي بقوله: "يحاول بعض السفراء أن يجعلوا منها الشجرة التي تحجب الغابة" وفيما يبدو أن الصوفي متحيزا نحو فكرة "أن التسوية السياسية رفعت مركز اليمن إلى أعلى مستوى في أعقد لحظة" إلا أن الواقع يقول - حسب وصفه - "أننا نسير في الأرض كفرقاء نمشي بأقدام بن عمر ونفكر بعقل السفير الأمريكي".
يتعجب الصوفي من دور بن عمر في اليمن مختصرا الأمر في أن "بن عمر لم يستطع أن يصنع لليمن شيء، لكن اليمن لها فضل لأنها صنعت بن عمر".
سألنا الصوفي لماذا بن عمر؟ أجاب: "أعتقد أن بن عمر جزء من لعبة بدت صغيرة وهي جلب شهود دوليين إلى المشهد اليمني". يضيف الصوفي:"ما يحدث في الميدان اليوم أن أفراد واتجاهات وحسابات باتت أكبر من التسوية نفسها".
" لقد أصبح صاحب بان كيمون (يقصد بن عمر) شيخا للبلاد" قال الصوفي متعجباً.
وبخصوص توجيه التهمة للقاعدة، أوضح الصوفي : أن القاعدة هي ثقافة أكثر مما هي عمل عسكري ميداني". موضحا "أتكلم عن القاعدة باعتبارها تملئ فراغ الدولة وشخصنه السلطة".
ونوه بالقول إلى: "أن هناك مورد يمني هام اسمه اليمنيون، الحفاظ على الإسلاميين يعد عمل استراتيجي، والحفاظ على المؤتمر أيضا يعد عمل استراتيجي، وإنهاك الأطراف هو عمل هامشي".
 ثم ماذا؟ "الله يعين اليمن، والله يعين اليمنيين" يختتم الصوفي.
 كالعادة مجلس النواب يقول ولا يعمل
بالنسبة لمجلس النواب الذي يعتبره البعض تجاوز سنه القانوني، يدور هناك جدل كبير حول الاغتيالات التي أصبحت شبه يوميه، لكن يبدو أن صوت المجلس لا يمكن أن يخرج عن أسوار مبنى المجلس نفسه.. في إحدى جلسات الأسبوع الفائت: تسمع صوت النائب عبده بشر يصرخ بالمطالبة بالضغط على الحكومة لإقالة رئيسي جهازي الأمن القومي والأمن السياسي، ورئيس الاستخبارات. في ذلك اليوم طالب المجلس بحضور وزيري الداخلية والدفاع لمعرفة من يقف وراء الاختلالات الأمنية التي تشهدها اليمن .. بعدها بيومين تلقى رئيس المجلس يحيى الراعي اعتذارات من الوزيرين تلاه اتصال من رئاسة الجمهورية يفيد بلقاء رئيس الجمهورية بالوزيرين للإيضاح عن تلك الاغتيالات، وهو الأمر الذي جعل النائب عبده بشر– المشاكس دائما- يعتبر أن عدم تجاوب وزيري الداخلية والدفاع مع البرلمان يلقي بالشك في اتهامات لأجهزة أمنية بإدارة تلك الاغتيالات. وطالب بشر يومها بإقالة مجلس النواب لأنه عجز عن القيام بدوره في إحضار وزيري الدفاع والداخلية إلى المجلس.
في نفس الملف كان البرلمان قبل سنوات قد أعد تقريرا يخص وجود الدراجات النارية في العاصمة إلا أن النواب وقفوا ضد التقرير، أما اليوم فقد دعا المجلس إلى إنزال القانون في قاعة البرلمان للمطالبة بإقراره بمطالبة من النائب سلطان العجي.
