مهنية الإعلام الرسمي اليمني!!
صفوان الفائشي
صفوان الفائشي

يحاول الإعلام الرسمي (القومي) اليمني بشتى الطرق والوسائل والأساليب تزييف الحقائق وقلب المفاهيم وخلط الأوراق وتشويه الوقائع والأحداث وفبركة الصورة والخبر،علّه يغيّر قناعات الناس الذين هجروه بل مقتوه وذهبوا للوسائل والقنوات الأخرى كـ(الجزيرة) و(العربية) والـ( بي بي سي) وغيرها من الوسائل التي يمارس أصحابها عملهم بحرفية ومهنية عالية وما تسعى أليه تلك الوسائل من قول ونقل الحقيقة التي تغضب من يحاولون قتل الحقائق في مهدها‏.‏

ومع أن الإعلام الرسمي في بلادنا يحاول الزعم والإدعاء كذباً أنه مرآة لروح الشعب وهمومهم، لكنه أخفق في تلبية مطالب وقضايا الشارع اليمني،وهو ما أفقد الناس ثقتهم به ، الذي لا يقدم الحقيقة ولا يقترب من هموم الناس الفعلية، وأمام هذا الأداء المرفوض ملَّ الناس وسئمت آذانهم وعقولهم وعيونهم سماع ومشاهدة وقراءة ما يسوقه إعلامنا الرسمي من تزييف وتحريف يحاول أصحابه إيهام الناس انه إعلام يدافع عن قضاياهم ووطنهم والصالح العام، ليظل هذا الإعلام الذي يبدوا أنه لم يستوعب درس الإعلام (القومي) في كل من مصر وتونس،حيث أثبت ذلك الإعلام أثناء الثورة أن أغلبية العاملين فيه، ليس لهم علاقة بالحرفية والمهنية، ولا يتقنون إلا لغة الولاء للحاكم، وهو ما انقلب عليهم بعد نجاح الثورة الشعبية، بحيث لم يعودوا يجدون مكانا لهم في ظل تحرير الإعلام الذي كشف الغطاء عن الإعلاميين المهنيين الأحرار الذين يقدمون عملهم بدقة وموضوعية عالية، وقد حاول الإعلام الرسمي في تلك الدول الإنقلاب على ذاته وأن يغّيّر جلده بين عيشة وضحاها، فلم يفلح وانكشف وظهرت حقيقته جليا، ولا نغفل هنا أن لإعلام الرسمي المصري كان يتمتع بهامش حرية لا يوجد لها مثيل في أي وسيلة إعلامية يمنية رسمية، سواء كانت مرئية أو مسموعة أو مقروءة.

ولذا لا أستطيع مقارنة أداء الإعلام الرسمي في بلادنا بأداء أي إعلام أخر حتى وسائل الإعلام تلك التي في الدول الملكية التي لا تدعي الحرية والديمقراطية كما شأننا في اليمن.

