الفراق المحتوم.. ما «الفخ» الذي يجهِّزه صالح لحلفاء الأمس في مهرجان الخميس الكبير بصنعاء؟

الثلاثاء 22 أغسطس-آب 2017 الساعة 09 مساءً / مأرب برس - مراد العريفي/ هاف بوست
عدد القراءات 4643

بوجل، يترقب اليمنيون في العاصمة صنعاء، إلى ماذا ستؤول الأحداث يوم الخميس القادم، فالمدينة المكتظة بنحو 3 ملايين شخص "لن تكون قادرة على تحمل المزيد من الأزمات"، كما يقول أهالي المدينة المُتعبون وهم يقلبون سيناريوهات الخميس المحتملة.

وفي محيط ميدان "السبعين"، الواقع في منطقة حيوية تتوسط المدينة المنهكة، انتصبت لوحات عملاقة للرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح، لكنها كانت ممزقة، وبعضها دون ملامح، رغم أنها نُصبت، السبت الماضي.

يقول أنصار صالح، بما فيهم صالح أيضاً، إن الحوثيين هم مَن مزَّقوا تلك اللوحات، بينما يقول الحوثيون إن صالح هو نفسه من أمر بتمزيقها، لاتهام الحوثيين وصنع فتنة.

وفيما كانت السيارات تمر بسرعة كبيرة في الميدان الفسيح، تقف سيارة مهترئة في نهايته. شعار الشركة المصنعة ليس واضحاً للعيان، ومن خلفها يقف نبيل الحرازي يبيع الرمان والعنب، وقليلاً من التفاح.

يقول الحرازي لـ"هاف بوست عربي"، إن الوضع لا يطمئن، وإنه يخشى مصادمات بين الطرفين الخميس القادم، لكنه يستطرد: "يحصل الذي يحصل، أصبحنا شابعين حياة من قرفهم، أهم شيء نبيع البضاعة".

فمنذ منتصف شهر يوليو/تموز الماضي، بدأ التصعيد بين جماعة "أنصار الله" (الحوثيين)، وحليفهم الرئيس السابق علي عبدالله صالح، اللذين يمثلان طرفي تحالف صنعاء، ويسيطران على المحافظات الغربية والوسطى والشمالية، بينما تسيطر حكومة الرئيس عبد ربه منصور هادي على المحافظات الجنوبية والشرقية.

وصلت الأزمة إلى ذروتها بين طرفي التحالف، مع اعتزام حزب صالح تنظيم مهرجان حاشد الخميس القادم، في ميدان السبعين، في الذكرى الـ35 لتأسيس الحزب الذي يتزعمه منذ ذلك الحين.

وتأسَّس حزب المؤتمر، في 24 أغسطس/آب 1982، على يد صالح، بعد 4 سنوات من تقلده حكم اليمن، وظلَّ هو الحزب الحاكم طيلة العقود الماضية للبلاد حتى الإطاحة به عام 2011 في ثورة شعبية.

وجرَّاء تحالف صالح مع الحوثيين في اقتحام العاصمة وعدد من المحافظات، عام 2014، انقسم الحزب إلى شقين، أحدهما يؤيد الشرعية والرئيس هادي، الذي كان يشغل منصب نائب رئيس الحزب وأمينه العام، والآخر، وهو الفاعل بالساحة اليمنية، لا يزال يقوده صالح.

 

وساطة اللحظات الأخيرة تفشل أيضاً

 

تحركات صالح بتلك الكيفية، وذهابه منفرداً لتنظيم الحشد، أمرٌ أثار ريبة الحوثيين، ما جعلهم يدعون أنصارهم إلى تنظيم مهرجانات مضادة في مداخل صنعاء الرئيسية، نفس اليوم.

وطالب رئيس اللجنة الثورية العليا التابعة للحوثيين، محمد علي الحوثي، أنصاره بـ"التصعيد مقابل التصعيد".

وتؤشر تلك الخطوة، إلى منع الحوثيين، رجال القبائل الموالين لصالح من دخول المدينة، والوصول إلى وسطها لحضور المهرجان، بينما تزداد المخاوف من حدوث صدام مسلح بين الطرفين.

