المسؤول عن قتل الدبلوماسيين الروس؟

الأربعاء 28 يونيو-حزيران 2006 الساعة 09 صباحاً / مأرب برس / موسكو / د محمد النعماني
عدد القراءات 3807

جاء في نبأ وزارة الخارجية الروسية أن قيادة الوزارة تعلن بمزيد من الألم عن مأساة قتل موظفي السفارة الروسية في العراق على يد الإرهابيين.

وأوردت الوزارة نبذة عن سيرة حياة الموظفين القتلى:

- فيودور زايتسيف سكرتير السفارة الثالث. ولد في عام 1978 . تخرج من معهد العلاقات الدولية في موسكو. عمل قبل توجهه الى العراق في سفارة روسيا في جمهورية رواندا وكان ملحقا بدائرة أفريقيا في وزارة الخارجية الروسية. وكان مستعربا ماهرا.

- أناتولي سميرنوف سائق. ولد في عام 1973 . عمل منذ عام 1996 سائقا في وزارة الخارجية الروسية.

- رينات أوغليولين طباخ. ولد في عام 1978 . وعمل طباخا في مطعم مجمع فندق "بريزيدينت أوتيل" التابع لمصلحة شؤون الرئاسة الروسية.

يرى وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أن من واجبات قوات التحالف المباشرة زيادة الأمن في العراق بما في ذلك أمن الممثليات الأجنبية.

وقال لافروف للصحفيين إن الأمن في العراق يجب أن تضمنه الحكومة العراقية التي شكلت الأجهزة المعنية، وقوات التحالف برئاسة الولايات المتحدة الموجودة هناك. وأضاف الوزير :"إننا نعمل في جميع هذه القنوات ونرى أن على من يرتبط هذا به وخاصة قوات التحالف زيادة الاهتمام لحد كبير بضمان الأمن بما في ذلك أمن الممثليات الأجنبية الموجودة في العراق لمساعدة العراقيين على تنظيم حياتهم السلمية بعد الحرب الدامية التي مازالت مستمرة".

وأشار لافروف الى أن روسيا طلبت مرارا اتخاذ التدابير التي من شأنها أن تزيد أمن المواطنين والدبلوماسيين الروس في العراق.

- أوليغ فيدوسييف. ولد في عام 1964 قام بمأموريات الى الخارج حيث عمل حارسا للممثليات الروسية في الخارج.

أعرب الرئيس الأذربيجاني إلهام علييف عن مواساته للقيادة الروسية في مقتل موظفي السفارة الروسية الذين اختطفوا في العراق.

وذكر علييف أنه صدم بنبأ قتل موظفي السفارة الروسية في العراق. وأضاف أنه يدين بشدة التنكيل بممثلي البعثة الدبلوماسية الروسية، ويعرب باسم الشعب الأذربيجاني وباسمه شخصيا عن عميق مواساته وتعاطفه مع ذوي الضحايا والشعب الروسي كله. 

وقال قادروف في بيان أصدره بشأن مأساة قتل الدبلوماسيين الروس في العراق: "لقد تستروا على جريمة القتل بأحداث الشيشان. وأود أن أذكر بأننا نواجه الإرهاب الدولي الذي شن حربا على المجتمع العالمي كله". وأضاف: "إن الإرهاب لا ينتمي إلى أية قومية، ولا يمكن أن يبرر مهما كانت الظروف. كما أن الشيشانيين يعرفون بتجربتهم الخاصة حجم المصيبة والمعاناة اللتين يجلبهما الإرهاب بغض النظر عن الأشكال التي يظهر فيها

أدان المتحدث الرسمي باسم الخارجية الإيرانية حميد رضا آصفي جريمة قتل موظفي السفارة الروسية الذين اختطفوا في العراق، ووصفها بأنها "عمل لا إنساني".