ذلك أن أداء الإعلام الرسمي اليمني اقرب ما يكون إلى المسخ والتضليل منه إلى التحصين والتنوير والتوعية والتفسير والإرشاد، فوسائل إعلامنا الرسمي من حيث الأداء والشكل والمضمون والطريقة والغاية هي وسائل غير مبتكرة، رغم الإمكانيات التي لم تحسن استغلالها بما يخدم مصالح الوطن وليس مصالح أشخاص وأحزاب، ولذا فهي ضعيفة وعاجزة، تفتقد للإرادة والإدارة، نجد هذه الوسائل ترتعب من المتغيرات، وتخفق في التعاطي مع كل الأحداث التي تشهدها الساحة المحلية، وتصدّر مخاوفها إلى الجمهور بدلاً من أن تعينه على الفهم والإدراك والمعرفة، والأدلة على هذا كثيرة منها على سبيل المثال: محاولة كل من قناتي ( اليمن) و( سبأ) هذه الأيام التعامل مع الأحداث وتناولها بطريقة مغايرة لما دأبت عليه من ((نمط الإعلام التبجيلي الذي لا يرى غير مفاتن السلطة وحسنات الجاثمين على صدور الناس) والخروج عن المألوف فبدأت قناة ( اليمن) في برنامج(المشهد) استضافة أشخاص من المعارضة أو من أصحاب الرأي الآخر للتحدث حول الأحداث وما تشهده الساحة المحلية من أزمة على كافة الأصعدة ، لكن مقدمي تلك البرامج أو الذين يديرون تلك الجلسات الحوارية والتي هي أقرب إلى المشاهد التراجيدية التي تبعث على الأسى والحزن، منها إلى النفع والفائدة، بدوا غير قادرين على الحياد والموضوعية وتوزيع الوقت بالتساوي ، فراحوا يستضيفون ممثلي عن الحزب الحاكم في تلك البرامج للرد على ما يطرحه الطرف الآخر فتجد ممثلي حزب الحاكم سواء كانوا حاضرين في البرنامج أو من خلال مشاركتهم عبر الهاتف، يمتدحون أنفسهم عن هذا التطور النوعي في سماع الرأي الآخر، وبدلاً من التحدث بشافية عن أسباب الأزمة والمشاركة في موضوع الحلقة بشفافية إذا بهم يهربون عن مواجهة الحقائق والأرقام التي تتحدث عن الفساد وفشل السياسات الحكومية بالمن والاستكثار على ممثل المعارضة أو الرأي الأخر بأنهم استضافوه في قناة السلطة ونسى أو تناسى هؤلاء أن الإعلام الرسمي إنما هو ملك للشعب وليس للحزب أو السلطة، ولذا فإن الإعلام الرسمي أحوج ما يكون اليوم إلى إعادة هيكلة على أيدي أهل المهنة الموضوعيين، للارتقاء بأدائه ورسالته ليحاكي قضايا الشارع بصدق خصوصا وأن المؤسسات الإعلامية الرسمية، تمول بالضرائب التي يدفعها المواطنون .

لقد فشل أو عجز إعلاميو الإعلام الرسمي عن التعامل مع الطرف الآخر بمهنية ومصداقية وشفافية وحياد بدليل التغير البسيط الذي طرأ من قيام استضافة بعض وسائل الإعلام الرسمية المرئية للرأي الآخر والذي إنما جاء على وقع الاحتجاجات المطالبة بالتغيير ولهذا بدا التلعثم والانبهار والارتباك واضحا على أداء تلك الوسائل التي تمارس أداء مستفزاً ولم يقتصر هذا على وسائل الإعلام المرئية أو المسموعة بل ينصرف هذا على الصحافة الرسمية أيضاً التي واصلت سقوطها الذر يع من خلال تغطيتها المخجلة وعناوينها الرئيسية الكوميدية علي غرار الملايين التي خرجت تأييدا للشرعية المفقودة بينما الغضب يجتاح المحافظات اليمنية كلها بسبب أربعاء عدن الدامي، وجمعة تعز الحزينة، وثلاثاء صنعاء الأسود، وما لحق بالمعتصمين سلمياً‏ في مختلف المناطق والمحافظات اليمنية.‏

وهذا السقوط للإعلام الرسمي في تناول الأحداث والقضايا ليس وليد اللحظة الراهنة وإنما هو سلسلة من التراكمات تمثلت في اختيار شخصيات يأتي ولاؤها السياسي والحزبي قبل ولائها للمهنة وقدراتهم الصحفية فارتموا في أحضان الحزب والتصقوا بأذرع الحكومة على حساب الشعب والحقائق والمهنة ذاتها‏.

وقد أثبتت تجارب السنوات السابقة أن الإعلام الرسمي اليمني بمختلف وسائله ، لا يعكس بأي حال من الأحوال الحراك المجتمعي، ولا صوت الناس، إنما هو عبارة عن بوق للسلطة التنفيذية وأجهزتها، وأن المسافة بين الحقيقة التي تحدث في الشارع وما تنقله تلك الأجهزة الإعلامية كبيرة وبعيدة جدا.

