انقسامات في بيت الحكم.. وتصدع في حزب: هب لي.. زد لي
علي الجرادي
علي الجرادي

كيف يمكن فهم ما حدث لوزير الإدارة المحلية عبد القادر هلال «كوزير ناجح» من جغرافية «الإدارة الحاكمة» وكُلف بمهمات حساسة وذات طابع استراتيجي «كملف الجنوب» وخرج بتقرير مشهور «باصرة – هلال» الذي رسم معادلة دقيقة لخصها وزير التعليم العالي باصرة بقوله :»على النظام أن يختار بين التمسك بـ15 شخصا ناهبا للأرض أو استقرار الوطن»، ويومها تم التعريض بشخص «عبد القادر هلال» باعتباره من ملاك الأراضي في مدينة عدن اتضح بعدها أن الرجل اشترى أرض من ماله الخاص وقطعة أخرى تخص أخاه «الشهيد» تم صرفها له كسائر الشهداء والمناضلين.

والملف الثاني كان «إعادة إعمار محافظة صعدة» التي دمرتها خمسة حروب وشردت أهلها وأهم شرط كان غائباً لعودة التهدئة هو «عامل الثقة» وهو ما استطاع «هلال» انتزاعه عن جدارة وحظي بثقة الطرف الآخر «المواطنون والحوثي» وسرعان ما دارت الشكوك حول الرجل وبدأ التنقيب عن سجله ومواقفه وصولاً إلى ضبط الرجل متلبساً بإرسال «بنت الصحن» إلى مطرة حيث مقر عبد الملك الحوثي مع أنها بحسب معلومات «نيوز يمن» كانت في طريقها إلى مدير المؤسسة الاقتصادية فرع صعدة.

وبالمناسبة فإن مدير المؤسسة الاقتصادية العميد علي الكحلاني دارت حوله شكوك كثيرة وتقارير أكبر كادت أن تحيق بالرجل لولا حكمة الرئيس التي انتصرت بالقول «علي الكحلاني تاجر ناجح، وليس له مصلحة في ربط نفسه بالحوثي». وهو عين الصواب، إذ يعطي ثقة لمن يعملون معه وليس من المعقول أن يأخذ الناس بالشبهات وتقارير «الليل» ما لم يكن هناك أدلة دامغة لا تقبل الشك وهي نفس الشكوك التي أطاحت بالمحافظ الناجح «سابقاً» وعضو مجلس النواب أحمد الكحلاني الذي اضطر لنشر وثيقة بخط يده في «إيلاف» تخلى فيها عن أي أموال واستثمارات في الخارج لمن يثبتها أو يعثر عليها.

والملف الثالث الذي أنيط بعبد القادر هلال كان تكليفه بالحوار مع المعارضة في الوقت الضائع ولما لم يصل إلى نتائج مرضية للأجندة المؤتمرية طلب منه أن يُصدر بياناً -وحتى لو أصدر بياناً ما الذي يضيفه شهادة وزير ومقرب للنظام ضد المعارضة- فحاول التهرب وتجنب الإساءة وتحمل التعنيف والتعريض به في اللقاء الاستثنائي للجنة الدائمة. ومعروف عن «هلال» حساسيته للتجريح والاتهامات ربما مرد ذلك كونه شخص يحترم ذاته جيداً وأعرف مسبقاً أن هذه الكلمات في رصيده «كسجل محترم» لكنها قد تثير تساؤلات لدى صانعي الشكوك وللمساهمة في إزالة اللبس فإن أصواتاً خارج النظام قد تحاول إدانة السلوك السياسي الرسمي باقتناص هذه الفرص من دائرة النظام.