أما النائب عبدالرزاق الهجري فقد بدا واثقا من كلامه خلال الجلسة عندما قال: "في الوقت الذي صارت الأجهزة الأمنية تلقي القبض على الكثير من شحنات الأسلحة لكنه لم يتم معرفة مصيرها مطالبا بضرورة الكشف عن الخلية التي تدير الاغتيالات. مضيفا "أكاد أجزم أنني أعرف الجهة التي تقف وراءها".
 ما الذي يمكن فعله؟
بعد منتصف الليل أكتب هذا، ونحن داخلون على أخر يوم من أيام العام 2012 الذي أصبح عنوانه (عام أمني بامتياز) لا أحد يعلم إلى متى يستمر هذا الوضع، وهل سيكون العام القادم 2013 أكثر دموية من سلفه، أم أن الأمر سيتغير.
وانطلاقا من نصيحة للكاتب والمحلل السياسي عادل الأحمدي فليس "من الحكمة التأويل في مثل هذا الملف مطلقا من قبلنا كإعلاميين وصحفيين وحقوقيين وإنما كل الذي نطالب به هو أمران: الأول حسب الأحمدي: " أن نلمس جهدا جادا من قبل الحكومة لكشف الجناة وتقديمهم للعدالة في أقرب وقت".
 والثاني: "أن نؤكد للرأي العام أن الدم اليمني غال أيا كانت جهته الجغرافية او انتماؤه الوظيفي وان ما يحدث يشير الى أن هناك مؤامرة كبيرة جدا علينا كشعب وكدولة وكوحدة من وراء هذه العمليات التي تستهدف في غالبها الصلب القوي لكيان الأجهزة المكونة للدولة". ويضيف الأحمدي: "لا بد ان يستشعر الرئيس هادي وحكومة الوفاق أنهم الان مسؤولون أمامنا عن كل قطرة دم تراق في هذا البلد" وزاد الأحمدي بالقول "اننا منزعجون جدا جدا من برودهم المخيف في هذا الملف إذ لا يعقل ان يقتصر دور الأجهزة المعنية في كشف هوية الضحايا ويقدم ذلك للشعب وكأنه انجاز.. إننا نريد كشف هوية الجناة وتقديمهم للعدالة وليس هوية الضحايا وحسب.
وبالشكل المجمل فإنه حتى الآن لا أحد يستطيع الإجابة على الكثير من علامات الاستفهام التي تفرض نفسها في مثل هذه العمليات المخيفة. وحدها الأجهزة الأمنية التي يتم اغتيالها هي من تستطيع أن تكشف عن تلك العلامات ولا ندري هل سيدخل العام 2013 هادئا أم أن مسلسل الاغتيالات للعقول المدبرة في الجيش سيستمر.
إلى حلول العام الجديد الذي يفصل بيننا وبينه ليلة واحدة على المسؤولين عن الأجهزة الأمنية الإدراك أن الوضع الأمني في اليمن يتجه نحو الأسوأ عاما تلو آخر، ومن الأفضل عليهم أن يكونوا عند مسؤوليتهم.
وعندما يعجز المسؤولين عن حماية أنفسهم وحماية البلد من خطر اسمه "الاغتيالات" فإن علينا "أن لا نهدأ حتى نعرف من يغتال أمننا وجيشنا بهذه المنهجية الضاربة" يقول عادل الأحمدي.
ملف الاغتيالات سيبقى لأنه ظاهرة أزلية من بداية الخليقة منذ أن ابتدعها قابيل، إلا أن من الضروري أن لا نعاند ونكفر بالبرهان ونستنكف كما استنكف قابيل حين قتل أخاه ثم حمله على ظهره وعجز أن يواري أخاه. عندما سألنا والد العقيد سمير الغرباني هل يشعر بالخوف مما يحدث أجاب: "أنا مطمئن، حمدا لله أن ولدي نال الشهادة، كنت أتمناها لي فسبقني إليها ابني".

إقراء أيضاً
اكثر خبر قراءة الحرب على القاعدة