وبعيدا عن المقالات والأعمدة والافتتاحيات واللقطات التي تنشرها الصحافة الرسمية في اليمن  والتي خصصتها للتشكيك بالأخر والنيل منه ومن وطنيته وتوجهاته وأطروحاته، وتوزيع صكوك العمالة والخيانة والارتهان للخارج ، بعيدا عن ذلك فقد خرجت علينا هي الأخرى بسيل من الأكاذيب والتحريفات تجلى ذلك في لطش الآراء من مواقع التواصل الاجتماعي كـ( الفيس بوك) والتي أصبحت متنفس للجميع ونشرها على أنها مقالات كُتبت خاصة بالصحيفة ،إلى نشر تصريحات يتفاجئ أصحابها بما جاء على ألسنتهم من رجم الغيب دون أن يعلموا، ناهيك عن السباب والشتائم التي تتضمنها صفحات تلك الصحف التي تربأ الصحافة الصفراء بنفسها عنها ، إلى فبركة التصريحات والأخبار بطريقة توحي بالاطمئنان والرخاء إلا أنها تعكس حجم تسييساً وتوجهات حزبية إلى جانب ضعف مهني جسيم ينعكس على طريقة تغطيتها للأحداث.

وكل يوم تتكشف وسائل الإعلام الرسمية أكثر فأكثر ويستمر سقوطها المهني والصحفي والسياسي والأخلاقي‏,‏لأن القائمين على أمر تلك الصحف يقدمون ذاتهم الحزبي والسياسي على ذاتهم المهني ولهذا فهم يعالجون الأحداث علي نحو من التزوير والتحريف والتزييف على حساب الحقيقة والواقع‏،وأصبحت وسائل طاردة للمشاهدين والمستمعين والقراء، لأنها اعجز من عن سماع رأي الطرف الآخر بل تضيق به ذرعا وترفضه ولا تقبله وما ذاك إلا لأن أسسها هشة وأهدافها واضحة تجهيل الناس وتضليلهم وتحريف الحقائق وتزييفها وصناعة الأكاذيب فهي أصلاً عليلة، تفتقد الرؤيا والهدف، دأبت على إقصاء الأخر وتسفيهه وإنكاره، نشأت وترعرعت على الرأي الأوحد، ولذا تكاد تكون هذه الوسائل هي أكثر من غيرها تفاجأ بالأحداث ، ولا تقوى على تحليلها، وبدلا من أن توجه الجمهور وترشده، فإنها تنقاد لإملاءات الحزب ورموزه، ولا تستطيع أن تجيب على تساؤلات الجمهور الذي تخاطبه، بل تضيف إلى إستفهاماته فلا تحدث تنويرا ولا تصنع حصنا بل ثقوبا وظلاما.

ولذا ليس غريبا أن تصبح هذه الوسائل طاردة لكوادرها المتميزة،وللكفاءات والقدرات، وبات معظم العاملون فيها يعيشون خارج وطنهم وكأنهم مغتربون عنه بعيدون عن اهتمامات مجتمعهم، ولهذا ليس غريبا أن تعيش اليمن طوال الفترات السابقة في مأزق احد ابرز أسبابه أداء الأعلام الرسمي والقائمون عليه بدرجة أساسية، الذين لم يكونوا يدركون أن اليمن ستنال نصيبها من التغيير، نتيجة لأدائهم أولاً، ثم لأنها واقعيا دولة ضعيفة، وإدارتها لا تعبر عن مجتمعها، ومؤسساتها أوهن من بيت العنكبوت،لأنها ترتبط بأشخاص وتحكمها الواسطات والمجاملات،والصداقات والولاءات الحزبية والشخصية،وتديرها أيضا تلفونات ومكالمات، ولا تحكمها لوائح وقوانين وأنظمة وآليات وبرامج، كما أن جغرافيتها غير ثابتة لأنها تتضمن الكثير من عوامل الانفجار.