وجاء في البيان الذي أصدره المكتب الصحفي لوزارة الخارجية الإيرانية: "إن قوات الاحتلال تتحمل مسؤولية العمليات الإرهابية التي ترتكب ضد المدنيين الأبرياء ومنتسبي البعثات الدبلوماسية الأجنبية في العراق. كما أن تواجد قوات الاحتلال في العراق يعتبر سبب استمرار الأعمال الإرهابية في هذا البلد".

أكد رئيس لجنة الشؤون الدولية في مجلس الدوما الروسي قسطنطين كوساتشوف على ضرورة إجراء تحقيق في جريمة قتل الدبلوماسيين الروس الذين اختطفوا في العراق.

وقال كوساتشوف في تعليق على بيان مجلس الدوما الروسي بشأن الوضع المتعلق بقتل الدبلوماسيين الروس الذين اختطفوا في العراق: "إن هذه المأساة بحاجة إلى إجراء تحقيق - هل تم عمل كل شيء لضمان أمن مواطنينا".

وأضاف أن تصرف السلطات الروسية في أثناء الأزمة العراقية، وسياسة روسيا الخارجية لم يوفرا أية مقدمات لوقوع هذه المأساة. وأكد على أن السياسة الخارجية الروسية كانت ومازالت موجهة نحو مساعدة الشعب العراقي الذي يمر بمرحلة صعبة بسبب تواجد قوات الاحتلال على أراضيه.

وأشار كوساتشوف إلى أن هذا المنطق كان يجب أن يحمي المواطنين الروس إلا أن روسيا اصطدمت بوضع يفتقر إلى المنطق الإنساني تماما.

كتب بيوتر رومانوف، معلق نوفوستي السياسي يقول

إن مصرع الدبلوماسيين الروس يجعلنا نوجه مثل هذا السؤال غير السار لأنني أرى أنه لا يمكن الاقتصار على الكلام عن قساوة ولا عقلانية الجماعات الإسلامية الإرهابية. ولا بد من هذا السؤال إذا حللنا بنزاهة المأساة التي حدثت وحاولنا أخذ العبر منها للمستقبل.

وتخص هذه العبر بالدرجة الأولى روسيا نفسها بالطبع والبلدان الأخرى أيضا. وفي نهاية المطاف لولا المغامرة الأمريكية في العراق ما حدثت المأساة بالطبع. ومصرع الروس ليس الحادث الأول ولا الأخير للأسف في هذه الحرب. فقد لقي مصرعه عشرات الآلاف من الضحايا الأبرياء سواء بين العراقيين أنفسهم أو بين الأجانب. وكلهم ضحايا الحرب التي بدأت بأنباء كاذبة كبيرة وستنتهي على أفضل التوقعات بإقامة ديمقراطية كساحية "ساقطة".

ومن الممكن بسهولة أن نتصور هذا كله على مثال أفغانستان. فبعد العملية الظافرة في أفغانستان نجد الصحف العالمية الآن مليئة بأشد الانتقادات لحكومة كرزاي الذي لا يستطيع بوضوح السيطرة على الوضع في البلاد. وتنتعش حركة طالبان وتزدهر تجارة المخدرات وغير ذلك. وهناك مصير مماثل للحكومة العراقية أيضا التي ليس بإمكانها البقاء إلا في ظل الدعم العسكري الأجنبي الدائم.

ومن المؤسف أن قَلَّ من يقدر هل أن نموذج الديمقراطية يساوي مثل هذه الكمية الكبيرة من الدم المراق. علما بأنهم في واشنطن أقل ما يفكرون في ذلك. ولو سمينا الأشياء بمسمياتها لوجدنا أن العالم يواجه أساليب إمبراطورية لا ديمقراطية بالمرة.

والمسؤول الرئيسي عن وقوع المأساة (بالإضافة الى الإرهابيين أنفسهم) هو الولايات المتحدة. فسياستها الإمبراطورية بالذات أدت الى مصرع المواطنين الروس كما هو الحال بالنسبة لمصرع عشرات الآلاف من ضحايا هذه الحرب الآخرين من أجل فرض ما يسمى بالنماذج الديمقراطية.

