برستيج المسئولية
معاذ الخميسي
معاذ الخميسي

ما زال لغز (الاجتماعات) محيراً للكثيرين.. والباحثون عن تفسيرات له.. أو أسباب مقنعة تقف وراءه.. عجزوا عن الحصول عليها.. فازدادوا حيرة في وضع بعض من المسئولين عينوا في مناصب وأسندت إليهم مسئوليات صغيرة أو كبيرة.. وأخذوا يتحولون بمجرد تسلمهم المسئوليات إلى أشخاص محاطين بالمظاهر الكذابة وأولها تصنع الشخصية المهمة والانشغالات الكثيرة.. ومن بينها محاولة إيصال رسالة للآخرين بأنهم مستهدفون بما يلفهم من حراسات على الفاضي وعلى المليان.. وابتداع أساليب غريبة من باب ما يسمونه (البرستيج)!

> ويبدو أن من لوازم ذلك (البرستيج) أن يتحول المسئول إلى عملة نادرة يصعب الحصول عليها.. سواءً في مكتبه.. أو خارجه.. وما يبعث على الألم.. ويحز في نفوس الموظفين أو المراجعين أن يحرص كثير من المسئولين المعينين على أن يصطنعوا طرقاً جديدة للوصول إليهم.. ومنها إيجاد ثلاث بوابات إذا لم تكن أربع يجب أن يمر عليها الموظف أو المراجع قبل أن يصل إلى من يقصده وهو (المسئول).. وعلى من يريد الوصول بسرعة الجمع بين الإمكانات المطلوبة والطرق المعروفة والتربيطات اللازمة.. وأن يتحلى بسعة صدر وبقابلية على تحمل صدمات المنع وربما الزجر أو (الصياح) أو حتى الدفع و (الدلكمة) خاصة إذا ما كان المسئول يتمتع بحراسات ليس في أبجدياتها كلمة (احترام)!

> وغير البدايات الثلاث والأربع.. هناك أسلوب آخر يتعمده المسئول الذي قادته الأقدار إلى كرسي المسئولية دون عناء.. وهو التحّري في اختيار مدير المكتب أو السكرتارية وأهم الشروط التي يجب أن يتحلوا بها هي الكذب المستمر.. والتعامل (الفجّ) واستخدام (البهررة) متى ما لزم.. واختلاق الأعذار والمبررات كالتي تقول المدير مشغول.. المدير عنده اجتماع.. المدير يستقبل وفداً خارجياً.. المدير لديه اتصال مهم.. المدير يتناول إفطار الصباح.. المدير غادر من الباب الخلفي!!

> وليس هناك مبرر يستحق الحصول على شهادة (الايزو) أو الجودة غير ذلك الذي يقول الوزير أو النائب أو الوكيل أو المدير العام في اجتماع.. وهذا هو أقرب وأسهل ما يخطر على البال.. وهو العذر الجاهز عند بوابات مكاتب المسئولين.. فالاجتماعات كما يبدو متواصلة.. ولا تنقطع منذ بداية الدوام وحتى آخره.. وبعض المسئولين - يا حبة عيني - مشغولون برسم السياسات ومتابعة المهام وتنفيذ الإجراءات وإنجاز معاملات الناس ليس بخطوات عملية تخفف من ازدحام الملفات والأوراق والمراجعين والموظفين ولكن بالاجتماعات التي لا تُعقد أو التي تتحول إلى (مجابرة) أو التي يقصد منها استخراج المزيد من المصروفات تحت بند (بدل اجتماعات).. و«اللهم بارك وزيد»!

> ولا أظن أن أمر (الاجتماعات) بحاجة إلى (تأكيد) فهو معروف بل ومشهور في كثير من الوزارات والمؤسسات والذي لامسه كثيرون وغالبية منهم من الموظفين الصغار أو المراجعين والباحثين عن حقوق وهؤلاء لا يجدون من يقول لهم ثلث الثلاثة كم.. ولا من يخفف عنهم كثرة التردد على الأبواب.. وبعيونهم التي ستأكلها الدود يشاهدون يومياً كيف أن الأبواب المقفلة والمتعددة تُفتح بسهولة شديدة أمام الدرجات الرفيعة وأعضاء مجلس النواب وأصحاب الوجاهات.. وبحضورهم تلغى الاجتماعات وتتلاشى الانشغالات..

> ولو قدر لموظف أو مراجع الدخول لوجد في أغلب الأحيان أنه ليس ثمة اجتماعات وإنما أحاديث تجمع المسئول بمن يحب أن يبقوا إلى جانبه.. أو أنه اجتماع مغلق في غرفة (البرزات) مع مسئول آخر أو مع أحد المقاولين.. وقد يكون المكتب الأنيق (فاضياً) وصاحبه لا يحب الإزعاج!

> ولا يعني هذا أن الجميع على نفس الشاكلة.. فهناك وزراء ووكلاء ومدراء يستحقون الاحترام والتقدير والإشادة.. أبواب مكاتبهم مفتوحة.. ومعاملات وحقوق الموظفين و المراجعين سريعاً ما تنجز.. وإذا لم تسمح الانشغالات في المكتب.. فإن دواماً آخر ينفذه ذلك المسئول المحترم في منزله لساعات طويلة من أجل إنجاز المعاملات وإكمال الإجراءات.. كما أنه لا فرق عنده بين المسئول الكبير.. والموظف أو المواطن.. ومعظم الذين يحملون مسئولياتهم بضمير وأمانة هم ممن خبروا الحياة وأجادوا الإدارة دون أن ينشغلوا كالبعض بالثوب الكبير الذي فُصّل خطأ على من لا يليق به ولا يصلح عليه!!

> دعونا نسأل.. متى تختفي موضة (الاجتماعات).. وكيف بإمكان من يحمل مسئولية أو من صعد بقرار أن يتجاوز كذبة (المدير مجتمع)..

> ومتى.. قولوا معي متى.. يحس بعض من منحت له الثقة أن المسئولية فهم.. وتفهم.. وسلاسة.. وابتسامة.. وصبر.. وحكمة.. ودراية.. وقدرة على النجاح.. ولم تكن في يوم من الأيام ريشا منفوشا.. وسيارة ممتلئة بالمرافقين.. وبدلة من ماركة عالمية.. أو أبواباً مقفلة.. وعقولاً مغلقة!!

  Moath1000@yahoo.com


في الجمعة 30 أكتوبر-تشرين الأول 2009 04:26:59 م

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://marebpress.com
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://marebpress.com/articles.php?id=5984