وقالت مصادر مقرَّبة من جماعة الحوثي، إن الوساطة التي قادها الزعيم القبلي، ناجي الشايف، أحد كبار مشايخ اليمن، لم تُفلح في تخفيف حدة التوتر بين الطرفين، وأن الاحتقان لا يزال في أعلى درجاته.

هي واحدة من أحدث الأزمات التي تضرب البلد المضطرب، كما يقول الحرازي بائع الفاكهة. يتحدث عن اليمن الذي يعيش في ظل حرب أهلية دخلت عامها الثالث، دون نهاية تلوح في الأفق، أسفرت عن مقتل 8 آلاف و380 شخصاً، وإصابة 47 ألفاً و741 آخرين، ونزوح نحو مليوني شخص، بحسب منظمة الصحة العالمية.

كان الحرازي مشغولاً ببيع بضاعته التي قد تتلف، ولم يُعر تلك اللوحات والجنود الذين انتشروا في بعض مواقع الميدان، وهم يلوكون القات في أفواههم دون أي اهتمام. (القات نبتةٌ منشطة يلوكها اليمنيون لساعات في مقابل أو في أعمالهم).

 

الذين نهبوا المال العام واستأثروا بالسلطة

 

طيلة العامين ظهر حليفا الحرب كقوة واحدة، ومع مرور الأيام، ظهرت بوادر الخلاف بين نشطاء الطرفين من خلال مساجلات على مواقع التواصل الاجتماعي.

لكن إعلان حزب صالح عن تنظيم الفعالية الجماهيرية، وهي الأولى من حيث التهيئة والحشد لها بهذه الطريقة، كان المنعطف الأخير، وفيه طفح الصراع المكنون بين الطرفين منذ أشهر.

قال الأمين العام لحزب صالح عارف الزوكا في خطاب بثه موقع "المؤتمر نت"، إن الخلاف بين الطرفين بدأ مع احتلال الحوثيين لمقر البرلمان، ورفضهم انعقاد جلسة لقبول استقالة هادي. وأضاف أن الخلاف توسع مع ضغوطات الحوثيين، وفرضوا على الحزب حشد 40 ألف مقاتل، ونهبوا المال العام، واستأثروا بالسلطة.

وكان الرئيس هادي قدم استقالته للبرلمان، في الـ22 من يناير/كانون الثاني 2015، قبل أن يتراجع عنها، بسبب عدم انعقاد البرلمان.

واتهم عارف الزوكا الحوثيين باعتقال المدنيين خارج النظام والقانون، وسيطرتهم على الإعلام الحكومي، وتعديل المناهج الدراسية بأيديولوجيا طائفية.

وهدَّد الرئيس السابق صالح في خطاب، الأحد الماضي، الحوثيين بفك التحالف بينهما، وبلهجة صارمة حذرهم من إحداث فوضى بالعاصمة صنعاء، وقال بالعامية "احنا هانا".

وقال إن الحوثيين نشروا مسلحين في الشوارع، ووصفهم للمرة الأولى بـ"الميليشيات"، وقال بنبرة ساخرة مخاطباً أنصاره: "ربما أنهم جاؤوا لمساعدتكم وليس ضدكم، لا تقلقوا ربما جاؤوا لمساعدتكم للحفاظ على الأمن العام".

وأشار صالح إلى نية الحوثيين عرقلة احتفالات حزبه ومنع أنصاره القادمين من المحافظات من دخول صنعاء.

 

والذين غرقوا في الفساد وتعاونوا مع الأعداء

 

وقبل ذلك، خرج زعيم الحوثيين بخطاب أمام أنصاره، واتهم صالح بأنه يضع أصبعه مع الحوثيين، ورجله مع التحالف، مضيفاً أن جماعته تلقت طعنة في الظهر.

إلى ذلك، هدَّد الناطق باسم الحوثيين محمد عبد السلام، بفتح ملفات الفساد لصالح، وقال إن تصريحاته هي "تشويه بحق أنصار الله، وهي نتاج توجيهات مباشرة تصل من غرف عمليات العدوان (التحالف العربي الذي تقوده السعودية)، ويندرج ضمن توزيع الأدوار فقط".

