بين مسقط والرياض... جهود بريطانية لحل يمني "مجهول الملامح"

السبت 27 يناير-كانون الثاني 2018 الساعة 07 صباحاً / مأرب برس_ العربي الجديد
عدد القراءات 3109

 

يبدو أن بريطانيا، التي تعد بمثابة المقرر الدولي في ما يتعلق بملف اليمن في مجلس الأمن الدولي، تحاول أن ترسم ملامح تسوية أو تهدئة على الأقل، يجري التحضير لها في الغرف المغلقة، لكن بعض مظاهرها برزت أخيراً، مع تراجع مباغت لوتيرة العمليات العسكرية وإعلان التحالف الذي تقوده السعودية، عن إطلاق عمليات "إنسانية" تتصدر على حساب عملياته العسكرية.  
وبدا لافتاً أن العودة البريطانية لتحريك مسار المفاوضات في اليمن، من خلال الزيارة التي يقوم بها وزير الخارجية بوريس جونسون إلى المنطقة، والتي شملت سلطنة عمان، أول من أمس الأربعاء، والسعودية أمس الخميس، تترافق مع بروز اسم الدبلوماسي البريطاني السابق، والوسيط الدولي، مارتن غريفيث، كأبرز المرشحين لخلافة المبعوث الأممي إلى اليمن إسماعيل ولد الشيخ أحمد، بعد إعلان الأخير أنه لن يستمر في منصبه، مع انتهاء فترته في فبراير/ شباط المقبل. ويُوصف غريفيث، الذي زار اليمن والسعودية في أكتوبر/ تشرين الأول المنصرم، بأنه وسيط دولي كبير، وأول مدير للمعهد الأوروبي للسلام، بين عامي 2012 و2014 خدم بمكتب المبعوثين الثلاثة للأمم المتحدة في سورية، كما كان نائباً لرئيس بعثة مراقبي الأمم المتحدة في دمشق. 

"
كشف وزير الخارجية اليمني الأسبق أن هناك تحضيرات لمفاوضات سرية لحل أزمة اليمن لم تتضح معالمها بعد

"

وبالتزامن أيضاً مع الحراك البريطاني، كشف وزير الخارجية اليمني الأسبق، أبوبكر القربي، والذي يشغل حالياً منصب الأمين العام المساعد لحزب المؤتمر الشعبي العام، ويتواجد خارج البلاد، أن هناك "تحضيرات لمفاوضات سرية لحل أزمة اليمن لم تتضح معالمها بعد". وأضاف، في تغريدة على صفحته الشخصية بموقع تويتر، أن "المهم ألا تؤسس هذه السرية لفرض الحل أو لإقصاء طرف أو تقديم تنازلات على حساب أطراف أخرى. وما لم يلتزم بالشفافية والعدالة وضمان حماية حقوق كل الأطراف، فإن المفاوضات لن تحقق سلاما دائماً وقد تفشل من بدايتها"، في إشارة على ما يبدو إلى أن الأطراف اليمنية الأخرى، أو حزب الرئيس الراحل علي عبدلله صالح، الذي يعد القربي أحد قيادييه، لا يزال خارج التحضيرات الدائرة.

وخلال الـ48 ساعة الماضية، أكدت مصادر سياسية يمنية لـ"العربي الجديد"، أن لندن كثفت من جهودها الدبلوماسية على نحو غير مسبوق في سبيل الدفع بالعملية السياسية اليمنية إلى الأمام، قبل شهرين من إكمال الحرب في اليمن ثلاث سنوات. وعلى الرغم من الغموض الذي يلف تفاصيل التحضيرات، لكن يبدو أنها، حتى مساء أمس الخميس، تتم بين الأطر المعنية في السعودية وفي إطار مجموعة الدول الأربع بالتنسيق مع جماعة أنصار الله (الحوثيين)، من دون أن يشرك أي طرف يمني آخر، بصورة رسمية، علنية على الأقل، بهذه التحضيرات. 