وقد جعل كثيرون ممن ينتسبون إلى وسائل الإعلام الرسمية أو يعملوا فيها جعلوا من أنفسهم - وهذا ليس عن قناعة ورضا - أدوات في برامج معقدة ووسائل لتنفيذ أجندات تكرس الجهل والتضليل وتحتفي بانتصارات زائفة، وتمتدح الفساد وتستخف بعقول من تخاطبهم، وليس معنى هذا أن كل الزملاء العاملين في هذه المؤسسات يمارسون ذلك ، بل يوجد في هذه المؤسسات من يتمتع بالخبرة والكفاءة والمهنية والموضوعية والحياد ، وهناك من يمارس ذلك عن قناعة نابعة من حرصه على مصالحه التي يرى أنها لن تأتي بغير هكذا أداء وطريقة وسلوك حتى ولو تعارض ذلك مع أبجديات المهنة وقواعدها، والبعض الآخر فضل العمل في مناطق رمادية حتى لا يفقد وظيفته ولا تسلب منه مهنتيه.

 وبدلاً من أن تسهم وسائل الإعلام الرسمية في قيادة الرأي العام اليمني وتشكيله وتلوينه، وإحداث نهضة مجتمعية شاملة على اعتبار أن الإعلام هو واحد من أهم الأجهزة السيادية في المجتمع إن لم يكن أهمها على الإطلاق، بدلا من ذلك باتت تغرد خارج السرب وتركت المجال لغيرها، وذهبت تدير معارك افتراضية من قبيل التخوين والتكفير السياسي والوطني،والعمل على تلميع وخدمة سياسات فاشلة،وعليه فإنه وما لم يغيّر الإعلام الرسمي اليمني المرئي والمسموع والمكتوب أدائه وسياسته وطريقة تناوله للأحداث وبالذات المحلية،ستنكشف عوراته وخلال زمن قياسي وسيصبح خارج التاريخ لا يحظى باحترام أحد لأنه ببساطة إنحاز للسلطة على حساب الشعب ووظف كل طاقته لتزوير الحقائق واختلاق أخرى إرضاء لأشخاص،رغم أن أبسط قواعد العمل الإعلامي تقول أن الإعلام خادم للرأي العام.

والغريب في أمر هذه الوسائل اعتقادها أنها بهذا الأداء الممنهج الذي يستعدي المواطن ويظلله، تعتقد أنها تؤدي رسالة سامية وتنشر العلم والتنوير، وظلت ولا زالت وحتى يومنا هذا تمارس حربا نفسية ضد كل من يخالفها الرأي ويرغب في معرفة الحقيقة أو نقلها زاعمة أنها وحدها من يدافع عن هذا الوطن ومكتسباته، والحريصة وحدها على مصالحه وأمنه واستقراره ووحدته وسيادته، مع أن هناك الكثير من الشواهد والدلائل التي تثبت عكس هذا.

وبناء على ما سبق يجب على وسائل الإعلام الرسمية في بلادنا ؟أن تدرك ويدرك من يوجهونها ويرسمون لها السياسات التي لا شك أنها تنبع من مصالحهم الشخصية لا الوطنية أن وقت التغيير قد حان،ويجب أن يكون تغييرا ايجابيا لا يكرر نفس الأخطاء السابقة ويمارس الإقصاء والتهميش، وان المقالات والكتابات والقصائد والمقطوعات والافتتاحيات لا تعطل ثورات، كما أن التحريض والتربص لا يفجرها، (لأنه حين تحين اللحظة ويختل التوازن وتنهار المعادلات وتسقط القواعد، وتجد الشعوب أن عليها أن تتحرك، لأنها تفعل، دون أن يثنيها أو يثبطها عن ذلك مقال أو شعار أو برنامج أو غيره.


في الأحد 13 مارس - آذار 2011 03:49:44 م

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://marebpress.com
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://marebpress.com/articles.php?id=9441