إثيوبيا التي لا نعرفها ...  الصعود المذهل .. -2

الخميس 21 سبتمبر-أيلول 2017 الساعة 04 مساءً / مأرب برس – محمد مصطفى جامع
عدد القراءات 11279

كثير من الناس يتساءلون عن مدى توفر الأمن والأمان في إثيوبيا، وأذكر أنني عندما عدت من رحلتي الأخيرة من هذا البلد كان السؤال الأبرز الذي سألني إياه الزملاء والأصدقاء: هل البلد آمنة أم أن هناك مشاكل أمنية وصراعات؟

الحقيقة أن إثيوبيا آمنة ومستقرة لدرجة كبيرة، باستثناء أحداث العنف والمظاهرات التي شهدتها بعض أنحاء البلاد العام الماضي والتي احتوتها السلطات بسرعة، فلا شيء يعكر السلامة والأمان في العاصمة أديس أبابا والمدن الأخرى، وبإمكان الزائر أن يتجول حتى ساعات الفجر دون أن يتعرض لأي مضايقات.

الاستثمار في إثيوبيا

خلال الفترة الأخيرة نجحت الحكومة الإثيوبية في جذب الاستثمارات إليها من كل حَدَب وصوب، فقد عمدت أديس أبابا إلى توحيد قانون الاستثمار في الأقاليم التسع، وقدمت تسهيلات عديدة للمستثمرين أبرزها إغرائهم بأراضٍ زراعية شاسعة في جنوب البلاد، على أن تُدفع قيمتها آجلاً على مدى عشرين عامًا، كما وفرت الحكومة للمستثمرين إعفاءات جمركية وضريبية تمكنهم من إدخال الآليات والمواد الخام والسيارات بسهولة ويسر.

وإلى جانب ذلك يشكل عدد السكان الكبير (100 مليون نسمة) سوقًا داخليًا جيّدًا، ويوفر عمالة وفيرة رخيصة التكاليف، فضلاً عن فرصة تسويق المنتجات إلى 23 بلدًا إفريقيًا من خلال السوق المشتركة لشرق وجنوب إفريقيا (الكوميسا)، هذا بالإضافة إلى القوة الناعمة التي تتمتع بها إثيوبيا من خلال احتضانها لمقر الاتحاد الإفريقي والعديد من المؤسسات والمنظمات الإقليمية التابعة للأمم المتحدة.

تشكل الزراعة والثروة الحيوانية بجانب الصناعات التحويلية والمعادن أهم المجالات التي جذبت المستثمرين إلى إثيوبيا، حيث تقدر قيمة الاستثمارات السعودية بنحو 13.3 مليار دولار حسب مروان بدري قنصل أديس أبابا في جدة، إذ يستثمر السعوديون أموالهم في أكثر من 294 مشروعًا متنوعًا أغلبهم في مجال الزراعة.

كما أن دولاً أخرى مثل الصين وتركيا و"إسرائيل" تبرز بقوة في إثيوبيا، فحسب تقرير لوكالة الاستثمار الإثيوبية، تُعد الاستثمارات التركية إلى جانب الاستثمارات الصينية والهندية الأكبر من حيث الاستثمار المباشر، إذ وصل حجم تلك الاستثمارات إلى 3 مليارات دولار في العام 2016، من خلال تأسيس 350 شركة أتاحت نحو 50 ألف فرصة عمل في إثيوبيا. وتعتبر العلاقات الإسرائيلية قوية ومتينة إذ تستثمر "إسرائيل" في العديد من المجالات، مثل الزراعة (خاصة زراعة الزهور) وتكنولوجيا المياه والتصنيع الزراعي، ويبلغ عدد الشركات الإسرائيلية في إثيوبيا 187 شركة بحلول نهاية العام الماضي.

وبالإضافة إلى الدول المذكورة فإن هناك دول أخرى تتطلع إلى ترسيخ مكانتها في خارطة الاستثمار في إثيوبيا مثل قطر التي تبلغ استثماراتها قرابة 500 مليون دولار، لكن الزيارة الأخيرة للأمير تميم بن حمد هدفت إلى تفعيل الاتفاقيات السابقة وتحريك الاستثمار القطري في إثيوبيا وزيادة التبادل التجاري.

مقومات سياحية هائلة

تتميز إثيوبيا بمقومات طبيعية تجعلها تتربع على رأس الوجهات السياحية في إفريقيا والعالم، حيث تقع البلاد على ارتفاع عالٍ يفوق 2400 متر مربع فوق سطح البحر، مما يوفر جاذبية نادرة ومناظر خلابة، كما تتمتع بطقس استوائي جميل ومعتدل طول العام كما ذكرنا في الجزء الأول من السلسلة، وفوق ذلك تزخر بثرات ثقافي زاخر، إذ لكل إقليم تراثه وعاداته التي يفاخر بها دون تعصب أو احتقار للآخر. هذا التراث والإرث الثقافي يمكن تعرفه عن قرب من خلال زيارة المراكز والأماكن الثقافية في العاصمة أديس أبابا والمدن الكبرى والتي تقدم عروضًا ثقافية ومسرحية وغنائية بصورة يومية في الأمسيات، كما يمكن معرفته بصورة أفضل من خلال التجوال المباشر في الأقاليم الإثيوبية.