 

إن مصرع الدبلوماسيين أظهر بوضوح عجز السلطات العراقية وقوات الاحتلال الأمريكية التي تتحمل بموجب القانون الدولي المسؤولية كاملة عن الوضع في البلد المحتل وعجز روسيا نفسها التي لم تتمكن من الدفاع عن مواطنيها. ولهذا هناك أسئلة موجهة الى الجانب الروسي أيضا بالطبع.

وأقل ما يخص هذا القضية الشيشانية بالذات ولو أن الإرهابيين كما هو معروف قتلوا الرهائن تضامنا مع "رفاقهم في السلاح" في الشيشان. ولست واثقا من مدى إدراك الأصوليين أنفسهم ولكنهم خسروا الحرب في الشيشان في نهاية المطاف ليس أمام الروس بقدر ما خسروها أمام الشيشان أنفسهم الذين يطاردون الآن بأنفسهم بقايا ما يسمى "بإخوان الغابة" في أراضيهم. ولهذا فإن انسحاب القوات الروسية من الشيشان الذي طالب به شكليا الإرهابيون قل ما يمكن أن يغيره مبدئيا في الواقع. إذ لا يمكن إخراج الشيشان من جمهوريتهم بينما أظهروا سواء في الاستفتاء أو خلال مواجهة بقايا عصابات الانفصاليين أن الأصولية لا تلائمهم إطلاقا.

ولهذا فإن الأسئلة الناشئة من نوع آخر. منها مثلا ما هو مدى صحة نهج سياسة روسيا الخارجي في الشرق الأوسط على العموم تجاه العالم الإسلامي؟ ولم تنقذ حياة الدبلوماسيين الروس لا جولة حماس في الكرملين ولا التأكيد على مشاعر الصداقة تجاه إيران ولا السعي الواضح للتقارب مع البلدان الإسلامية لأقصى حد. ولن أجادل صحة هذا النهج لأنه منطقي وله ما يبرره مبدئيا ولكن الشيطان يكون دائما مخفيا في التفاصيل. إذن يجب هنا أيضا البحث عن نقاط الضعف وإدراك ووزن كل تفاصيل نهج السياسة الخارجية مرات عديدة.

إن مأساة الدبلوماسيين الروس تجعلنا نتذكر الماضي أيضا مثل تصفية المخابرات بشكل غير مدروس في عهد بوريس يلتسين. إن المخابرات السوفيتية لم تكن بحاجة الى التصفية بل الى الإصلاح المدروس. وليس بإمكان أية دولة البقاء بدون وجود دائرة للأمن عالية التأهيل. ولاسيما في الوضع الراهن عندما تجري حرب ضد الإرهاب الدولي. إن مصرع الدبلوماسيين الروس هو لحد كبير صدى لتصفية المخابرات. وتدمير الشيء ليس بالأمر المعقد بينما يتطلب تكوين نظام فعال لأمن الدولة عشرات السنين.

ومن الطبيعي أنه ليس من المؤكد أن حالة المخابرات الروسية لو كانت جيدة الآن لتمكنت حتما من إنقاذ حياة الرهائن ولكن فرص تحقيق ذلك كان من الممكن أن تكون أكثر بكثير. ومن الصعب عدم لفت النظر الى أن وزارة الخارجية الروسية لم تؤكد نبأ مصرع المواطنين الروس إلا بعد يوم على ظهور صور بالفيديو على الإنترنت لإعدامهم لأنه لم تكن لدى الوزارة معلومات دقيقة عن مصير الرهائن. ولهذا كان من الصعب في مثل هذه الظروف الأمل بإطلاق سراحهم. وهذا بالنسبة لمسألة الضرورة الملحة لأن تكون لدى روسيا حاليا مخابرات فعالة للغاية.

ويمكن أن نحكم من التصريحات الرسمية أن القيادة الروسية الحالية خلافا لأزمنة يلتسين "الثورية الرومانطيقية" عندما جرى بشكل غير مدروس تقويض أشياء إيجابية عديدة تدرك كل شيء جيدا وبدون نصائح من الآخرين. ولم يبق إلا عمل ذلك