فهل نكن بشرا لمرة واحدة فقط
بكر احمد
بكر احمد

لم يكن أحد يتوقع أن الفساد سيتوغل أكثر مما كان عليه في حكومة باجمال ، فأثناء تلك الفترة كان العصر الذهبي و الحقيقي للمفسدين والفساد وصارت ثقافة مشاعة تربي عليها أجيال وصارت المجاهرة بمثل هذه الأعمال تعد من أمور الذكاء والتميز ، بل أننا مازلنا نتذكر باجمال الذي دخل الوزارة وهو معدم وخرج منها وهو ملياردير حين قال بأن الفساد هو ملح التنمية والذي يعني بظاهرة وباطنه بأن السرقة من المال العام ليس أمر سيء إلى ذلك الحد.

انتهت فترة باجمال بأسلوب مهين ولم يغضب لأجله أحد ، وجيء بوزير أسوء وزارة قائمة آنذاك ومازالت وهي وزارة الكهرباء ليتولى منصب رئاسة الحكومة والتي أنتجت الآن حالة من الفضيحة لفساد مستشري ونهب عشوائي وسقوط أمني مريع وبلاد على وشك التقسيم وظهور تزمت مذهبي فج ، ثم وحاليا انهيار اقتصادي لا يمكن تخيله حتى في أسوء الكوابيس فالريال اليمني ومنذ عشرة أيام وهو مستمر في السقوط وفقدان قيمته أمام الدولار ، مما يعني أن الخلل الاقتصادي ضارب جذوره في بنية البلاد وأنه ونتيجة للفساد الذي يصر الرئيس عن تجاهله لأسباب يعرفها الجميع أصبحت البلاد أكثر هشاشة وأكثر عرضة للتفتيت والسقوط .

انهيار الريال اليمني بهذا الشكل أمر لو حدث في أي مكان آخر في العالم  لسقطت الحكومة مباشرة وتغير النظام فورا ، لكن كونه يحدث في اليمن وكون الشعب اليمني يعاني حالة إدمان شديدة لتعاطي أفيونه المسمى بالقات بشكل يومي فهو وعلى ما يبدوا أن النظام الحاكم في معزل عن أية ردة فعل طبيعية ، فلا حكومة في هذا التاريخ تحلم بمثل هذا الشعب الواقع تحت تأثير ما تفرزه تلك العشبة الخضراء ألا ولها أن تتمادي أكثر في سحقه حتى العظام دون أن يرف لها رمش .

توجد تبعات خطيرة لهذا السقوط في العملة الوطنية ، فالأمر ليس شكلا نتباهى به ، أنه يعني تضخم هائل في الأسعار وخروج فئات عريضة من الشعب _ هذا أن بقي منهم أحد _ من الطبقة الوسطى إلى المعدمة ، ومعنى أن ترتفع الأسعار فهذا تهديد حقيقي للقمة العيش للأسر اليمنية ، وخاصة أن الريال تهاوي إلى حافة الصفر وأكثر ،وكلها بضع أيام حتى تظهر انعكاسات هذا السقوط على حياة البسطاء من الشعب .

المثير بل والغاية في الإثارة هو أن النظام الحاكم وحتى الآن لم يخرج ليبرر لنا ما يحدث ، بل لم تأتي رؤى تطرح لنا خطط الخروج من هذه الهاوية الاقتصادية ، ولكن هذا شيء مألوف من نظام فاسد حتى أذنيه .

إذا ماذا عن المعارضة والتي ومن المفترض بها أن تنحاز إلى الشعب فالتهديد هنا يمس حياتهم ويتعرض للقمة عيشهم وملبسهم وتنقلهم ، ولكن الجميع مشغول بحوار جدلي مع النظام الحاكم لاقتسام ما يمكن اقتسامه، إنهم يعدون العدة لانتخابات قادمة ، وهذا أهم واكبر وأعظم مشاغلهم ! 

كلما اعتقدنا بأن الانحطاط الاقتصادي والفقر المدقع للشعب اليمني بلغ القاع وأنه لا مجال أكثر من هذا البؤس، يفاجئنا بشير الخير بأنه هنالك المزيد ، وان مثل هذه الأعمال الخوارق لا يقدر عليها إلا رجل استثنائي يجيد فن التجويع والتشريد ، يجيد فن إرساء قواعد العشوائية والفساد ، إنسان يشتم شعبه من على القنوات الفضائية ويصفهم بالأفاعي ليعطي انطباع حقيقي عن مدى الضغينة تجاهه وأن كل الممارسات التي نراها لا تظهر لنا إلا حالة من المنهجية في التدمير المتعمد والمستمر ، حالة من الهدم والخراب ، وإنه وجراء هذه القيم المنحطة لا نفهم كيف استمراء هذا الشعب هذا الوضع المهين ، وكيف قبل أن تكون صورته أمام العالم بأنه شعب متخلف وجاهل !؟

السبب الحقيقي هو القات ، فلولاه لما كان هذا الوضع ، و لولاه لما استطاع هذا النظام أن يفعل بنا ما نراه الآن ، ولولاه لكنا بشرا ، ومن طبيعة البشر أن ترفض الذل والإهانة ومن طبيعة البشر أن تنتفض لأجل لقمة عيشها ومستقبل أبنائها .

فهل نكن بشرا ..ولو مرة واحدة فقط ؟


في الخميس 05 أغسطس-آب 2010 06:13:24 م

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://marebpress.com
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://marebpress.com/articles.php?id=7676