أبرز المعالم والأماكن السياحية في إثيوبيا

شلالات النيل الأزرق : لا ينبغي تفويت زيارة هذا المكان عند زيارة إثيوبيا، إذ يعد "النيل الأزرق" أطول نهر في إفريقيا، ويصل عمقه إلى 45 مترًا، ويبعد نحو 30 كيلومترًا من مدينة "بحر دار" وبحيرة "تانا"، فعندما يسقط الماء في ممرّ ضيق، يشكّل مشهدًا جذابًا.

بحيرة "تانا": تقع البحيرة في الشمال الغربي للمرتفعات الإثيوبية قرب الحدود مع السودان، على ارتفاع 1788 مترًا، ويبلغ طولها 84 كيلومترًا، وعرضها 66 كيلومترًا، ويصل أقصى عمق لها إلى 15 مترًا، تعتبر "تانا" نقطة بداية "النيل الأزرق"، وواحدة من الأماكن الأكثر روعةً في إثيوبيا.

قلعة الإمبراطور فاسيلدز: هي قلعة تَقع في مدينة جوندر، بُنيت في القدم، وتميّزت ببنائها الخارجي القريب من القصور، وحافظت القلعة على هيئتها منذ أن بُنيت، حيث يوجد ليومنا هذا السور المحيط بها المبني من الحجارة والطين.

كهوف صوف عمر: أطول الكهوف في إفريقيا ويقع بمنطقة جبال بايل جنوب شرق إثيوبيا، حيث بلغ طوله 15.1 كيلومتر، يظهر بمنظر خلّاب بسبب وجود الأعمدة به بطريقة غريبة، ويذهب إليه السياح ليرون روعة سقفه الذي يظهر كأنّه كتلة من الجليد.

مسجد النجاشي: يقع في قرية النجاشي، على بعد 30 كلم من مدينة مقلي، عاصمة إقليم تجراي، شمالي إثيوبيا، وهي (القرية) أول موضع في القارة السمراء يدخله الإسلام، حينما طلب النبي محمد (عليه الصلاة والسلام) من صحابته الهجرة إلى أرض الحبشة، في السنة الخامسة من البعثة (615 ميلادية)، وذلك بعد ما حوربت رسالته في مكة.

حديقة جبل سيمين الوطنية: تم إدراجها كموقع للتراث العالمي الطبيعي عام 1979، حيث وصفتها اليونسكو بأنها واحدة من أكثر المناظر الطبيعية الخلابة في العالم. يعد المنتزه الواقع شمال إثيوبيا موضعًا رئيسيًا للتزلج على الجليد بقممه المتعرجة المشهورة، المنتزه لديه غطاء نباتي متنوع يشمل أكثر من 1200 نوع من النباتات منها ثلاثة أنواع متوطنة في الحديقة، كما يتميز بالتنوع البيولوجي والحياة البرية الغنية، حيث يعتبر واحدًا من أعلى خمس نقاط ساخنة الطيور في إفريقيا، ولعل أفضل طريقة لاستكشاف جبال سيمين سيرًا على الأقدام.

قرية كونسو: تم إدراج قرية كونسو "جنوب إثيوبيا"، كموقع تراث عالمي عام 2011، محاطة بستة جدران دفاعية من الحجر الجاف متحدة المركز يصل ارتفاعها إلى 4 أمتار، تشتهر كونسو بطبيعتها الخلابة التي تتمثل في الأراضي الزراعية الخصبة والتلال القديمة، وتتميز بمنازلها التقليدية المصنوعة من القش والتماثيل الخشبية التي يتم نحتها للمتوفي.

الكنائس المحفورة في صخور لاليبلا: تأسست في القرن الثاني عشر من قبل الملك لاليبيلا ويطلق عليها "عجائب العالم الثامنة" وهي أحد مواقع التراث العالمي، وتشمل 11 كنيسة ومصلييَن ما زالت قيد الاستخدام حتى الآن جميعها محفورة باليد في بقعة من الصخور، وتعد كنيسة "بيت مدهين أليم" أكبر حفر في العالم من الصخور، و الكنيسة الأكثر شهرة في لاليبيلا هي "بيت جيورجيس".

في الجزء الثالث سنحاول التعرض لأهم المدن الإثيوبية والبنية التحتية هناك، إلى جانب قصة التقويم الميلادي الخاص بإثيوبيا، والصعوبات التي تواجه الزوار.