"
تزامنت زيارة جونسون لسلطنة عمان مع أنباء عن مغادرة وفد حوثي للعاصمة اليمنية صنعاء متوجهاً إلى مسقط

"

ووصل جونسون إلى العاصمة العُمانية مسقط، مساء الأربعاء الماضي، والتقى بسلطان البلاد، قابوس بن سعيد، بالتزامن مع أنباء عن مغادرة وفد حوثي، برئاسة المتحدث الرسمي باسم الجماعة، محمد عبدالسلام، للعاصمة اليمنية صنعاء، إلى مسقط، الأمر الذي لم يؤكده أو ينفيه الحوثيون بصورة رسمية. ومن غير المستبعد أن يكون الوفد قد عقد لقاء مع جونسون، على غرار لقاء وفد من الحوثيين بوزير الخارجية الأميركي، جون كيري، في مسقط، في نوفمبر/ تشرين الثاني 2016، وإنْ بظروف ومعطيات مختلفة، إذ لا تظهر السعودية، هذه المرة، تحفظاً كبيراً على تحركات لندن. وتعتبر مسقط بمثابة الوسيط بين المجتمع الدولي والحوثيين، إذ كانت قد استضافت في السنوات الماضية، العديد من اللقاءات، بما فيها اللقاء الشهير الذي جمع كيري مع الحوثيين في الأشهر الأخيرة قبل ترك منصبه، فيما تعد لندن بمثابة المقرر الدولي في ما يخص ملف اليمن، وتقدمت بمختلف مسودات القرارات والبيانات التي وافق عليها مجلس الأمن في الشأن اليمني.

وكانت وزارة الخارجية البريطانية قد أوضحت أن اجتماعات جونسون في سلطنة عمان تركز على إحراز تقدم باتجاه التوصل لحل سياسي للصراع في اليمن، في حين أن لقاءاته في السعودية مخصصة "لبحث الأزمة في اليمن، إلى جانب بحث التصدي لنشاط إيران الذي يزعزع الاستقرار في المنطقة"، على اعتبار أنه "لسلطنة عمان والمملكة العربية السعودية دوراً هاماً في المنطقة، وخصوصا لإيجاد حل سياسي للأزمة في اليمن". وبدا جونسون حريصاً على استباق زيارته إلى سلطنة عمان والسعودية بالتأكيد على أنه "لا حل عسكرياً للصراع، بل إن محادثات السلام هي الحل الوحيد طويل الأجل للشعب اليمني".

كما كان جونسون قد استضاف، الثلاثاء الماضي، في سفارة بلاده بالعاصمة الفرنسية باريس، اجتماعاً رباعياً حول اليمن، ضم إلى جانبه، نظيره الأميركي ريكس تيلرسون (وكان الاثنان قد اجتمعا في لندن)، بالإضافة إلى وزير الخارجية السعودي عادل الجبير، والإماراتي عبدالله بن زايد، وخرج الاجتماع دون نتائج معلنة، على ما يبدو نتيجة لتباين الرؤى تجاه بعض القضايا والأولويات، أو كنتيجة لتفاهمات على إبقاء النقاشات بعيداً عن الإعلام. 

وفي الوقت الذي لا تزال فيه ملامح أي تسوية غامضة وتشوبها الكثير من التعقيدات، من الواضح أن تقدماً ما قد حصل في الأسابيع الأخيرة، كان أبرز ملامحه إعلان التحالف الذي تقوده السعودية عن إطلاق عمليات إنسانية شاملة في اليمن، وتراجع نبرة الحديث عن العمليات العسكرية ضد الحوثيين، على ما يبدو نتيجة للضغوط الدولية التي تدفع نحو تسوية، أو كنتيجة لتفاهمات غير معلنة بين الحوثيين والجانب السعودي. ومن المرجح أن تنصب الجهود على تقديم المسار الإنساني كأولوية لمرحلة جديدة في اليمن، لا تنهي الحرب بالضرورة، ما لم يكن هناك اتفاق واضح يمكن على ضوئه الحكم بفرص النجاح من عدمها.