وقد لا يكون الموضوع «مجاملة شخصية» بقدر ما يكون مساحة إغاضة لطالما استخدمها النظام في استقطاب قيادات كثيرة من المعارضة أصبحت تشغل جميع المواقع القيادية المؤتمرية وبعض المواقع الرسمية، إذ اعتمد المؤتمر على سياسة الاستقطاب فقط دون حسابات النتائج التي تقود إلى صراع المصالح والفكر والتكتلات المتضاربة وهو ما يشهده المؤتمر الشعبي العام اليوم من تفكك وصراع. وزاد الأمر خطورة الاستقطاب على قاعدة «المصلحة الشخصية» الذي وصفها الرئيس ذات مرة بقوله مخاطباً اجتماع للمؤتمر الشعبي العام «أنتم حزب هب لي زد لي»..

الأدوات السياسية لا تقبل القسمة على اثنين جوهر الصراع السياسي القائم اليوم سواء داخل المؤتمر الشعبي العام أم داخل «البيت الحاكم» يقوم على استراتيجية التفرد النهائي بالقرار السياسي والعسكري والمالي والوصول إلى مربع يكون فيه الحاكم الأوحد والنهائي شخص واحد. وترتيب أوضاع المستقبل يقتضي اليوم الإطاحة بدائرة المنافسين المحتملين حاضراً ومستقبلاً.

فهناك تغييرات عسكرية واسعة النطاق تم إجرائها ولم تنشر استهدفت الخلوص بهذا المعنى. وهناك تضييق مورس على كل القوى الصاعدة وإن كانت حليفة لأنها قد تمثل خطراً في أي لحظة بالتحالف مع الآخر، فتم التخلص من «باجمال» من رئاسة الحكومة بعد مؤشرات بداية تسهيل مهمة «الرأسمال الحضرمي» في مفاصل اقتصادية. وتم التخلص من النفوذ العسكري للمقربين من ذات النطاق الجغرافي «كبيت القاضي وبيت الضنين». وأيضاً مضايقة أولئك الذين يحظون بوزن جغرافي أو علاقات خارجية معتبرة وعلاقات توازن مع الأطراف الداخلية كما هو الحال مع الشيخ محمد أبو لحوم ولا زلنا نذكر الحادثة الشهيرة بالتوجيه بالتحقيق معه بتهمة «التواصل» مع المعارضة.

ولا يختلف الحال كثيراً مع شخصيات أخرى مثل ياسر العواضي الذي تلاحقه تهمة «الطموح الجغرافي» استنادا لإرث «آل عواض» التاريخي وقدرات شخصية يتمتع بها الشيخ ياسر وإن كان في الفترة الأخيرة حاول أن يكون أكثر مرونة, لكنها لم تشفع له في مواجهة ضغوط شديدة إزاء جهوده في التحديث والتغيير.ودفعها مؤخراً باستقالة غامضة من منصب رئيس الدائرة الفنية أعقبها إجازة أثارت الارتياب وعاد منافحاً بقوة عن سياسات المؤتمر ما لبث أن أعلن مؤخراً تعليق عضويته في البرلمان لمدة أسبوع تضامناً مع «هلال».

تلك الخطوة تحسب له وتؤكد نواياه تجاه التعامل مع القضايا الحساسة، كما تفسر وقوعه بين مرين: مر الواقع، ومر مايفترض أن يكون.

وإذن لم يعد هناك غرابة في تفسير سلوك النظام تجاه العاملين معه والمتحالفين والخصوم على حد سواء. فالعاملين معه يجب أن يتمتعوا بصفة «الموظف المثالي» الذي يجدر به تنفيذ الأوامر حرفياً ولا يجتهد في الخروج عن النص أو يبحث عن أدوار تنم عن «احترام للذات».

وعلى الخصوم الإذعان للشروط والتهليل عند كل «عطية» أو «منحة» هي في الأصل جزء من الحق، وإلا تم تهديدهم «بقلب الطاولة».

اليمن لا تقبل القسمة، ولا تعرف «الجمع» وتهوى استخدام «الطرح» «الناقص» في كل أحوالها السياسية والاقتصادية.

aligradee@hotmail.com


في الثلاثاء 18 نوفمبر-تشرين الثاني 2008 08:18:42 م

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://marebpress.com
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://marebpress.com/articles.php?id=4451