 

لغة القوة أصبحت هي الأكثر شيوعاً بين تصريحات قادة الطرفين

 

الأمين العام المساعد لحزب المؤتمر ياسر العواضي، رد على القيادي الحوثي حسين العزي الذي هدده وذكره بالاسم، في وقت سابق، وقال إن "الإخضاع والقوة والتهديد والتحدي، سياسات فاشلة".

 

كيف يستفيد الرئيس هادي من الفراق المحتوم

 

مكاسب حكومة الرئيس هادي تبدو ممكنة إذا استغلت الأزمة بشكل أمثل، وعقدت اتفاقاً مع أحد الأطراف، بعد أن بدأ الفراق الفعلي بينهما، وهو الأمر الذي سيجعل الأمور تتجه للمواجهة المسلحة، لكنه يبقى مستبعداً، حسبما يقول المحلل السياسي ورئيس مركز أبعاد للدراسات الاستراتيجية عبدالسلام محمد.

ويضيف محمد لـ"هاف بوست"، أن "الخلاف الحاصل بين الحوثيين وصالح هو مؤشر انتهاء المصالح المشتركة التي تأسس عليها تحالف الانقلاب، وهو مؤشر للوصول إلى نقطة تصادم وتضارب المصالح، ولم تخرج إلى السطح إلا بعد استئثار الحوثيين بإمكانات الدولة".

وأشار محمد إلى أن غضب الحوثيين من صالح، يعود إلى أنهم يريدون احتفالاً لحزبه بشروط، وتحت حمايتهم، ويؤمّن لهم، ألا يكون فخاً، وخطة لاستقطاب القبائل إلى صنعاء وفرض واقع جديد يضرهم.

وقال، أرجِّح السيناريو الأخير بأن يقبل صالح باحتفال، مع مراعاة مخاوف الحوثيين والقبول بشروطهم.

يتفق معه المحلل السياسي يحيى الثلايا، ويقول: "لن يحدث شيء، وصالح استطاع أن ينتزع تنظيم الحشد، بعد أن حاول الحوثيون منعه، ليقول إنه لا يزال قوياً".

 

الأهداف الحقيقية وراء مهرجان صالح

 

يقول عبدالسلام محمد، إن صالح أراد من الاحتفال تحقيق عدة أهداف.

وأوضح: "الأول استعادة بنية المؤتمر المترهلة، والثاني توجيه رسالة لحلفائه في الانقلاب لتخفيف تفرُّدهم بإمكانات الدولة وإهانة قادة حزبه، والثالث رسالة للخارج أن بوابة السلام تمرُّ من المؤتمر وبقيادة صالح".

وأشار إلى أن نجاح صالح في تنظيم المهرجان، رسالة للمجتمع الدولي بأنه: "نحن أنهينا ترتيباتنا الداخلية وعلى استعداد لأي حوار، من أجل إحلال السلام في اليمن".

وأضاف المحلل السياسي: "ولأن الحوثيين لا يتراجعون مطلقاً إلا بالقوة العسكرية، ويهربون دائماً للأمام حتى لو أدى ذلك لانتهاء حركتهم عسكرياً، فمخاوفهم نابعة من طموحات صالح وعودته من جديد".

تبقى المدينة على أهبة الاستعداد والقلق، انتظاراً للخميس الكبير. يظهر المسلحون كل ليلة في الشوارع شبه الخالية. في المساء يقتربون من ميدان السبعين، فيراهم الحرازي. مسلحون حوثيون وجنود يرتدون أزياء رسمية للجيش والأمن، ينتشرون على العشرات من نقاط التفتيش، لإعلان حضورهم وأنهم موجودون في حفظ الأمن.

أما صديقه نعمان الحمدي، وهو أب لسبعة أطفال ويعمل بالأجر اليومي، فيسعى لشراء كيسي دقيق (عبوة 50 كيلوغراماً)، وتخزينها في المنزل، فهم كما يقول لـ"هاف بوست عربي"، مقبلون على فصل جديد من الحرب.